يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

خريطة التنظيمات الإرهابية في شرق ووسط آسيا (2 ـ 2)

الإثنين 12/نوفمبر/2018 - 05:25 م
المرجع
حامد المسلمي
طباعة

في الجزء الأول من هذه الدراسة استعرض «المرجع» أهم المفاهيم والفوارق بين التنظيمات المختلفة، من حيث أيديولوجياتها وتعريفاتها، مع اختصار ظروف تكوينها ونشأتها في دول آسيا ومنطقة آسيا الوسطى، وفي هذا الجزء الثاني، والأخير، يكون التركيز على تفريق من نوع آخر وفي اتجاه مغاير بين تلك التنظيمات والحركات، لمعرفة الفارق بين مستويات الخطورة التي تعاني منها الدول، من خلال عدة معايير، منها؛ قدرة التنظيمات الإرهابية على السيطرة على الأرض، مقارنة بقدرة الحكومات والجيوش الوطنية في مكافحة الإرهاب، وردع هذه التنظيمات، وكذلك عن الدول الموجودة بها تنظيمات إرهابية بالفعل، أو تعرضت لوجود تنظيم إرهابي، وأخيرًا العمليات الإرهابية النوعية، هل هي عمليات نظامية أم عمليات نفذها «ذئاب منفردة».

للمزيد: «روسيا» تتقرب من «طالبان» لضرب مصالح أمريكا في أفغانستان

خريطة التنظيمات الإرهابية

وفي هذا السياق يمكن تقسيم دول المنطقة إلى ما يلي:

أولًا: الإرهاب الأشد خطورة

تُعد دولة أفغانستان منفردة في هذا التصنيف، وذلك لأسباب عدة، أهمها قدرة التنظيمات الإرهابية على الوجود والسيطرة على أجزاء من الأرض، وعدم قدرة القوات الحكومية أو قوات التحالف الدولي على القضاء عليهم.


ووفق آخر إحصائية لمؤشر الإرهاب العالمي، والصادر عن معهد الاقتصاد والسلام لعام 2017، فإن أفغانستان تقع في المرتبة الثانية -بعد العراق- بين الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب عام 2016، وذلك بنسبة 17.8% من إجمالي ضحايا الإرهاب على مستوى العالم؛ حيث نُفذت 1342 عملية إرهابية راح ضحيتها حوالي 10 آلاف، نفذ حوالي 80% من هذه العمليات حركة طالبان، فيما نفذت ولاية خراسان «فرع تنظيم داعش في أفغانستان» حوالي 12% من هذه العمليات، واستهدفت هذه العلميات بشكل أساسي القوات الأفغانية من الجيش والشرطة، كما نُفذ حوالي 25% من هذه العمليات ضد المدنيين والممتلكات الخاصة[1].


1- تنظيم القاعدة

بدأ تنظيم القاعدة في التكوين أثناء ما عُرف بـ«الجهاد الأفغاني» ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من القوات السوفييتية منذ 1979، وتكون بشكل أساسي من «المجاهدين العرب»، أو ما عُرف بـ«الأفغان العرب» وذلك بجهود عبدالله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم، وتأسس رسميًّا بقيادة أسامة بن لادن في عام 1998 باسم «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين» والتي عرفت إعلاميًّا باسم «تنظيم القاعدة الإرهابي، أو تنظيم قاعدة الجهاد»، ونفذت العديد من العمليات الإرهابية، أشهرها أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا»، وحاليًّا يقود التنظيم أيمن الظواهري. ويتخذ التنظيم من منطقة القبائل الحدودية الجبلية بين أفغانستان وباكستان ملاذًا له منذ تأسيسه، وقد بايع بن لادن قائد التنظيم حركة طالبان منذ تأسيسه، وجدد الظواهري البيعة إلى قادة حركة طالبان المتعاقبين.


 وينسب لهذا التنظيم بأنه رائد العمل الجهادي الإرهابي في العالم، وعمل التنظيم على إنشاء فروع له في أماكن متعددة، منها دول المغرب العربي في شمال أفريقيا، وفي اليمن في جنوب الجزيرة العربية، والعراق وسوريا، كما بايع التنظيم حركة الشباب المجاهدين في الصومال، ويستهدف التنظيم المصالح الأمريكية بالأساس، انطلاقًا من مفهوم «العدو البعيد»، وأن أمريكا هي الحامي للأنظمة الإسلامية «المستبدة»، وأنه بإسقاط أمريكا سيكونون قادرين على إسقاط بقية الأنظمة الإسلامية.


2- ولاية خرسان (فرع داعش في أفغانستان وباكستان)

بدأ التنظيم كجزء من تنظيم القاعدة في العراق لمقاتلة قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا التي غزت العراق في 2003، وبدأ التنظيم يتوسع في سوريا بعد أحداث الربيع العربي في 2011، ثم أعلن انشقاقه رسميًّا وتأسيس تنظيم داعش الإرهابي في 2013، وبعد الضربات التي تلقاها تنظيم داعش في معاقله في سوريا والعراق من القوات السورية والروسية وقوات التحالف الدولي، عمل التنظيم على إيجاد ملاذ جديد له في الدول غير المستقرة، فأسس تنظيم «ولاية خراسان» كفرع للتنظيم في أفغانستان وباكستان في 2015، ويعمل التنظيم على تأسيس دولة «الخلافة»، انطلاقًا من أفغانستان، ودخل في معارك متعددة مع حركة طالبان أفغانستان، إضافة إلى محاربة القوات الحكومية وقوات التحالف الدولي، وحسب آخر إحصائية صادرة عن مجلس الأمن الدولي في 27 فبراير 2018، فإن عدد مقاتلي الحركة يتراوح بين 1000 و4000 مقاتل[2]، ونفذت ما يقرب من 12% من العمليات التي خلفت ضحايا في أفغانستان في عام 2016، وذلك وفق آخر إحصائية لمؤشر الإرهاب العالمي، وفي 2017 فقد تطورت عملياتها الإرهابية ودخلت في صراع متواصل مع حركة طالبان في السيطرة على الأرض.


3- حركة طالبان أفغانستان

كما بينت الدراسة أعلاه، فإن حركة طالبان منبثقة من قومية الباشتون الحاكمة التاريخية لأفغانستان، وهي تسعى لاستعادة الحكم، وترغب في إقامة حكم ديني أصولي، إلا أنها لا تتطلع إلى مفهوم الخلافة العالمية التي يسعى إليها تنظيمات أخرى كتنظيم داعش أو القاعدة، ولذلك تعتبر جزءًا من الحل للأزمة الأفغانية وتدرك القوى الدولية ذلك، وتحاول حثها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ودمجها في العملية السياسية، ووفق التقرير المشار إليه والصادر عن مجلس الأمن يتراوح عناصرها بين 40 و45 ألف مقاتل[3].

خريطة التنظيمات الإرهابية

ثانيًا: الإرهاب الخطر

وفي هذا الجزء نجد دولًا مثل، باكستان وهي أيضًا تقع منفردة في هذا التصنيف، وفقًا للبيان الصادر عن وزارة الداخلية الباكستانية بتاريخ 6 يناير 2018- والذي تضمن 72 منظمة إرهابية تنتشر في أماكن مختلفة في البلاد[4]، بعض هذه الحركات الإرهابية يرتبط بالداخل الباكستاني، مثل حركة طالبان باكستان، وتنظيم جيش الإسلام، وحركة سباه صحابة، وحركة نفاذ الشريعة الإسلامية، بينما البعض الآخر منها يرتبط بدول الجوار مثل الحركات والتنظيمات التي تستهدف أفغانستان أو الهند، وأخرى تستهدف المصالح الأمريكية، إضافة إلى جماعات مرتبطة بإيران، سواء التي تهاجم الشيعة أو التي تأسست لمهاجمة السنة ومجابهة التنظيمات الإرهابية التي تستهدف الشيعة[5].


أما الفارق الجوهري بين تصنيف أفغانستان وباكستان من حيث الإرهاب الأشد خطورة أو الخطر، فهو الجيش الوطني الباكستاني القوي، الذي لم يسمح للحركات الإرهابية بالسيطرة على الأرض، وطارد معظم التنظيمات الإرهابية في منطقة القبائل الحدودية الجبلية المتاخمة للحدود الأفغانية، أو في مقاطعة كشمير المتنازع عليها مع الهند، ولم تستطع أي من هذه الحركات أن تسقط الدولة أو تسيطر على مساحات شاسعة مثلما فعلت حركة طالبان في أفغانستان، أو تنظيم داعش في العراق والشام.


وفقًا للدراسة التي نشرها المركز القومي للدراسات الدفاعية بطوكيو بأن باكستان هي الأكثر تضررًا بشريًّا وماديًّا. وكلف انخراط باكستان في الحرب على الإرهاب أكثر من 6700 قتيل، و15000 مصاب من أفراد القوات المسلحة، إضافة لأكثر من 37 ألفًا من الضحايا مدنيين، وأضرارًا مادية بلغت حوالي 78 مليار دولار[6].


أما وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي والصادر عن معهد الاقتصاد والسلام لعام 2017، فإن باكستان تقع في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب عام 2016، وذلك بنسبة 3.7% من إجمالي ضحايا الإرهاب على مستوى العالم، حيث نُفذت 736 عملية إرهابية في البلاد، وراح ضحيتها حوالي 2700 منهم ما يقرب من 1000 قتيل، ونفذت حركة طالبان باكستان بمفردها حوالي 35% من إجمالي العمليات الإرهابية، كما نفذت ولاية خراسان «فرع تنظيم داعش في أفغانستان وباكستان» حوالي 17% من العمليات الإرهابية، فيما نفذت حركة عسكر جنجوي حوالي 13% من العمليات، أما باقي العمليات فظلت مجهولة هوية منفذيها.


واستهدفت حوالي 35% من هذه العمليات القوات المسلحة والشرطة الباكستانية، فيما نُفذت حوالي 25% من هذه العمليات ضد المدنيين والممتلكات الخاصة[7].

بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في معظم القطاعات الخدمية والتي تتطلب استقرارًا لتنفيذها[8].

خريطة التنظيمات الإرهابية

ثالثًا: الإرهاب متوسط الخطورة

أما هذا المستوى للدول التي تتعرض للإرهاب فمتوسط الخطورة، أي أنه لن يستطيع السيطرة على الأرض وتأسيس ولاية مثل داعش في سوريا والعراق، أو الشباب المجاهدين في الصومال، وتصبح معاقله تدار من قبل التنظيم كدولة، إنما فقط تتشكل به خلايا سرية، وتنفذ عمليات إرهابية بين الحين والآخر، فإن هذه القائمة تطول العديد من دول المنطقة، من بينها؛ إندونيسيا، الفلبين، الهند، بنجلاديش، ميانمار، وذلك لأسباب تتعلق بمشكلات تاريخية وسياسية في هذه البلاد، وسمح التهميش الذي تعرض له العديد من الفئات به، خاصة المسلمين، إلى وجود بيئة مناسبة للمتطرفين ساعدتهم في تكوين التنظيمات الإرهابية السرية.


1- إندونيسيا

بدأ التطرف الإسلاموي في إندونيسيا عبر تكوين «الرابطة الإسلامية» في عام 1912، وذلك لمقاومة النفوذ الصيني، أي أنها حركة سياسية في الأساس، ثم تطورت إلى حركة دينية في أربعينيات القرن العشرين (مواكبة لمحاولات جماعة الإخوان المسلمين في مصر) وانبثق منها تنظيم «دار الإسلام» بقيادة «كارتوسويرجو»، الذي قاد تمردًا إسلامويًّا ضد الدولة، ما أدى إلى إعدامه عام 1962، ومن رحم تنظيم «دار الإسلام» نشأت «الجماعة الإسلامية»، ففي عام 1969 حاول ثلاث قيادات من تنظيم «دار الإسلام» هم «أبوبكر بشير، عبدالله سونغكار، وشهرول» إحياء تنظيم «دار الإسلام»، لكنه تم القبض عليهم ووأد محاولتهم لإنشاء تنظيم إسلاموي جديد في إندونيسيا، وبعد عقود من محاولتهم السابقة لتأسيس «الجماعة الإسلامية» نجح كل من «أبوبكر باعشير، وعبدالله سونغكار» في تأسيس «الجماعة الإسلامية» في 1 يناير 1993، وبعد وفاة سونغكار، تولى باعشير قيادة الحركة[9].


وتسعى «الجماعة الإسلامية» إلى إقامة دولة إسلامية تضم «ماليزيا، إندونيسيا، سلطنة بروناي، وجنوب الفلبين وجنوب تايلاند»[10]. وارتبطت الجماعة بتنظيم القاعدة الإرهابي، والتقى باعشير ببن لادن في أفغانستان، كما شارك عدد من عناصرها في «الجهاد الأفغاني» ضد الحكومة الأفغانية والقوات السوفيتية، ويطلق على باعشير «بن لادن إندونيسيا»، وفي عام 2014 بايع باعشير من محبسه تنظيم داعش الإرهابي.


ففي الفترة من 2000 إلى 2010، نفذت الجماعة نحو 11 عملية إرهابية، أبرزها تفجيرات «بالي» عامي 2002 و2005، وعملية فندق الماريوت بجاكرتا عام 2003، وتفجير السفارة الأسترالية 2004، وهجمات جاكرتا [11]2009، وفي 13 مايو 2018 حدث تطور نوعي في عمليات «داعش فرع إندونيسيا» وذلك بقيام أسرة واحدة من ستة أفراد بتنفيذ ثلاث تفجيرات إرهابية داخل ثلاث كنائس في مدينة سورابايا -ثاني أكبر المدن الإندونيسية- وهو ما يُشير بتطور نوعي إلى أساليب التجنيد عند هذه التنظيمات الإرهابية بنمط «الإرهاب العائلي»[12].


وبالإضافة إلى الجماعة الإسلامية، توجد جماعات جهادية ومتطرفة أخرى في إندونيسيا مثل «جبهة الدفاع عن الإسلام»، وجماعة «عسكر الجهاد»، وجماعة «أنصار التوحيد»، وأعلنت الأخيرة مبايعة داعش، إلا أن هذه الجماعات تعتبر محدودة التأثير إذا ما قورنت بالجماعة الإسلامية[13].


2- الفلبين

كما وضحت الدراسة حول جبهة تحرير مورو وكيف بدأت نشاطها، إلا أن بيئة الصراع بين المسلمين من أجل حقوقهم السياسية والثقافية مع المسيحيين أو مع الحكومات المتعاقبة مهد البيئة الفلبينية لاحتضان التطرف؛ وذلك استطاعت داعش تكوين خلية تابعة لها في الفلبين بجانب بعض الجماعات الإرهابية الأخرى مثل جماعة «أبو سياف».


وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، تقع الفلبين في المرتبة الثانية عشرة من حيث الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب في 2016، حيث تمكن تنظيم داعش من إحكام سيطرته على مدينة «ماراوي» -كبرى مدن منطقة «مندناو»- لمدة خمسة أشهر، حتى استطاع الجيش الفلبيني استعادة المدينة من أيديهم، وسقط ضحايا من الجيش 162 ضحية، واستطاع الجيش القضاء على أكثر من 800 إرهابي ومسلح، وتحرير أكثر من 1700 رهينة، بالإضافة لسقوط الكثير من المدنيين، ونزوح ما يزيد على 350 ألفًا من قاطني المنطقة بعيدًا عن الحرب، والتخريب في المتتلكات الشخصية والحكومية[14].


ومازالت البلاد تعاني من وجود المتطرفين، خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، والأوضاع معرضة بين اللحظة والأخرى إلى الانفجار، والذي يمكن أن يحول بين انضمام المزيد إلى التنظيمات الإرهابية، هو احتواء الحكومة لعناصر جبهة تحرير مورو، والعمل على تنفيذ اتفاقية الحكم الذاتي، وتعمل على إزالة الأسباب الرئيسية التي ينفذ من خلالها المتطرفون لتجنيد المزيد من الشباب.


3- الهند

أيضًا وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، فتقع الهند في المرتبة الثامنة من حيث الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب في 2016، وقد ارتفعت نسبة الضحايا بحوالي 18% عن عام 2015، ونُفذت 929 عملية إرهابية وراح ضحية الإرهاب حوالي 340 ضحية، و636 جريحًا، كما أشار التقرير ذاته إلى أن الجماعات الماوية والحزب الشيوعي الهندي السري قد نفذا أكثر من 50% من الهجمات، وأن هذه الهجمات لا تستهدف قتل الناس مثل التفجيرات الإرهابية الكلاسيكية التي تقتل بناءً على العقيدة الدينية، وإنما يستهدف التنظيمان انتزاع مكاسب سياسية والاعتراف السياسي، بينما التنظيمات الإسلاموية مثل (تنظيم عسكر طيبة، وجماعة حزب المجاهدين) التي تنشط في جامو وكشمير هي الأكثر استهدافًا للمواطنين، ونفذا ما يقرب من 35% من الهجمات[15].


ويذكر أن الهند وباكستان خاضتا ثلاث حروب كبرى في نزاعهما التاريخي حول إقليم كشمير منذ انفصالهما إلى دولتين عام 1947.


وتواجه الهند تهديدات من استهداف تنظيم داعش الإرهابي لها، فقد كشفت عن مخطط لشن هجمات عبر «الذئات المنفردة» أواخر أكتوبر الماضي[16]، وقد نجح تنظيم داعش الإرهابي في تنفيذ أولى عملياته ضد الهند في مارس الماضي، والذي استهدف ركاب قطار، واسفر عن عدة إصابات[17].


4- ميانمار (بورما)

تعود جذور الصراع إلى ولاية راكين بين مسلمين من أصول بنغالية، وبوذيين من عرقية الراكين، اندلعت بينهم أعمال عنف عرقية وطائفية على خلفية حادثة اغتصاب قام بها ثلاثة من المسلمين لامرأة بوذية، فعمل البوذيون على الثأر بقتل عشرة أفراد من المسلمين، لتندلع أعمال العنف بين الجانبين، قتل فيها ما يزيد عن 50 شخصا من الجانبين ودمرت مساكن ومعابد من الجانبين، ما دفع الجيش للتدخل وإعلان حالة الطوارئ، بالإضافة إلى أن الحكومة والمواطنين البورميين يرون المسلمين من الروهينجا غير بورميين، وأنهم من أصول بنغالية، فيما رفضت بنجلاديش استقبالهم، ويعانون من الاضطهاد والتهميش، بينما يعيش بعض الجماعات المسلمة الأخرى في بورما في سلام ومواطنة كاملة، لأن أصولهم من بورما[18].


يُشير تقرير هيومان رايتس واتش في أكتوبر 2016 إلى أحداث بورما من العام نفسه بأنه صراع عرقي اندلع بين الجيش وبعض الجماعات المسلحة على الرغم من توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين الحكومة وثمانٍ من الجماعات المسلحة (أقل من نصف التنظيمات المسلحة) في أكتوبر 2015، وسرعان ما اندلع الصراع من جديد بين الحكومة والجماعات المسلحة، وأن الحكومة ارتكبت فيه جرائم وانتهاكات وقتل خارج القانون، وأدى هذا الصراع إلى لجوء ما يقرب من 300 ألف إلى بنجلاديش (وارتفعت أعداد اللاجئين لتصل إلى 750 ألفًا بعد ذلك)، فضلًا عن نزوح حوالي 220 ألف مواطن، هذا بالإضافة إلى الانتهاكات التي تعرض لها مسلمي الروهينجا[19]. فيما أشار تقرير مؤسسة «بي بي سيBBC» الصحفية عام 2013 إلى انخرط جماعات بوذية متطرفة في الصراع، ومارست العنف ضد الأقليات المسلمة[20].


فيما أشار الباحث محمد الألفي في مقال نُشر في مجلة السياسة الدولية إلى أن هذه الأزمة مفتعلة من بعض الدول المناوئة للصين، وذلك لتطويق الصين بالمشكلات وتصديرها إليها في إطار الصراع بين الدول الكبرى على الموارد والمصالح الاستراتيجية[21].


أي أن هذا الصراع تحول من صراع عرقي إلى صراع طائفي، وهو ما حاولت التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش) استغلاله ودفع العناصر الجهادية إلى تكوين خلية تابعة لهم هناك.

رابعًا: دول في مرمى الإرهاب

رغم أنه لا دولة في العالم في منأى عن الإرهاب، إلا أن الدول الاقليمية المحيطة بالدول الأشد خطورة ومتوسطة الخطورة، أكثر عرضة للعمليات الإرهابية من غيرها، وهي كل دول المنطقة الباقية مثل بنجلاديش، وأوزباكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، والصين، وروسيا وماليزيا، وسنغافورة، وتايلاند. وقد هدد تنظيم داعش الإرهابي بعض هذه الدول بتنفيذ عدد من عملياته هناك.


وقد أعلن رئيس وزراء سنغافورة في فبراير الماضي أن دول آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا ليست في منأى عن ضربات تنظيم داعش، ودعا أعضاء رابطة «الآسيان» إلى ضرورة التعاون لمواجهة الإرهاب، وتعهد قادة دول الآسيان على التعاون لمكافحة الإهاب، كما بدأوا المفاوضات حول معاهدة تسليم الموقوفين بين البلدان الأعضاء وهم (بروناي، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، بورما، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، فيتنام)[22].


وتواجه بعض هذه الدول مشكلات داخلية، خاصة المشكلات العرقية، وتخشى من تكون هذه المناطق جاذبة للتطرف الإسلاموي، كأقلية الإيجور في الصين، حيث تخشى الصين من تحول هذه المنطقة إلى الانزلاق في التطرف الإسلاموي.


وتحاول الدول الكبرى في المنطقة مثل الصين وروسيا واليابان والهند مساعدة الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب، أو دول الجوار بالتدريبات العسكرية المشتركة على مكافحة الإرهاب، وفي هذا السياق صرح وزير الدفاع الصيني بتشكيل وحدة عسكرية خاصة لمكافحة الإرهاب خارج أراضيها[23].


وختامًا؛ فإن نجاح جهود مكافحة الإرهاب في منطقة آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا إنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحل اثنتين من أقدم الأزمات في المنطقة والعالم؛ وهما:

1-  الأزمة الأفغانية (وإن كانت الأحدث) إلا أنها تظل الأكثر خطورة وتهديدًا لكل دول المنطقة؛ حيث تُعد مصنعًا للإرهاب ومصدرًا له لكل دول المنطقة، ومنها انتشر الإرهاب النظامي إلى أغلب دول العالم.


2-  مشكلة إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، والذي تعاني بسببه كلتا الدولتين من الهجمات الإرهابية.


وكلتا الأزمتين لا يمكن حلهما عن طريق القوة المسلحة، ففي الحالة الأولى، فإن حركة طالبان تسيطر على حوالي 60% من الأراضي الأفغانية ولديها قوة عسكرية لا يُستهان بها، كما أنها منبثقة عن عرقية الباشتون الحاكم التاريخي للمنطقة، فلا حل بلا طالبان، كما أن العالم لن يسمح بصعود طالبان مرة أخرى عبر القوة المسلحة، حتى لا يتكرر مشاهد هدم المزارات الدينية لغير المسلمين أو المختلفين معهم، كما حدث بتفجير تمثال بوذا (المعظم عند البوذيين) أو تفجير الأضرحة (المباركة عند الصوفيين).


وفي الحالة الثانية، فإن أي حرب جديدة بين القوتين النوويتين الهند وباكستان ينذر بكارثة إنسانية لا قبل للعالم بها، خاصة أن الدولتين يُمثلان ما يزيد على 20% من سكان الكوكب.


فلا سبيل سوى بذل مزيد من الجهود السياسية والدبلوماسية لحل الأزمتين، إضافة إلى ضرورة وجود استراتيجية عالمية واحدة تتفق حول الآتي:

1-  اتفاق دولي حول مفهوم الإرهاب، يفصل بينه وبين حركات المعارضة أو الحركات الانفصالية أو حركات التمرد وجماعات الضغط السياسي والفئوي.


2-  العمل على نشر خطاب عالمي ينبذ الكراهية والعنف والتمييز، ويحض على المواطنة وحرية المعتقد والممارسة.


3-  التعاون الأمني والاستخباراتي بين جميع الدول بما يحول دون وقوع العمليات الإرهابية.


4-  التعاون العسكري بين دول العالم لمحاصرة الإرهاب العسكري والقضاء عليه.


5-  ينبغي على المؤسسات الدينية والثقافية بذل مزيد من الجهود في تجديد الخطاب الديني والمواجهات الفكرية للإرهاب حتى لا يستطيع تجنيد المزيد من الشباب.


6-  بالإضافة إلى محاصرة مصادر تمويل الجماعات الإرهابية والدول الراعية لها، ومعاقبة الدول المارقة، وضرورة تسليم المجرمين بين الدول.


7-  والعمل على معالجة الأسباب الجذرية المساعدة لخلق الظاهرة الإرهابية، كالتهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي لبعض الجماعات أو العرقيات أو الأقاليم داخل الدولة الواحدة.


8-  حل المشكلات العالقة، خاصة مشكلة فلسطين، وإلزام إسرائيل وأمريكا بقرارات الشرعية الدولية فيما يخص هذه القضية، والتي بقاؤها دون حل يفتح الأبواب لمزيد من العنف والعنف المضاد، ويجعل من التنظيمات الإرهابية تتخذ من هذه القضية ذريعة لجرائمهم ضد الشعوب والحكومات.

 




[1]Institute for Economics and Peace, Global Terrorism Index 2017, P.23.

[2]- مجلس الأمن، "التقرير الحادي والعشرون المقدَّم من فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات عملا بالقرار 2368 (2017) بشأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة وما يرتبط بهما من أفراد وكيانات"، 27 فبراير 2018. ص 17.

[3]- للمزيد عن تنظيم القاعدة أو التنافس بين حركة طالبان وداعش في أفغانستان. انظر:

حامد المسلمي، " مستقبل الصراع بين «داعش» و«طالبان» في أفغانستان" مجلة المرجع (باريس: مركز درسات الشرق الأوسط، العدد الثاني، يوليو 2018)

حامد المسلمي، "حركة طالبان وعلاقتها بالقوي الاقليمية..." حامد المسلمي، "حركة طالبان وعلاقتها بالقوي الاقليمية، مرجع سبق ذكره.

[4]- National Counter Terrorism Authority NACTO Pakistan, Proscribed Organizations, (Islamabad: Ministry of |Interior).

https://nacta.gov.pk/proscribed-organizations/

[5]للمزيد حول التنظيمات الإرهابية في باكستان وتصنيفات هذه التنظيمات ومرجعيتها الفكرية وإطارها الحركي وأهدافها انظر:

حامد المسلمي، "باكستان الرمادية: حاضنة الإرهاب وضحيته في ظلِّ علاقة أمريكية متذبذبة"، موقع مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، 14 أغسطس 2018)

http://www.almarjie-paris.com/3319

[6]- Pervais Iqbal Cheema, “Security Threats Confronting Pakistan” in Security Outlook of the Asia Pacific Countries and its Implications for the Defense Sector, (Tokyo: National Institute for Defense Studies, No. 9, Oct. 2013)  P. 135.

[7]-Institute for Economics and Peace, Global Terrorism Index 2017, P. 26.

[8]-Murtaza Haider, Amer Anwar, “Impact of Terrorism on FDI flows to Pakistan” Munich Personal REPEE Archive (Munoch: Munich Personal REPEE Archive, University of Library, 4 July 2014) Pp. 23-24.

[9]- محمد الدابولي، "الجماعة الإسلامية في إندونيسيا وعقود الإرهاب المتوارث" موقع مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، 28 يونيو 2018)

http://www.almarjie-paris.com/1522

[10]- مصطفى صلاح، "الجماعات الإسلاموية في إندونيسيا وموقفها من النظام السياسي" موقع مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، 14 يوليو 2018)

http://www.almarjie-paris.com/2447

[11]محمد الدابولي، مرجع سبق ذكره.

[12]- د. نرمين توفيق، " تمدد «داعش» في جنوب شرق آسيا.. «إندونيسيا» نموذجا"، موقع مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، 3 نوفمبر 2018)

http://www.almarjie-paris.com/4858

[13] مصطفى صلاح، مرجع سبق ذكره.

[14]- Euan McKirdy and Joshua Berlinger, Philippines' Duterte declares liberation of Marawi from ISIS-affiliated militants,CNN., 17 October 2017.

https://edition.cnn.com/2017/10/17/asia/duterte-marawi-liberation/index.html

[15]Institute for Economics and Peace, Global Terrorism Index 2017, P. 29.

[16]- شيماء حفظي، الذئاب المنفردة.. طريق «داعش» لفتح «جبهة» قتال جديدة في الهند"، موقع مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، 31 أكتوبر 2018)

http://www.almarjie-paris.com/4787

[17]- سكاي نيوز، "هكذا اخترق داعش الهند "بتطبيقات الهاتف"، أبو ظبي، 9 مارس 2017.

http://cutt.us/RGo7g

[18]- عبدالغني سلامة، مذابح بورما: هل هي حقيقية؟"، الحوار المتمدن، 16 يوليو 2012.

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=316014&r=0

[19]- هيومن رايتس واتش، أحداث بورما 2016، 27 أكتوبر 2016.

https://www.hrw.org/ar/world-report/2017/country-chapters/298676

[20]- بي بي سي نيوز عربي، لماذا يهاجم الرهبان البوذيون المسلمين؟، 3 مايو 2013.

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2013/05/130502_buddhist_monks_muslims

[21]- محمد الألفي، "بهدوء ... قراءة مغايرة لأزمة بورما"، مجلة السياسة الدولية (القاهرة: مؤسسة الأهرام، 7 سبتمبر 2017)

http://www.siyassa.org.eg/News/15254.aspx

[22]- صحيفة عكاظ، تنظيم داعش يهدد دول جنوب شرق آسيا، 12 فبراير 2018.

http://cutt.us/y4jxm

[23]- روسيا اليوم، "الصين تعمل على تشكيل قوة خاصة لمكافحة الإرهاب خارج أراضيها"، 29 سبتمبر 2018.

http://cutt.us/zGf2L

"