يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الصومال.. دولة هشَّة احتلها الإرهابيون وَفَرَّ إليها «داعش»

الإثنين 11/يونيو/2018 - 08:05 م
المرجع
مصطفى صلاح
طباعة
كان للحرب الأهلية الدائرة في الصومال، دور مهمٌّ في خلق الظروف الداخلية الحاضنة لإنشاء وانتشار الحركات والجماعات الإسلامية الجهادية، منها اتحاد المحاكم الإسلامية الذي سيطر على أغلب المناطق في الصومال قبل انهيارها في 2006.


ولفترات طويلة شهد الصومال تحديات كثيرة ما بين الهوية الإسلامية الرجعية ومحاولات التقدم، القومية، تياران لا يتفقان أو يلتقيان، هذا البلد المنقسم بين التيارات السلفية التكفيرية، ومحاولات الرئيس الحالي محمد عبدالله محمد فرماجو، خلق جوًّا تقدميًّا لانتشال الصومال من النزاعات الدموية، وتنميتها لتكون في ركب الحضارة الإنسانية.


إلا أن ظهور العديد من التنظيمات المتطرفة -خاصة تنظيم داعش- شكل أكبر العراقيل في طريق نهضة الصومال؛ حيث انتشر الفكر المتطرف وتوغل في جميع أرجاء ذلك البلد، بداية بالمدارس وصولًا للجامعات، ما أفرز ثلاثة أجيال متعاقبة من الإسلاميين المتطرفين.


فالصومال الذي لم يشهد -عبر أكثر من قرن- استقرارًا سياسيًّا واجتماعيًّا بالمفهوم الأساسي لأي دولة، أصبح مرتعًا وبيئة خصبة لنشأة الأفكار المتطرفة، وفي ظلِّ ذلك التردي الاجتماعي والتشظي السياسي استمرت الحرب الأهلية على مدار عقدين كاملين من الفترة 1988 حتى 2006، أو بالأحرى انهيار الصومال تمامًا.


الأزمات وجهة التطرف
شهد الصومال العديد من الأزمات التي كان لها الدور الأبرز في جعله وجهة لاستيطان جماعات الإرهاب وتنظيماته الدموية، مثل القاعدة وداعش، ومن أبرز تلك الأحداث ما يلي:


1) الصراع بين الصومال من جهة، وكينيا وإثيويبا من جهة أخرى، أدى إلى حرب «أوغادين» بين الصومال وإثيوبيا، انتهت بهزيمة الصومال وفقدان إقليم أوغادين.


2) غرق الصومال في مستنقع الحرب الأهلية، تلك الحرب التي اندلعت بين كل من الحكومة والحركة الوطنية الصومالية في شمال غرب البلاد، فشهد الصومال على إثر تلك الحرب نزاعات مسلحة بين الحكومة والقوات التحريرية العشائرية، لتستمر الحرب الأهلية على مدار عقدين كاملين من الفترة 1988 حتى 2006، والتي غابت فيهما الدولة المركزية.


3) شهد الصومال العديد من النزعات الانفصالية وإعلانات استقلال الكيانات الذاتية، ففي 1998، أعلنت «بونت لاند» استقلالًا مؤقتًا من جانب واحد، حتى تكوين مصالحة تؤدي إلى تكوين حكومة مركزية صومالية.


وفي العام ذاته، أعلنت «جوبا لاند» في الجنوب استقلالها، وفي عام 1999، أعلن جيش «راحانوين» استقلال مناطق «بأي وباكوول» في جنوب وقلب الصومال، وانقسام آخر في «جالمودج» في عام 2006.


4) يعاني الصومال -وعلى مدار ثلاثة عقود- موجات من الجفاف والمجاعات، والحرمان من التعليم والخدمات الاجتماعية، والتخلف كليًّا في كل مجالات الحياة.


5) غياب الخطاب الإسلامي المعتدل والوطني القومي، أدى -بطبيعة الحال لترك فراغ توعوي ملأه الخطاب التكفيري للتيار السلفي، الذي هيمن على المنابر الإعلامية وعزز العداء للآخر، ما أدى لغياب فرص الاستقرار وتحقيق السلام؛ حيث أضحى الخطاب الجهادي هو الخيار الوحيد المتوافر للصوماليين، والمؤثر على مجريات الأحداث.


الحاضنة الجهادية
قديمًا كانت الحركات الإسلاموية الموجودة في الصومال، تستغل الدين كعامل على توحيد الصوماليين في مواجهة الاحتلال الغربي، خاصة فترات الاستقلال الوطني، وبعد إعلان الوصاية الإيطالية على الصومال عام 1949، وازدياد أنشطة المنظمات التبشيرية المسيحية، ظهرت «الرابطة الإسلامية الصومالية» كأول منظمة إسلامية فاعلة عام 1952، وكانت هذه الرابطة تتلقى دعمًا من حزب «رابطة الشباب الصومالي» الذي أُسِّس عام 1943، كرابطة اجتماعية ثقافية، ثم تحول إلى حزب سياسي عام 1947 لعب على وتر تحرير الصومال من الاحتلال.


واتسمت الحركات الإسلاموية الصومالية بأنها حركات ذات ارتباط غير ناضج وعاطفي بالوعي الإسلامي وذات قدرة تنظيمية ضعيفة، وموارد اقتصادية قليلة ومنهج غير عملي تجاه الواقع الاجتماعي والسياسي، علاوة على ذلك، كانت هذه المنظمات في مراحل تكوينها الأولى، وغلبت السرية على أنشطتها واجتماعاتها؛ حيث كانت جميع طرق المشاركة الاجتماعية والسياسية مغلقة بإحكام من قبل النظام العسكري.


ولأن الديكتاتوريات تخلق دون قصد منها تطرفًا مضادًا وتنظيمات مناوئة لحكمها، فقد تورطت أنظمة الحكم الصومالية بتسلطها وقمعها في إنشاء حركات إسلاموية مناهضة لتلك الأنظمة عملت على إسقاطها.


هكذا تهيأت البيئة والمناخ سياسيًّا واجتماعيًّا لنشوء تلك الجماعات المتشددة، مثل السلفية الجهادية والتكفير (شباب المسلمين الصومالية)، إضافة إلي أفكار جماعة الإخوان.


خريطة الجماعات المتطرفة
تحتضن الصومال العديد من الجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تتبنى المنهج المسلح الذي تتقاسم فيما بينها في الأطر العامة للنشاط الجهادي، وفيما يلي أبرز الحركات الإسلاموية الموجودة في الصومال:


1) الحزب الإسلامي: وهو عبارة عن تجمع جهادي مكون من 4 جبهات إسلامية توحدت في عام 2009، ويهدف إلى توحيد جهود الجماعات الإسلامية المتطرفة، تزعم الحزب «عمر إيمان أبوبكر» قبل أن يُعلن تخليه عن رئاسة الحزب في 25 مايو 2009، ترأس بعده الحزب «حسن طاهر أويس».


وفي عام 2010، أعلن المتحدث الرسمي باسم الحزب الإسلامي «محمد عثمان أروس»، توحيد صفوف الحزب مع حركة الشباب المجاهدين التي تنتمي للقاعدة، وذلك من أجل توحيد العمل الجهادي ضد الدولة الصومالية.


2) حركة أهل السنة والجماعة: ظهر الجناح المسلح لحركة أهل السنة والجماعة في الصومال نهاية العام 2008، عندما اشتبكت ميليشياتها مع مقاتلي حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي في مناطق من وسط وجنوب الصومال التي تُسيطر عليه الحركتان، وتمكنت حركة أهل السنة حينها من السيطرة على عدة مدن في جنوب ووسط البلاد.


3) حركة الشباب المجاهدين: وهي حركة سلفية صومالية ظهرت في 2006 كذراع عسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو، وتهدف إلى فرض الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة، تأسست حركة الشباب المجاهدين كوسيلة للحماية الذاتية بسبب الشعور بالاستياء من المنظمات الجهادية القائمة، ويرجع تاريخ تأسيس حركة الشباب المجاهدين إلي نهاية تسعينيات القرن العشرين كأحد الفصائل المنشقة عن جماعة «الاتحاد الإسلامي» السلفية.


أعلنت حركة شباب المجاهدين في عام 2009، الولاء للقاعدة بشكل رسمي، بعدما كانت تتعامل معها سرًّا، وفي سبتمبر 2014، بات «أحمد عمر أبوعبيدة» على رأس «حركة الشباب الإسلامية» بعد تأكد مقتل زعيمها السابق «مختار أبي زبير» والمعروف أيضًا بــ«أحمد عبدي جودان» الذي لقي مصرعه في ضربة جوية أمريكية. وفي السنة نفسها، جدد الشباب ولاءهم لـ«أيمن الظواهري»، زعيم تنظيم القاعدة.


داعش وإمكانية الانتشار
شكلت الهزائم المتتالية التي تعرض لها تنظيم داعش في سوريا والعراق في ديسمبر 2017، وفقدانه العديد من مناطق النفوذ في موطن النشأة، الدافع الأكبر لكثير من التنظيمات الارهابية لتغيير وجهتها إلى العديد من المناطق، خاصة أفغانستان في آسيا، والصومال في أفريقيا التي تعاني حربًا أهلية منذ عام 1991.


وعلى الرغم من أن داعش الصومال لايزال في طور التشكيل، رغم إعلان وجوده في الصومال في أكتوبر 2015، فإنه برز بشكل كبير بعد اغتيال أحمد عبدي غوداني، الزعيم الروحي لـ«حركة الشباب»، في غارة جوية أمريكية، في سبتمبر 2014.


وكان لمقتل «غوداني» الأثر الكبير علي حركة الشباب الصومالية التي تعرضت للعديد من الانشقاقات والانقسامات الداخلية داخل الحركة؛ حيث أدى تصفية الحسابات الداخلية إلى تعميق الخلافات، هذا التصدع الذي شق صفوف الحركة أدى إلى مبايعة العديد من المقاتلين المنشقين تنظيم داعش وزعيمه أبوبكر البغدادي، كما أصبح تنظيم داعش يجتذب أعدادًا متزايدة من المقاتلين من الخارج.


وبدأت استراتيجية تنظيم داعش الجديدة في التركيز على التنظيمات القريبة من الممرات الملاحية، على غرار حركة «شباب المجاهدين» في الصومال، وهو ما يُعد بمثابة التحول الأكثر خطورة للتهديدات النابعة من التوسعات الإقليمية للتنظيم، ومراجعة التحولات الراهنة في خارطة التمدد الإقليمي لـ«داعش» تكشف عن مدى الانتشار الذي تمكن التنظيم من تحقيقه، خاصة في ظل إعلان جماعات إرهابية متعددة مبايعتها له على غرار جماعة بوكوحرام في نيجيريا وغيرها من الجماعات المتطرفة.


وبالرغم من التضييقات الأمنية والملاحقات العسكرية لتنظيم داعش وحركة الشباب المجاهدين، فإن هناك 68 مقاتلًا صوماليًّا في تنظيم داعش في العراق وسوريا، في ظل تزايد لأعداد المنتمين له.


كما سيطر عشرات المسلحين التابعين لتنظيم داعش علي بلدة «قندالة» الساحلية في منطقة بونتلاند الشمالية، ووصفوها بأنها مقر «الخلافة الإسلامية في الصومال»، وقتلوا عددًا من المدنيين، ما أدى إلى فرار أكثر من 20 ألف ساكن، كما اقتحموا فندقًا شعبيًّا في مركز بوصاصو التجاري في بونتلاند.


ورغم قلة حيلة داعش في شمال شرقي الصومال، وعدم وجود بصمات له كبيرة، فإن ناقوس خطره المحدق بالمنطقة أثار قلقًا محليًّا ودوليًّا، كما أن الضربات الأمريكية جاءت لإلقاء الضوء على هذا التخوف، في رسالة قوية للرد على صعود مفترض لأتباع «داعش» في الصومال، وللفت أنظار العالم إلى مدى خطورة التنظيمات المتطرفة في دول منطقة القرن الأفريقي ومنها الصومال.
"