يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad
مصطفى حمزة
مصطفى حمزة

الاختيار2 – الحلقة الخامسة

الإثنين 26/أبريل/2021 - 09:23 م
طباعة


كغيري من المتابعين والمهتمين بمشاهدة حلقات مسلسل الاختيار2 عكفت ليلة إذاعة الحلقة الخامسة التي خلت من الفواصل الإعلانية المملة، التي تفصل ذاكرة المشاهد أكثر مما تروج للمنتجات المتنوعة، الحلقة كانت مختلفة فعليًّا عن كل ما تعودناه وألفناه في الدراما خلال سنوات، ليس فقط لأنها جسدت مشاهد عاصرناها، وكنا شهودًا على بعضها فحسب، بل للموضوعية الكبيرة غير المسبوقة التي تضمنتها الحلقة.


أعاد الاختيار في حلقته هذه إلى الأذهان جرائم جماعة الإخوان الإرهابية التي لا تنسى، خاصة مع استعانة المخرج العبقري بيتر ميمي بمشاهد حية، وتسجيلات حقيقية تكشف إجرام عناصر الجماعة وأنصارها، بشكل يعطي ثقلًا وثقةً للعمل الدرامي.


التزم العمل بالموضوعية الكبيرة عند تغطية الحدث الأبرز في الحلقة؛ وهو فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ومتابعة ردود أفعال عناصر الإخوان على مستوى الجمهورية، والتي تمثلت في اقتحام العديد من أقسام الشرطة وقتل عدد من الضباط والجنود والتمثيل بجثثهم، وحرق منشآت عامة وخاصة مثل محكمة مرسى مطروح، وأسيوط، والاعتداء على المقدسات المسيحية، مثل الكنائس بالمنيا، ومستشفى الراهبات ببني سويف.


لم يظلم العمل في الحلقات التي أذيعت حتى كتابة هذه السطور وأهمها الحلقة الخامسة، جماعة الإخوان، بل حاول التزام الموضوعية التي كانت تتجنبها العديد من الأعمال الدرامية في السابق، فنقل الاختيار2 الواقع كما هو عليه، ونقل انفعالات الجماهير التي تتابع فض الاعتصام من خلال وسائل الإعلام كما هي، ما بين رافض للفض بالقوة أو مؤيد له.


وهي حقيقة كانت موجودة في تلك اللحظات، إذ لم يكن قد انكشف لدى الكثير من المتعاطفين مع جماعة الإخوان إرهاب هذه الجماعة بالشكل الذي تكشف لهم بعد ذلك، حينما لجأوا للعنف المسلح، رفضًا لعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وكأن الرسالة التي أرادوا إيصالها للمصريين: إما أن نحكمكم أو نقتلكم!.


العنف لم يستثن محافظة دون أخرى، فمن القاهرة إلى الإسكندرية والدلتا، والمحافظات الحدودية، حتى الصعيد الجواني الذي كان معروفًا ببعده عن بؤرة الأحداث، أصبح هو في دائرة العنف الإخواني، من أقصى جنوب الصعيد إلى أقصى الشمال، فكان العنف هو الشعار الرئيسي الذي رفعه عناصر الإخوان.


استعانة العمل بتسجيلات حية منقولة عن قناة الجزيرة وبعض القنوات الإخوانية كانت ذكية وموفقة؛ لأنها تضمنت اعترافات بوجود سلاح كثيف بحوزة عناصر الإخوان، كان يكفي حسب زعمهم لصد قوات الشرطة والجيش أثناء الفض، مما أعطى مصداقية أكبر للاختيار2.


يشكر للعمل أنه لم يتجنَّ على الإخوان أو ينسب إليهم ما ليس فيهم من جرائم غير موثقة، مثل جهاد النكاح، الذي لم تشر إليه أية تحقيقات للنيابة العامة، ولم يذكره بيان وزارة الداخلية، ولم توجهه المحكمة كتهمة لأي من المتهمين في محاكمات الإخوان، ما يعني أن العمل التزم بشرف الخصومة، واكتفى بنقل الجرائم الموثقة فقط، ولم يتهم الإخوان بغير جرائمهم.


النداء الأخير قبل الفض كان واضحًا وضوح الشمس، ولكن أعين الكثير من المعتصمين كانت عليها غشاوة، وكانت آذانهم صماء لا تسمع إلا نداءات منصة الاعتصام، التي تحرضهم على الموت في سبيل الجماعة، وكانت تحذيرات الضابط المسؤول عن عملية الفض بأن أمامه من الوقت 5 دقائق، ويبدأ الفض بالذخيرة الحية، كفيلة بتحكيم صوت الشرع والعقل، لدى المعتصمين؛ باتخاذ القرار الصائب، وإخلاء الميدان؛ حقنًا للدماء، التي يعلمون أنها أعظم عند الله من هدم الكعبة حجرًا حجرًا.


ولكن إصرارهم على البقاء في الميدان كان الهدف منه ما ذكره «عم رفاعى» الذي جسده الفنان الراحل هادي الجيار، حينما قال إنهم يريدون عمل محرقة مثل محرقة هتلر؛ لكي يتاجروا بها طوال العمر، ككربلائية أو مظلومية جديدة، ويؤكد ذلك ما ذكره أحد العناصر الإخوانية لزميله أثناء الانسحاب من الممر الآمن، حينما سأله عن سبب فرحة أهالي منطقة مدينة نصر بفض الاعتصام؛ وسبب كرههم للإخوان، فقال له: «لو ضايقناهم في حاجة بكرة ينسوها، المهم إن اللي حصل النهارده ما يتنسيش، لازم يفضلوا فاكرينه ويدفعوا تمنه».


إنهم يراهنون على ذاكرة المصريين، ونحن نراهن على التذكرة في كل حين؛ حتى لا ننسى.


لم تكن العبارة التي أطلقها الفنان أشرف عبدالباقي -الذي أدى دور مأمور قسم شرطة كرداسة- سوى تجسيد لما يدور في مصر كلها، فقد قال مستنكرًا: «دول أكيد مش أهالي كرداسة!» لأن ما حدث في أنحاء الجمهورية كان غريبًا على شعب مصر وثقافته، فجأة وجدنا أنفسنا وسط أناس غير أولئك الذين كنا نعرفهم في السابق، ظهر الوجه الحقيقي للإخوان، فهم يمتلكون وجهين، الأول سياسي خدمي يتغلغل في مفاصل المجتمع والدولة كالسرطان، والثاني وجه عنيف يظهر عند اللزوم، كما تحدث عنه حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، في رسالة المؤتمر الخامس، حينما قال إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها.


*باحث في الإرهاب الدولي

[email protected]

"