«الطوارق» و«القاعدة».. علاقة مشبوهة واستغلال غامض

حاولت الجماعات المتطرفة، الموالية لتنظيم «القاعدة»، استغلال حراك الطوارق (أكبر قبائل الصحراء الكبرى) في إقليم الأزواد (الاسم الذي يطلقه الطوارق على كل شمال مالي) لتزيد من رقعة انتشارها وسيطرتها في المغرب العربي، وكذلك للحصول على السلاح والدعم من خلال علاقاتها بالدول المجاورة في تهريب كل من السلاح والمتطرفين، خاصة أن المنطقة تشهد، منذ عام 2000، تدهورًا أمنيًّا متصاعدًا، جعلها تصبح سوقًا مفتوحة لتهريب البشر (والهجرة غير النظامية إلى أوروبا).

والطوارق من الأمازيغ (البربر)، وهم شعب من الرُّحل، يسكنون مساحة شاسعة من الصحراء الأفريقية، تمتد من موريتانيا غربًا إلى تشاد شرقًا، وتشمل الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، والتي يطلقون عليها اسم «أزواد»، ويعني في لغة الطوارق «الحوض».
بدأت العلاقة بين
الطوارق الأزواديين وتنظيم «القاعدة» متوترة، منذ قيام ثورة الطوارق عام 2006، التي
طالبوا فيها باستقلال ذاتي لإقليمهم المهمل (شمال البلاد)، وأدى ذلك إلى تقهقر «القاعدة»
وتراجعه إلى الجنوب جهة الصحراء مع الحدود النيجرية، إلا أنه مع بداية الربيع العربي
وقيام الثورة الليبية على وجه التحديد بدأت العلاقة بين التنظيم والطوارق تأخذ منحى
آخر، لكون «القاعدة» المستفيد الأكبر من استنزاف إمكانيات الجيش المالي في معركته مع
الأزواد.
ساند تنظيم «القاعدة»،
عبر جماعاته المختلفة، الثورة الأزوادية في شمال مالي، خلال حربها المسلحة ضد الحكومة
المالية، فتورط بعض أبناء الطوارق بتقديم دعم للجماعات المتشددة؛ إذ استعان التنظيم
بشبان من القبيلة للعمل في تهريب الأسلحة وجلب المتطرفين عبر نفس الدروب التجارية القديمة،
خاصة من ليبيا والجزائر.
وتربط معظم قيادات
«القاعدة» علاقات وثيقة بالطوارق، خاصة «مختار بلمختار» الجزائري، و«إياد آغ غالي»
المالي، اللذين ينتميان إلى الطوارق ومتزوجين من طارقيتين من ليبيا والجزائر.

وعقب مقتل الرئيس
الليبي معمر القذافي، أكتوبر 2011، عاد كثير من المقاتلين الطوارق إلى مالي- بعد مشاركتهم
كجنود في الجيش الليبي- للمشاركة في ثورة الأزواد، وحصل الإرهابيون في «القاعدة» على
جزء كبير من سلاح هؤلاء المقاتلين، وظلت العلاقة بين الطوارق و«القاعدة» خفية إلى عام
2012؛ إذ أشارت الحكومة المالية لأول مرة أن هنالك تحالفًا بين عناصر من تنظيم «القاعدة»
في بلاد المغرب ومتمردين من الطوارق، كما كشف نظام الرئيس، توماني توري، عن مشاركة
«القاعدة» إلى جانب حركة الأزواد في الهجوم على ثكنات ومراكز الجيش في شمال مالي.
وشاركت عناصر «القاعدة»
في عدة هجمات إرهابية، ضمن ثورة الطوارق في إقليم أزواد، طمعًا في تحقيق حلمهم الكبير
في إقامة دولة الطوارق الكبرى، والتي تمتد من موريتانيا غربًا إلى ليبيا والتشاد شرقًا
مرورًا بالجنوب الجزائري، خاصة ما يسمى بتنظيم «أنصار الدين»، الموالي لـ«القاعدة»،
والذي يقوده الزعيم الطوارقي «إياد آغ غالي»، إلى جانب ما تُسمى بـ«حركة التوحيد والجهاد
في غرب أفريقيا» (فرع آخر للقاعدة)، خاصة في الهجوم على مدينة كيدال المالية.
ونشأت علاقة التعاون
بين «القاعدة» والطوارق منذ تأسيس ما تُسمى بحركة «أنصار الدين»؛ إذ انضمت أعداد كبيرة
من المقاتلين الطوارق إلى صفوف الحركة إلى جانب مقاتلي تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب
الإسلامي»، تحت قيادة ابن عم (أغ غالي) (حمادة أغ هما)، مع زيادة الضغط العسكري على
الجماعات الإرهابية.
واتفق الطرفان على إعلان «جمهورية أزواد الإسلامية»، ثم أعلن «القاعدة» قيام «الجمهورية الإسلامية»، وقال «غالي»، في اجتماع قبلي عقد عام 2011، إنه يريد فرض الشريعة الإسلامية على الطوارق، وأعلن عام 2012 -في بيان بثته الإذاعة المحلية- «الجهاد ضد معارضي الشريعة» و«العداء لغير المؤمنين والمشركين»- يقصد الحكومة المالية والمجتمع الدولي.

وعقب اشتعال الحرب
المالية، ومشاركة الاتحاد الأفريقي والقوات الفرنسية في الحرب على جماعة الطوارق المتمردة
لمحاولة فرض الاستقرار، قويت العلاقة بين الطوارق و«القاعدة» أكثر، وكشف هذه العلاقة
صراحة ظهور القيادي فيما يسمى بـ«إمارة الصحراء»، التابعة لتنظيم «القاعدة» ببلاد
المغرب الإسلامي، وأمير كتيبة «الفرقان»، المعروف بـ«طلحة الليبي»، في مهرجان خطابي
أمام مؤتمر عقدته إحدى القبائل العربية في أزواد.
وبمرور الأيام، وقَّع المتمردون اتفاق سلام مع الحكومة المالية عام 2015، فحاولت حركة «أنصار الدين» مستغلة نفوذها القبلي، خاصة على قبيلة إيفوغاس (كبرى قبائل طوارق إقليم أزواد) لمنع القبيلة من التوقيع على الاتفاق، وبدأت العلاقة بين الجانبين تتوتر من جديد، وانفصل غالبية الطوارق عن العلاقة المباشرة مع «القاعدة».
ويدلي الماليون، اليوم الأحد 29 يوليو 2018، بأصواتهم في انتخابات رئاسية ستقرر مصير اتفاق السلام، إلا أن المتطرفين من «الطوارق والقاعدة» حذروا من استهداف الانتخابات، خاصة «إياد أغ غالى»، زعيم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الذي قال -في شريط مصور-: إن «هذه الانتخابات ليست سوى سراب وشعوبنا لن تحصد منها سوى أوهام كما فعلت سابقا».
ولم يكتف «القاعدة» باستغلال الطوارق داخل المجتمع المالي فحسب، بل توسعت لإحداث القلاقل في الدول الأخرى التي يوجد فيها الطوارق كأقلية، خاصة في ليبيا، إذ استغلها «القاعدة» في المغرب العربي، المقرب من حكومة جماعة الإخوان في ليبيا (حكومة الوفاق) في إثارة النعرات القبلية في الجنوب، كما استغل حماسهم في المشاركة في العديد من الهجمات الإرهابية داخل البلاد، أشهرها هجوم ميليشيات الجضران (الهجوم الإرهابي على منطقة الهلال النفطي أواسط يونيو 2018).