يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

خريطة التنظيمات الإرهابية في شرق ووسط آسيا (1ـ2)

الإثنين 12/نوفمبر/2018 - 11:45 ص
المرجع
حامد المسلمي
طباعة

انطلقت من قارة آسيا- وبخاصة منطقة آسيا الوسطى- أخطر التنظيمات الإرهابية في شكلها الحديث، ألا وهو تنظيم القاعدة (قُبيل تأسيسه الرسمي عام 1998 تحت اسم «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين»)، والذي استطاع لأول مرة بالتعاون مع «حركة طالبان أفغانستان» إسقاط الحكومة الأفغانية القائمة، وإخراج القوات السوفييتية التي تدعمها من أفغانستان، كما ساعد هذا التنظيم حركة طالبان على تأسيس نظام حكم أصولي ديني.

خريطة التنظيمات الإرهابية

كما أن التنظيم- ولأول مرة- شكل خطرًا كبيرًا على السلم والأمن الدوليين، وامتد نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي؛ ليطول قارات العالم المختلفة، وذلك بتنفيذ عمليات تفجير السفارتين الأمريكيتين في دار السلام (عاصمة تنزاينا)، ونيروبي (عاصمة كينيا) في الوقت نفسه منذ عام 1998، وكذلك تنفيذ العملية الإرهابية الأشهر في التاريخ الحديث بتفجير برجي التجارة والبنتاجون في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما عُرف بأحداث الـ11 من سبتمبر 2001.


ولا تختلف هذه المنطقة عن بقية دول العالم التي تشهد حركات انفصالية وقومية تسعى إلى الاستقلال أو الحصول على الحكم الذاتي، والتي صُبغت بعضها بصبغة دينية.


ويسعى «المرجع»- عبر تلك الدراسة- إلى فض الاشتباك بين مفاهيم وتعريفات، الحركات الانفصالية والقومية والمتمردة في الجزء الأول من الدراسة، ثم محاولة رصد أهم التنظيمات الإرهابية الموجودة في هذه المنطقة من العالم، وذلك من خلال استعراض هذه التنظيمات وفق مستويات الخطورة على الأمن القومي للبلد نفسها، أو تأثيرها على السلم والأمن الدوليين.


الفرق بين المتمردين والحركات الإرهابية

يعد السبب الرئيسي في هذا الاشتباك والخلط بين الحركات الانفصالية والمتمردة والجماعات المهمشة من جهة، والجماعات والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، هو عدم تحديد المجتمع الدولي لمفهوم جامع وشامل للإرهاب تتفق عليه كل دول العالم والمنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة.


على سبيل المثال نجد تنظيمًا ما تدرجه دولة أو مجموعة دول على قوائم الإرهاب وتعتبره تنظيمًا إرهابيًّا، بينما تتعامل معه دول أخرى على اعتباره جماعة سياسية معارضة، فعلى الرغم من إرهاب جماعة الإخوان في مصر وارتباطها الوثيق بالعمليات الإرهابية منذ 2013، والأحكام القضائية الباتة والنهائية ضد كثير من قادتها، وعناصرها الإجرامية، وتصنيفها كتنظيم إرهابي من قِبل مصر وبعض دول الخليج، فإن كثيرًا من الدول الغربية تعتبرها جماعة سياسية معارضة، وهذا ما يدفع إلى مزيد من التشابك والخلط، ويدفع الدول إلى عدم الاستقرار، ويهدد السلم والأمن الدوليين.


أي أنه لا مناص من محاولة فض الاشتباك بين المفاهيم المختلفة حول التنظيم الواحد، هل يدرج بين الجماعات الإرهابية، أو بين الجماعات المعارضة، أو هذه حركة تحرير، أو تلك حركة متمردة.


خريطة التنظيمات الإرهابية

أولًا- المفاهيم المختلفة للحركات الاجتماعية[1].

1-  الحركات الانفصالية أو الانفصاليون: هي حركة يقوم بها مواطنون من دولة ما، يقاتلون من أجل الاستقلال عن بلدانهم، ويشعرون بأنهم مختلفون تمامًا عن بقية الشعب، ولهم خصوصية ثقافية ويقيمون على إقليم أو أقاليم عدة من الدولة، وفي الأغلب يكون للحركة جذور وتجربة تاريخية من الاستقلالية والحكم الذاتي، وهذه الحركات منتشرة جدًّا في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؛ كونها دولًا أنشأها الاستعمار الغربي، ولم تأخذ المسار التطوري التاريخي للدولة.


2- الحركات الثورية أو الراديكالية: هي جماعات تسعى إلى التغيير السياسي في بلدانها والمبني على أيديولوجية مغايرة عبر التغيير الجذري عن طريق الثورات أو العنف المسلح.


3- الجماعات المتمردة: هي جماعات «خارجة عن القانون»، وتدّعي أنها تدافع عن مصالح الناس، أي أن السبب الرئيسي لتمردها هو الناس وليس المتمردين.

4-  حركات التحرر الوطني: هي الحركات التي تقوم في الدول المحتلة أراضيها من قِبل دول أخرى، وتتشكل هذه الحركات من قِبل السكان الأصليين للأرض قبيل دخول المستعمر.


5- الحركات المتطرفة والإرهابية: التطرف هو الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها، وتتحول الحركات المتطرفة إلى حركات إرهابية، عندما تلجأ إلى فرض قيمها ومعاييرها وفرض رأيها بالقوة على المجتمع والدولة، أي أن الإرهاب نتيجة حتمية للتطرف الفكري والديني[2].


خريطة التنظيمات الإرهابية

ثانيًا: الجهود المصرية في تحديد مفهوم الإرهاب

إن الإشكالية الرئيسية في هذا الأمر هي بعدم وجود تعريف واضح للإرهاب يتفق عليه المجتمع الدولي، وجدير بالذكر أن المبادرات المصرية لم تتوقف منذ ثمانينيات القرن العشرين؛ وذلك لتوحيد الجهود الدولية في إطار مكافحة الإرهاب، وقد بدأت في 28 يناير 1986 أمام الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وذلك بمبادرة من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، والذي كان أول الداعين إلى ضرورة عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، وأشار إلى أن الإرهاب سيطول الجميع ما لم يتكاتف المجتمع الدولي لمواجهة هذه الظاهرة، وأكد ضرورة تحديد مفهوم واضح للإرهاب، وهذا ما لم يأخذ به المجتمع الدولي، ودفع العالم كله ثمن تقاعس القوى الكبرى لعقد مثل هذا المؤتمر[3].


وتأكيدًا للدور المصري في المبادرة حول ضرورة تبني العالم بأكمله استراتيجية واضحة ومحددة لمحاربة الإرهاب، نص خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض في 21 مايو 2018، والتي مثلت استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب على 4 عناصر مترابطة، وهي؛ 


أولًا: مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز.


ثانيًا: مواجهة كل أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسي والأيديولوجي، فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح، وإنما أيضا من يدربه ويموله ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي. 


ثالثًا: القضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد، من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجي والفكري. 


رابعًا: استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية في العالم العربي، بما في ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة[4]


وقد تبنى مجلس الأمن الدولي نص خطاب الرئيس السيسي في هذه القمة، كما تبنى وجهة النظر المصرية، واعتبار مكافحة الإرهاب حقًّا أصيلًا من حقوق الإنسان.

ثالثًا: نماذج تطبيقية في آسيا الوسطى للخلط بين الإرهاب والحركات المعارضة والانفصالية والصراع السياسي


1- حركة طالبان أفغانستان

تُعد حركة طالبان أبرز النماذج على هذا الخلط، ففي الوقت الذي تُصنف فيه الحركة بأنها من أخطر الحركات الإرهابية على مستوى العالم؛ وذلك بسبب كثرة العمليات التي نفذتها ضد القوات الحكومية الأفغانية وقوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، تسعى غالبية القوى الإقليمية والدولية للمفاوضات معها للاستقرار في أفغانستان؛ وذلك للتباين الواضح بين حركة طالبان وغيرها من التنظيمات الإرهابية الكلاسيكية كتنظيم القاعدة، فحركة طالبان ليست ككل الحركات الإسلاموية المتمردة، وإنما هي حركة قومية دينية، وتمثل الذراع العسكرية لقبائل البشتون في البلاد، وهي القبائل التي تسيطر على حكم البلاد تاريخيًّا، أي أن محاولة الولايات المتحدة فرض أمر واقع جديد على الساحة الأفغانية على مدار 17 عامًا، وتنحية عرقية البشتون عن الحكم، والتي تمثل ما يقرب 60 % من الشعب لن تجدي نفعًا[5].


وفي هذا السياق تغيرت الاستراتيجية الأمريكية حول حركة طالبان، وسعت إلى المفاوضات معها، كما تغيرت الرؤية الروسية من كونها حركة إرهابية إلى احتمالية التسوية السياسية معها؛ وذلك لوجود متغير سياسي واستراتيجي مهم بتأسيس تنظيم «داعش» الإرهابي فرع جديد (ولاية خراسان) في الأراضي الأفغانية؛ ما دفع القوى الإقليمية والدولية إلى محاولات التسوية السلمية مع حركة طالبان[6].


أما الإشكالية الرئيسية التي تعوق هذه المفاوضات فهي الارتباط الوثيق بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة الإرهابي؛ حيث بايع تنظيم القاعدة منذ نشأته حركة طالبان على السمع والطاعة، ويظل هذا الارتباط إضافة إلى الأيديولوجية الدينية الأصولية للحركة أهم المعوقات، التي تربط بين حركة طالبان (كحركة ممثلة لقومية الباشتون والحاكمة التاريخية لأفغانستان) في الدخول في المفاوضات والمشاركة في العملية السياسية.


2- جبهة تحرير مورو (الفلبين)

هي حركة تكونت من المسلمين في الجنوب الفلبيني عام 1968؛ وذلك نظرًا للمظالم التاريخية التي بدأت مع الاستعمار الإسباني، ثم الاستعمار الأمريكي للفلبين، والذي بموجبه أجج مشاعر الغضب والكراهية بين المسلمين والمستوطنين المسيحيين، وبعدما كان المسلمون أغلبية في الأقاليم الجنوبية تصل إلى 98% من السكان، فعمدت أمريكا إلى إصدار قانون 1936، والذي منحها حق مصادرة الأراضي وإعادة التوزيع، وقامت بتوطين العديد من الأسر المسيحية؛ ليصبح المسلمين أقلية في الأقاليم الجنوبية وتقدر نسبتهم بنحو 20 % من السكان[7].


وبدأت الجبهة تتكون عبر مطالب للخصوصية الثقافية للمسلمين، ثم تطورت إلى حركة كفاح مسلح تطلب الاستقلال، ودارت المفاوضات بين مسؤولي الحركة وحكومة ماركوس الفلبينية عام 1976، انتهت بتوقيع اتفاقية «طرابلس» للحكم الذاتي في عام 1977، وتلاعب ماركوس بتطبيق الاتفاقية؛ ما أدى إلى انشقاق الحركة على نفسها؛ لتخرج جماعات تتبنى الجهاد المسلح، أبرزها جماعة «أبوسياف» التي انشقت عام 1991، وانتهى الصراع بتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لهم في 2014[8]، ومازالت الحكومة تعمل على تطبيق الاتفاقية، إلا أن الصراع الطويل مهّد الأرض إلى انتشار الجماعات الإرهابية، ومن بينها خلايا تنظيم «داعش» الإرهابي[9].


للمزيد: «روسيا» تتقرب من «طالبان» لضرب مصالح أمريكا في أفغانستان




[1]- للمزيد عن الحركات الاجتماعية وأنواعها وأسباب نشوئها والمدارس العلمية المختلفة في تفسيرها، يمكن الرجوع إلى:

رمضاني صوراية، «الحركات الاجتماعية: مقاربة سوسيولوجية»، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية (ورقلة: جامعة قاصدي مرباح ورقلة الجزائر، العدد 24، يونيو 2016) ص ص 341-352.

عبدالمجيد مبلغي وآخرون، أحمد الموسوي (مترجم)، الإرهاب: تعريفه وآليات مكافحته (بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2015)


[2]- د. كمال أحمد عامر، التطرف والإرهاب ومواجهته، التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، 14 فبراير 2018

https://imctc.org/Arabic/ArticleDetail/Index/636742491397625803


[3]- حامد المسلمي، «عالمية الإرهاب وعولمة مواجهته»، مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، العدد الأول، مايو 2018) ص 68.


[4]الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، 21 مايو 2018)


[5]- حامد المسلمي، «حركة طالبان وعلاقتها بالقوى الإقليمية والدولية ومستقبل الأزمة الأفغانية»، مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط، العدد الثالث، أكتوبر 2018) ص ص 106-111.


[6]- المرجع السابق.


[7]- مصطفى أمين، «جبهة مورو الإسلامية: التحرر الوطني على الطريقة الإخوانية»، بوابة الحركات الإسلامية (القاهرة: المركز العربي للبحوث والدراسات، 18 أكتوبر 2015)

http://www.islamist-movements.com/31736


[8]- المرجع السابق.

[9]- عبدالرحمن جميل عبا، «زعيم جبهة تحرير مورو الاسلامية: تنظيم الدولة (داعش) يستهدف جنوب الفلبين موقعًا استراتيجيًّا له»، بوابة إندونيسيا اليوم، 22 فبراير 2018.

http://cutt.us/vGVBR

"