يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«التحرير الإسلامي».. أيديولوجيا تكفيرية بآليات سياسية

الأحد 29/أبريل/2018 - 06:49 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة

ربما كان منطقيًّا أن يجتمع الإسلاميُّون في 15 من أبريل الحالي في جلسات بكاء؛ فالكيانات التي لخصت جُلَّ مشروعها في حلم البحث عن «دولة الإسلام»، كان بديهيًّا أن تشترك في رثاء آخر الخلافات الإسلاميَّة -الخلافة العثمانيَّة- التي حلت ذكرى سقوطها الـ94 في 28 رجب، الموافق منتصف الشهر الحالي.

ما حدث أنه لا أحد منهم تذكَّر، باستثناء حزب واحد؛ جمع عشرات من أنصاره داخل قاعة صغيرة بتونس لتدشين مؤتمرٍ، أمس السبت، حمل عنوان «الخلافة.. القوة القادمة».

وسط رايات سوداء لا تختلف عن تلك التي يرفعها تنظيم «داعش» الإرهابي، وأصوات تقطع -بين حين والآخر- مداخلات المتكلمين لتردد: «تكبير.. الله أكبر»، أقام حزب التحرير، صاحب الخلفيات الدينيَّة المتطرفة مؤتمره الذي جدَّد فيه دعواته لحتمية عودة «الخلافة الإسلاميَّة».

فراغ ما بعد الخلافة

«التحرير» هو نتاج حقبة سياسيَّة مزدحمة بدأت في 1924، عندما سقطت الخلافة العثمانيَّة؛ ليمرَّ معها المسلمون بمحنة العيش لأول مرة خارج إطار ديني سياسي جامع.

الفراغ الذي خلَّفه سقوط الخلافة كان دافعًا لظهور عشرات الأطروحات الدينيَّة التي وضعت تصورات لكيفية إعادة الخلافة، من بين هذه التصوُّرات كان ما قدَّمه حسن البنَّا، وأسس عليه جماعة الإخوان بمصر عام 1928، وتقي الدين النبهاني، الذي أَسَّسَ حزب التحرير الإسلامي في 1953.

لماذا حزب؟

بينما استقرَّت الأطروحات كافة على تأسيس كيانات وتنظيمات خارج الإطارات الرسميَّة، بدعوى رفض الأنظمة الحاكمة وعدم الاعتراف بها، ذهب «التحرير» إلى تشكيل حزب سياسي لا تنظيم أو خلية، فيما يُوحِي باعتراف ضمني بالأنظمة الحاكمة وأسلوب الحكم.. هل الحزب يعترف فعلًا بنُظُم الحُكم الوضعيَّة؟

بالرجوع إلى المرجعيَّة الفكريَّة التي أسَّس «النبهاني» عليها حزبه، لا توجد اختلافات واسعة بين «التحرير» و«داعش»؛ حتى إن بعض المراقبين للجماعات الدينيَّة قالوا إن حزب التحرير يصلح لأن يكون ذراعًا سياسيَّة لـ«داعش»، مفسرين ذلك بأن الحزب مُتشدِّد في أحكامه، ويُكفِّر الحاكم والمحكوم، ولا يتورَّع في تسمية رئيسه بـ«الأمير» والدول العربية بـ«الولايات»، تمامًا كما يفعل «داعش».

وفي تفسيره لأسباب عمله بالسياسة رغم رفضه لنُظُم الحكم القائمة، ذهب الحزب عبر موقعه الرسمي تحت عنوان «أسباب قيام حزب التحرير»، إلى أن إقامة الأحزاب السياسيَّة فريضة دينيَّة، واستعان في ذلك بتفسيره للآية القرآنية: «وَلْتَكُنْ مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». (آل عمران - آية: 104)

وأوضح أن الآية الكريمة تحمل أمرًا إلهيًّا بإقامة الأحزاب؛ إذ تدعو إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، معتبرًا أن هذه المهمة هي سياسيَّة بالأساس، ومن ثمَّ فإقامة الحزب السياسي واجب ديني، مشددًا عَبْرَ موقعه على أن مهمة الأحزاب يجب ألَّا تتجاوز فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنص الآية.

وبما أن هذا الدور هو دور ديني؛ فالأساس في الأحزاب أن تكون أحزابًا إسلاميَّة؛ ما يعني نفي أن يكون هناك حزب سياسي اشتراكي أو ليبرالي، وبناءً على هذا الرأي اعتبر الحزب أن تجربته الأصح، مطالبًا بدعمه دون الجماعات الأخرى التي يرى خطأ مشروعها.

مُقوِّمات الخلافة

ورغم اعتقاد البعض بأن تنظيم «داعش» يُعَدُّ أول التنظيمات التي ذهبت إلى وضع تصوُّر على الأرض لما يُعرَف بـ«دولة الخلافة»؛ إذ وضع قوانين وقسَّم المساحات التي يُديرها إلى ولايات؛ فإن حزب التحرير ربما يكون سبقه في ذلك.

ونشر الحزب ما يُسميه دستور الخلافة الإسلاميَّة عَبْرَ موقعه الإلكتروني؛ ليُكوِّن تصورًا مبدئيًّا للدستور المُفترَض وضعه لدولته الحلم، لاسيما تحديده لأجهزة الدولة وشروط اختيار «الخليفة» وكيفية اختياره، ونص البيعة، وحتى ما سمَّاه «هتاف "نشيد" دولة الخلافة» في كتاب بعنوان «أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة» لأمير الحزب الحالي، عطاء بن خليل أبوالرشتة، صدر في 2006.

وبسبب هذه الأفكار التي تُهدِّد وجود الأنظمة السياسيَّة؛ يتعرض «التحرير» لتضييق أمني في دول انتشاره التي يُقدَّر عددها بـ40 دولة تنتشر في آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ ففي مصر في 2003 نظرت محكمة أمن الدولة العليَّا طوارئ قضية عُرِفت إعلاميًّا بـ«حزب التحرير الإسلاميّ المصريّ»، فيما ناقشت تونس العام الماضي مصير الحزب، مُستقرَّة في النهاية على قرار حظره.

ويظهر الحزب في فترات الاضطرابات؛ إذ نظَّم في 22 أبريل الحالي بإدلب شمالي سوريا، مسيرة لإحياء ذكرى هدم الخلافة، مطالبًا الفصائل السوريَّة بتسليمه شأن ما يُسميه «الثورة السورية»، بدعوى أنه الحزب صاحب المنظومة الفكرية السليمة، كما ظهر الحزب في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير 2011؛ إذ نشر إعلانات له في الشوارع يُجدِّد فيها دعوته لعودة الخلافة.

"