كيف انعكست توترات مالي على الأوضاع في دول الساحل
تشهد منطقة الساحل الإفريقي اضطرابات داخلية متزايدة، بسبب الانقلابات العسكرية التي مرت بها عدة دول في المنطقة، بالإضافة إلى التصاعد الملحوظ في النشاط الإرهابي.
وتشكل الخطوات التصعيدية الراهنة من قبل حركات الأزواد للتمرد على الحكومة المركزية في مالي نقطة تحول، ولها انعكاسات مباشرة على تفاقم الأوضاع الأمنية في الساحل الإفريقي، إذ أعلنت هذه الحركات منذ أيام قليلة، سيطرتها على قاعدة عسكرية جديدة للجيش في شمال مالي، لتشكل بذلك القاعدة الخامسة التي تسيطر عليها في شمال مالي.
تكتل إقليمي جديد
يؤكد الباحث في الشأن الدولي، أحمد العناني، في تصريح لـ«المرجع»، أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تكتل إقليمي جديد، قابل للتوسع، يكون ركيزة لتوازنات إقليمية ودولية جديدة في هذه المنطقة، مشيرًا إلى أنه بالتزامن مع بدء انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، حيث سيطر الطوارق على 5 قواعد عسكرية في شمال مالي، هي "بامبا" و"ليري" و"ديورا" و"بوريم"، بالإضافة لـ"تاوسا"، حيث تشكل تنسيقية حركات الأزو تحالفًا لجماعات الطوارق والقوميين العرب بشمال مالي، الذين طالما اشتكوا من تعرضهم للإهمال من الحكومة المركزية في باماكو.
وأضاف أن التوترات بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الأزواد في شمال مالي كانت قد اشتعلت بالفعل منذ نهاية العام 2022.
وشهدت وتيرة الصراع اتجاهًا تصاعديًّا بشكل مطرد منذ أغسطس 2023، بالتزامن مع بدء انسحاب قوات حفظ السلام الأممية من قواعدها في هذه المنطقة، إذ بدأت حركات الطوارق في شن هجمات متزايدة على القواعد العسكرية للقوات الحكومية، في الوقت الذي رصدت فيه بعض التقارير الغربية دفع باماكو بتعزيزات عسكرية تجاه الشمال لصد الهجمات المستمرة للطوارق، وهو ما أسفر عن اشتباكات حادة بين الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة.
تراجع مقصود للدعم الغربي
وأكد الباحث في الشأن الدولي، وجود تراجع مقصود للدعم الغربي لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال تقليص الدعم المقدم لجيوش هذه الدول، ردًا على التقارب الراهن للسلطات الانقلابية في هذه الدول مع روسيا، الأمر الذي ينذر بتفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، واتساع نطاق التهديدات الإرهابية، مع عدم استبعاد حدوث تصدعات داخلية في هياكل المؤسسات العسكرية لتلك الدول حال حدوث فشل كبير في جهود مكافحة الإرهاب.
وتوقع أن يتم تفعيل اتفاقية الدفاع المُشترك لتحالف الساحل الجديد، في إطار تصاعد التوترات في شمال ووسط مالي، وأن تدفع النيجر وبوركينا فاسو بقواتهما لدعم القوات المالية لمحاولة احتواء تمرد حركات الأزواد، وصد أي تقدم محتمل للمجموعات الإرهابية، وهو ما سيشكل بداية تفعيل اتفاقية الدفاع المشتركة التي وقعتها الدول الثلاث، واختبارًا لمدى التماسك والقدرة الفعلية لهذا التحالف الجديد، الذي يتوقع أن يشهد دعمًا واسعًا من قبل روسيا ومجموعة فاجنر، لكن في المقابل يمكن أن يتحول المشهد إلى حرب بالوكالة حال عمدت فرنسا نحو دعم فعلي ومتزايد لحركات الأزواد.
كما حذر من احتمالية تمدد النزعة الانفصالية لدى مناطق الطوارق، والتي تمتد في شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكذا في جنوب الجزائر وجنوب غرب ليبيا، مؤكدًا أنه في حالة تصاعد الحرب بين القوات الحكومية في مالي وحركات الأزواد من الطوارق، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تمدد ثورة الطوارق في هذه الدول، ولا سيما أن ثمة تطلعات تاريخية للطوارق تستهدف تشكيل دولة موحدة لهم تجمع مناطق انتشارهم.





