«دولة الخلافة».. مشروع الجهاديين المقدس

جددت الأحداث المتلاحقة التي شهدتها المنطقة العربية منذ نحو 7 سنوات، الحديث عن «يوتوبيا دولة الخلافة»، فمنذ أن قرر زعيم تنظيم »داعش«، أبوبكر البغدادي، تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، في النصف الأخير من العام 2014، عكف التنظيم الإرهابي على تعميم نصوص دينية من الكتاب والسُّنة، وما يعتبره إجماعًا من علماء المسلمين؛ للتأكيد على مشروعية منصب الخليفة، ووجوب إعطائه البيعة، معتمدًا على فهم ضيق للنصوص.
التنظيم الإرهابي لم يتوقف عند ذلك الحد، بل ذهب إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث ادعى أن منصب الخليفة فُرض على المسلمين كافة، وأنه يُعد مقصدًا سادسًا للشريعة إلى جانب المقاصد الخمسة وهي «حفظ الدين، والنفس، والنسل، المال، والعقل»، وقال التنظيم إن التقصير في إقامة دولة الخلافة، معصية من أكبر المعاصي يُعذب الله عليها أشد العذاب.
وحينما تُوفي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن قد سمى لأصحابه شكلًا بعينه للنظام الذي يتم بناءً عليه اختيار رئيس الدولة، بل جعل الأمر متروكًا لأهل زمانه يحددون الطريقة المناسبة لهم في الاختيار، منذ ذلك الوقت سَخَّرَ البعض -على اختلاف مذاهبهم- جهدهم في البحث عن أدلة شرعية تعزز تصورهم عن دولة الخلافة.
ورغم اختلاف تلك المذاهب فإن جميعها أكد أن الخليفة هو الشخص الذي يقوم بمهمة الرسول محمد، من إدارة شؤون الدولة الإسلامية من الناحيتين المدنية والدينية، والمدنية المقصود بها رئاسة الجهاز الإداري للدولة، وقيادة الجيش، ووضع السياسات العامة، ومتابعة المرافق والمؤسسات، على أن يكون للخليفة الذي يحكم إمبراطورية مترامية الأطراف، «والي» في كل دولة، ينفذ أوامره ، كما يكون للخليفة «أهل شورى»، من الشخصيات العامة، ومن ذوي الرأي والحكمة والخبرة.
أما الأدوار الدينية للخليفة فهي متابعة تعاليم الدين الإسلامي، سواء فيما يتعلق بنظام إدارة الدولة، أو فيما يخص السلوك العام للرعية.
والخليفة وفق هذا المفهوم، هو ولي أمر المسلمين في الدنيا كلها، سواء من كان منهم داخل سلطانه في دولة الخلافة، أم خارجها؛ حيث إن لخليفة المسلمين الشرعي بيعة في عُنق كل مسلم في الدنيا، سواء أدى هذه البيعة بالفعل أم لم يؤدّها.
يبقى التساؤل؛ هل الخلافة الإسلامية نموذج شرعي ديني ثابت أنتجه الوحي المقدس؟ أم نموذج تاريخي متطور أنتجه الفعل الإنساني المتأثر بقيمه وبيئته الزمنية والمكانية؟
والخلافة في القرآن لم ترد قط بمعنى «سياسي» -أي إدارة الدولة- فجميع المواضع القرآنية لم تذكر صراحة لفظ «خلافة»، وإنما استخدمت مشتقاتها، فلا دليل واحد في القرآن على أن كلمة خليفة أو إمام كان المقصود بها المعنى السياسي للمصطلح، والآيات التي ورد فيها المصطلح لا تقبل أي تفسير مباشر بالمعنى الذي تحاول التنظيمات الأصولية في الوقت الحالي إضفاءه عليه، فكل كلمات "خليفة– خلفاء– خلائف– أئمة" جاءت بتعابير عامة، ولم تكن خاصة بتحديد ماهية الدولة ونظام الحكم الواجب اتباعه فيها.
كتاب «الإسلام وأصول الحكم" للقاضي المصري الأزهري المجدّد، علي عبدالرازق (1888-1966)، يشير إلى أن أحاديث النبي محمد لا يوجد فيها دليل على أن الخلافة عقيدة شرعية وحكم من أحكام الدين، فإذا كان صحيحًا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بطاعة الإمام، فقد أمر الله كذلك بالوفاء بالعهد لغير المسلمين طالما استقاموا في عهدهم، وهذا لا يعني أن الله رضي بالشرك، ولا كان أمره بالوفاء للمشركين مستلزمًا لإقرارهم على شركهم».
وتابع: «وقد أُمِرْنا شرعًا بإكرام السائلين، واحترام الفقراء والرحمة بهم، فهل يستطيع ذو عقل أن يقول إن ذلك يُوجب علينا شرعًا أن نُوجد بيننا فقراء ومساكين؟ كما حدثنا الله تعالى عن الرق وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء، وأمرنا أن نعاملهم بالحسنى، فهل دل ذلك على أن الرق مأمور به في الدين، أو أنه مرغوب فيه؟».
وجميع التنظيمات الراديكالية التي ظهرت أخيرًا، لم تقدم بحثًا موثقًا عن شرعية دولة الخلافة، بل اعتمدوا في الأساس على حنين الكثير من المسلمين إلى العودة لدولة الخلافة المزدهرة في التاريخ الإسلامي.
ومن بين الشواهد التي تؤكد الاستخدامات السياسية للمصطلح، أن للتيار السُّني في الإسلام فهمًا متباينًا عن فهم الجماعة الشيعية التي آمنت بنظرية الإمامة، وجعلتها محصورة في 12 إمامًا، بينما جعلها التيار السُّني محصورة في القرشيين –الذين ينتمون لقبيلة النبي محمد-.