يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

استخبارات التنظيمات الإرهابية.. «داعش» و«القاعدة» نموذجًا

الخميس 01/نوفمبر/2018 - 11:25 م
المرجع
علي عبدالعال
طباعة

لاشك أن التنظيمات الإرهابيَّة تستخدم كل الوسائل الممكنة لتعزيز قدراتها، ولذلك تُولي أهمية قصوى لدور الاستخبارات والأمن وتجعله من القواعد الأساسية في عملها لتتحول حروب القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ـ مع أهمية الحصول على المعلومة ـ إلى حروب استخباراتية ومعلوماتية أكثر من كونها حروب عصابات أو عمليات كر وفر ومواجهات ميدانية.


والدافع الاستخباراتي لدى تلك التنظيمات يفسره حرصها الشديد على أمنها في المقام الأول إلى جانب ما يلزم أنشطتها من جمع المعلومات وتقصي الأخبار، والوقوف على مخططات القوى المستهدف حربها كمقدمة ربما لزرع العملاء والجواسيس (لو أمكن ذلك)، وأيضًا لاستشعار التهديدات الداخلية والخارجية قبل وقوعها.


وفي إطار الحرب المعلنة بين الدول وهذه التنظيمات، لا تكاد تجد جهازًا استخباريًّا عربيًّا أو غربيًّا لا يخطّط أو يعمل على اختراق التنظيمات المنتشرة في الكثير من دول العالم، سواء عبر تجنيد العملاء والجواسيس أو بوسائل تقنية وتقليدية مختلفة وهي أنشطة تتم في سرّيَّة، إلا في حالات التسريب أو الانشقاق أو الإعلان، ما يستلزم اتخاذ التدابير كافة لإجهاضها على الطرف الآخر.


الشيء نفسه نجده لدى التنظيمات الإرهابية وخاصة «القاعدة» الذي زرع أكثر من عميل له في مؤسسات أمنية كبيرة مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، ومكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية «إف بي آي»

استخبارات التنظيمات

«القاعدة» تستلهم عمل سي آي إيه


تنظر جهات أمنيَّة عديدة إلى تنظيم القاعدة المركزي في أفغانستان وباكستان على أنه ربما يفوق الكثير من أجهزة استخبارات بعض الدول وخاصة في مجال جمع المعلومات والحرفية التكنولوجية والقدرة على المراقبةوأنه يتميز عن تنظيماته المحلية والإقليمية بتماسكه وسريته أكثر رغم ضعفه ميدانيًّا وقلة عملياتهورغم أن هذه التنظيمات المحلية تعمل ضمن مظلة القاعدة المركزي وتأخذ عنه التشكيل الإداري لكنها أقل سرية في عملها، وتغلب عليها الفوضى والهشاشة الأمنية.

 

فقد درس التنظيم تشكيلات وكالة المخابرات الأمريكية «سي آي إيه»، التي كان قد عرفها بعض قادته خلال حقبة الجهاد الأفغاني ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان ، واعتمد قادة القاعدة الأمنيين عمليات الـ«سي آي إيه» الاستخبارية وطريقتها ـ على ما يبدو ـ في جمع المعلومات وتوظيفها ومعرفة نقاط ضعف العدو.

 

كما استفاد «القاعدة» كثيرًا من اعتراض بعض الطائرات بدون طيار وتحييدها، واستفاد من قرصنة المعلومات الإلكترونية، واختراق الأهداف والخرائطوهو لا يتردد في الاستعانة بالضباط السابقين في المؤسسات الاستخبارية من عناصرهومن رواد التنظيم في المجال المخابراتي سيف الدين العدل، الضابط المصري السابق الذي كان على رأس أركان عمليات التنظيم المركزي.

 

وعلى عكس أفرعه في بعض المناطق يقوم عمل التنظيم المركزي على أساس حرب المعلومات واللعبة المزدوجة وقراءته لمخططات أعدائه والاستفادة من الخبرات المتاحةويعتمد «القاعدة» على جهاز أمن داخلي مسؤول عن أمن مقاتليه ومتابعتهم وإخضاعهم للتدقيق والمراقبةوهنالك داخل التنظيم سلسلة مراجع إدارية استخبارية، مسؤولة عن أمن المعلومات والأفراد واعتماد الجهد الاستخباري أي جمع وتحليل المعلومات وتوظيفها.

 

ونظرًا لندرة المعلومات التي يمكن أن يطمئن لها الباحث حول النشاط الاستخباري لتنظيم القاعدة، فلا يمكن رصد نشاط جهاز المخابرات التابع للتنظيم المسلح إلا عبر الأحداث المعلنة والبيانات الصادرة من قبله، أو تلك التي تم الكشف عنها حتى صارت معروفة أو تفاصيل وأحداث العمليات والعمليات المضادة بينه وبين القوى المناوئة وأثرها على الأرض.

استخبارات التنظيمات

تفجير خوست والعميل المزدوج


يمثل تفجير خوست الذي وقع أواخر يناير 2009 ونفذه الطبيب الأردني همام البلوي مرحلةً متقدمةً في النشاط المخابراتي لتنظيم القاعدة، وخاصة في مجال زرع العملاء في خاصرة الجهات  المعادية.


وقعت العملية الانتحارية، التي نفذها البلوي في مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية بولاية خوست شرقي أفغانستان، ونجم عنها قتل مجموعة من ضباط الوكالة؛ حيث قُتِلَ 7 من أفرادها بينهم مدير الـ(سي آي إيه)، إضافة إلى ضابط ارتباط من المخابرات الأردنية ينتمي إلى العائلة المالكة يُدعى الشريف علي بن زيد، وأصيب ستة آخرون في الهجوم.


كان همام خليل البلوي والمعروف بـ«أبو دجانة الخرساني» بمثابة عميل مزدوج لأربع جهات في وقتٍ واحدٍ وكالة الاستخبارات الأمريكية، والمخابرات الأردنية من جهة، وتنظيم القاعدة، وحركة طالبان باكستان من جهة أخرى.


وكان قد اعتقل في الأردن عام 2008 من قبل المخابرات الأردنية بسبب نشاطه في الترويج للفكر الجهادي وتردده على المنتديات الجهادية، واشترط الجهاز الإفراج عنه مقابل تجنيده وتوجهه إلى وزيرستان للعمل مع طالبان باكستان، والالتقاء بنائب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.


وحسب المصادر الأمريكية فقد جُنّد همام البلوي من قبل المخابرات الأردنية للعمل لحسابها، ثم حُوّل للعمل مخبرًا لوكالة السي آي إيه، بيد أنه لم يتخل أبدا عن ولائه لتنظيم القاعدة.


كانت مهمته المحددة هي ملاحقة أيمن الظواهري، ووفقًا للمصادر الغربية فإن البلوي اتصل بالمسؤولين عنه لترتيب اجتماع في قاعدة (تشابمانفي مدينة خوست؛ حيث كان سيبلغ عن معلومات مهمة حول الظواهري.

وحكى قائد طالباني لصحيفة (القدس العربيقائلًاكنا عبر همام: «نمد المخابرات الأردنيَّة بمعلوماتٍ مضللةٍ عن الحركة لكسب ثقتها وكانوا يمررون تلك المعلومات إلى المخابرات الأمريكية، واستمرت اللعبة طوال عامٍ كاملٍ، حتى قرر عملاء المخابرات المركزية الأمريكية نقل همام إلى خوست للحديث معه عن تفاصيل بعض الأهداف والمعلومات وبالفعل نُقِلَ إلى خوست». وزوِّد بحزام ناسف ممتلئ بالمتفجرات، ونظرًا للثقة التي بناها مع المخابرات الأردنية التي لديها مقر كامل في خوست، وكذلك مع المخابرات الأمريكية فإنه لم يفتش؛ حيث نقل إلى مقر قيادة التحكم بطائرات التجسس الأمريكية، التي تستهدف عناصر وقيادات القاعدة وطالبان في مناطق القبائل الباكستانية.

وبينما كان الحضور يحتفلون بعيد ميلاده، الذي يصادف يوم الخامس والعشرين من ديسمبر بحضور قائد القاعدة وكبار ضباط الاستخبارات الأمريكية وبعض عناصر المخابرات الأردنية فجر همام نفسه في عملية اعتُبِرَت الأخطر في تاريخ الاختراق الأمني والاستخباراتي من منظمة وحركة لدولة ولجهاز مخابراتي بحجم المخابرات الأمريكية والأردنية.

وقد شكل هذا التفجير انتكاسة خطيرة لكلا الجهازين وربما للعلاقة بينهما، لا سيما وأن المخابرات الأمريكية تعتمد في كثير من الأحيان على المخابرات الأردنية في تعقب عناصر القاعدةووُصفت عملية البلوي بأنها أكبر خداع في تاريخ أجهزة الاستخبارات سواء الأمريكية والأردنية.

استخبارات التنظيمات

المصري علي أبو السعود


ولم يكن همام البلوي هو العميل المزدوج الوحيد الذي تمكنت القاعدة من زرعه بأخطر الأجهزة الأمنية في العالم، لكن سبقه المصري «علي أبو السعود محمد» الذي سعى لاختراق المباحث الفيدرالية الأمريكية بعدما زرعته القاعدة للعمل هناك كمترجم.


كان أبو السعود رقيبًا في سَريَّة الإمداد والتموين الملحقة بالقوات الخاصة الأمريكية في مركز جون كيندي بنورث كارولينا، بعدما التحق بالقوات الأمريكية، وتدرج عسكريًّا، إلى أن أصبح مسؤولًا عن تلقين القوات الخاصة معلومات عن الثقافة العربية والإسلامية إلى أن غادر القوات الأمريكية عام 1989.


طبقًا لملف المباحث الفيدرالية استخدم أبو السعود ـ وهو ضابط سابق في الجيش المصري ـ أكثر من كُنية واسم وهوية في التعامل مع تنظيم القاعدة أبرزها (أبو عمر).


وفي أعقاب القبض عليه ومحاكمته اعترف أمام قاضي المحكمة الفيدرالية في نيويورك أكتوبر 2000  بذنبه في التخطيط لتفجير السفارتين الأمريكيتين في شرق أفريقيا ضمن خمس تهم وجهت له من الادعاء الأمريكي، ضمنها التواطؤ مع بن لادن لقتل الأمريكيين.


وتضمن ملف الاتهامات محاولة اختراق المباحث الفيدرالية «إفبيآي» بعد أن تقدم أبو السعود بطلب للعمل كمترجم في مايو  1993، وتطرق ملف التحقيقات إلى «الشهادة الكاذبة» التي أدلى بها إلى ضباط المباحث الفيدرالية فيما يتعلق بنفيه تدريب عناصر في قضية «تفجيرات نيويورك» عام 1993، التي أُدين فيها عمر عبد الرحمن زعيم «الجماعة الإسلامية» بالسجن مدى الحياة


وتحدث ملف الاتهامات أيضًا عن دخول أبو السعود إلى كينيا بجواز سفر مصري مزور يوم 23 يناير 1994، وبعدها بعشرة أيام وضمن مراقبته لمباني السفارة الأمريكية في نيروبي كان يدخل أبو السعود إلى حرم السفارة الأمريكية باستخدام جوازه الأمريكي.


واعترف في التحقيقات أنه في عام 1992 تولى تدريب أعضاء «القاعدة» على صناعة المتفجرات في أفغانستان، كما ذكر أنه دربهم على الأعمال الاستخبارية، وكيفية تأسيس خلايا سرية يمكن استخدامها في التدريبات، وذكر أنه ساعد بن لادن على إنشاء «خلايا» في كينيا وأن بن لادن أرسله عام 1994 إلى جيبوتي لإعداد تقرير عن السفارة الأمريكية هناكوقال إنه بعد حادث تفجير السفارتين كان ينوي السفر إلى مصر ومنها إلى أفغانستان للقاء بن لادن، ولكنه استُدعِي آنذاك للمثول أمام هيئة محلفين كبرى في نيويورك، وقُبِضَ عليه.

استخبارات التنظيمات

استخبارات القاعدة

أسس مخابرات القاعدة، المصري إبراهيم محمد صالح البنا أو «أبو أيمن المصري»، القيادي السابق بتنظيم الجهاد، الذي كان قد انضم مُبكرًا إلى «القاعدة» على يد زعيمها أسامة بن لادن، في البدايات الأولى للتأسيس.


كان صالح من جيل المقاتلين القدامى في أفغانستان، ورافق القيادي عبدالله عزاموهناك شغل منصب مسؤول الجناح الإعلامي في القاعدة؛ حيث أطلق عليه بن لادن لقب «الأسطورة» نظرًا لقدراته المتعددة.


وفي اليمن عُد المصري أهم مؤسس لتنظيم (القاعدة في جزيرة العرب)؛ حيث شغل منصب المسؤول الأمني بالتنظيم، وعَمِلَ على تأسيس جهاز المُخابرات بتكليف من الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري؛ حيث قام بتدريب عناصر القاعدة على أعمال التجسس والتخفي، وكان بارعًا في إعداد جوازات السفر المزورة.


اشترك مؤسس مخابرات القاعدة مع أبي حمزة المهاجر في هذا التأسيس، واستطاع مع «المهاجر»، تكوين شبكة علاقات لا بأس بها بمشايخ القبائل البدوية في اليمن، وبيع السلاح لهم فضلًا عن استغلالهم في تدبير المأوى لأفراد التنظيم، ثم التنظيم حتى وقت قريب، وأيضًا تمكَّن الإرهابيان القاعديان من تجنيد عددٍ كبيرٍ جدًا من أبناء القبائل اليمنية والمطلوبين أمنيًّا من السلطات الأمنية.

 

والبنا له تاريخٌ حافلٌ في التنقل بين الدول والانضمام من تنظيم إرهابي إلى آخر ما بين مصر واليمن وأفغانستان، وكان يجيد تزوير الأوراق الرسمية وكذلك التخفي والتنقل بين الدول بكل سهولة، وحظي باحترامِ وتقديرِ قيادات التنظيم في أفغانستان وفي جميع الدول، وكان يُقدم لهم التوجيهات العسكرية والأمنية بصفته مسؤولًا أمنيًّا.


وبفضل مهاراته في التزوير تمكن عناصر «القاعدة» من المرور عبر مطارات العالم بأوراق رسميَّة مزورة.


وكذلك امتد تأثيره إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فهو مدرب أبي أيوب المصري، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الذي خلف أبا مصعب الزرقاوي بعد اغتياله، وكان مسؤولًا عن استقطاب وضم عددٍ كبيرٍ من المصريين إلى تنظيم القاعدة، وترحيلهم إلى دول أخرى بعد تدريبهم وتزوير الوثائق الرسمية لهم.


 وفي يناير 2017 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية المصري وحمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، على القائمة الأمريكية السوداء لمكافحة الإرهاب، وقالت وزارتا الخارجية والخزانة إنهما كانا قد حددا أن حمزة بن لادن وإبراهيم البنا «إرهابيان عالميان»، ورصدتا خمسة ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تفضي إلى إلقاء القبض على البنا.


وجاء ذلك بعد خطوة سبقتها حين أدرجت واشنطن إبراهيم البنا في لائحتها السوداء للإرهاب في 2014، باعتباره أخطر عناصر تنظيم القاعدة المطلوبين دوليا، وهو ما يعكس الإدراك الأمريكي لأهمية وخطورة الرجل.

استخبارات التنظيمات

داعش.. والعمل الاستخباراتي المؤسسي 


بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة واشنطن  تايمز، فإن قوائم التجنيد الخاصة بالتنظيم لم تكن مُقتصرة على الفقراء أو القادمين من مناطق نائية، بل إن تدقيق تلك القوائم أشار إلى أنه ضم أعدادًا كبيرة جدًا من المتعلمين، من بينهم محامون ومهندسون وضباط شرطة وجيش وفنيون ومهندسو حاسوب ومهنيون وخبراء تكنولوجيا ومعلومات.


على الصعيد الأمني، عُد داعش أكثر التنظيمات اعتمادًا على الأمن والاستخبارات حتى وصف بشراسته الاستخبارية، وتميز عن غيره من الجماعات من ناحية امتلاكه جهازًا استخباراتيًّا قويًّا ذا خبرات أمنيّة وتجربة طويلة حصل عليها من ضبّاط المخابرات والاستخبارات الذين عملوا في صفوفه.


وجهاز المخابرات هو أحد الوحدات السرية التي تُشكِّل الهيكل التنظيمي لتنظيم الدولة، وهذا الجهاز أُتيحت له كل الإمكانات الممكنة وكان له عملاءٌ في كل مكان واستمر هؤلاء العملاء في عملهم ولعبوا دورًا حيويًّا في جميع العمليات التي شنها داعش.


وكان «داعش» يُباشر العمل الأمني والاستخباراتي بشكل مؤسسي ونظمت لذلك محاضرات ودورات متخصصة أشرف عليها مقاتلون يتمتعون بخبرات عسكرية، إذ ليس سرًا أن نشأة التنظيم تعود في جزءٍ كبيرٍ منها إلى جهود العقيد السابق في مخابرات القوات الجوية العراقية في عهد صدام العقيد سمير عبد محمد الخليفاوي الملقب بـ«حجي بكر».

 

في أبريل العام 2015 نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية وثائق باللغة العربية تتضمن خططًا وتصميمات تبين استراتيجية التنظيم في السيطرة على أجزاء من سوريا من خلال تبنيه «أساليب دولة مخابراتية شديدة التعقيد تعتمد على نطاق واسع على عمليات التجسس والمراقبة»وقالت شبيغل إن هذه الوثائق تعود إلى «حجى بكر»، الذي انضم عام 2004 إلى التنظيم، وساعد بفعالية في وضع أبي بكر البغدادي على رأس الهرم.

رحل بكر إلى سوريا في عام 2012 حيث كان مسؤولًا عن تولي السلطة في الأماكن التي سيطر عليها التنظيم حتى قتل هناك خلال تبادل لإطلاق النيران عام 2014.

تضمنت الخطط التي وضعها العقل الاستراتيجي لداعش التخفي بالعمل تحت مظلة «مكتب للدعوة الإسلامية» يتم من خلاله إرسال جواسيس متنكرين في هيئة دعاة إسلاميين في البلدات والقرى في شمال سوريا، وكان على هؤلاء معرفة ميزان القوى ونقاط الضعف في الأماكن المعنية، وفي الخطوة التالية تأتي العمليات المسلحة من خلال وحدات وخلايا نائمة أنشئت خصيصًا للمواجهة المحتملة مبكرًا.

 لم يكن ما وضعه حجي بكر على الورق، صفحة تلو الأخرى، مع مربعات واضحة لمسؤوليات الأفراد، سوى مخطط للاستيلاءلم يكن بيان مبايعة، بل خطة تقنية محكمة لدولة مخابراتية تدار من منظمة تشبه وكالة مخابراتوأظهر فحص مئات الصفحات من الوثائق نظامًا بالغ التعقيد يتضمن التسلل ومراقبة كل المجموعات.

تقول الصحيفةكانت الخطة تقضي منذ البداية بعمل أجهزة المخابرات بشكل متوازٍ مع بعضها البعض حتى على مستوى المحافظات، إذ يترأس قسم المخابرات العامة أميرًا للأمن يشرف بدوره على نوابه في المقاطعات المختلفة، ويتلقى هؤلاء النواب تقارير من رؤساء الخلايا الجاسوسية ومدراء المعلومات الاستخباراتية لكل مقاطعة، كما يتلقى نائب الأمير تقارير أيضًا من أفراد الخلايا التجسسية على المستوى المحلي، فالهدف كان أن يراقب الجميع بعضهمويترأس أمير المقاطعة كذلك مدربي القضاة الشرعيين لتقصي المعلومات بينما يتولى الأمير المحلي مهمة الإشراف على قسم منفصل «لضباط الأمن».

 

لم يكن بكر هو العسكري السابق وحده في قيادة التنظيم بل كان معه عددٌ كبيرٌ من ضباط المخابرات العسكرية السابقين من ذوي الرتب العالية ممن يقبعون فوق رأس القيادات في التنظيم وضباط من «الحرس الجمهوري» المنحل وقادة في الجيش العراقي.


من بين هؤلاءوليد جاسم، المعروف باسم «أبو أحمد العلواني»، الذي كان نقيبًا في المخابرات في عهد صدام، وفاضل الحيالى، المعروف باسم «أبو مسلم التركماني» ويعتقد البعض أنه كان نائبًا لأبي بكر البغدادي إلى أن قُتل في ضربة جوية عام 2015 . ومن بين هؤلاء «إياد حامد الجميلي» ضابط المخابرات السابق في عهد صدام والملقب باسم «أبو يحيى»، والذي كان يعرف في التنظيم على أنه «وزير الحرب».. كان الجميلي هو المنسق العام للولايات في العراق حسب خارطة داعش، وكان المشرف على الملفات الأمنية والتحقيقات، وهو من باشر الإعدامات التي ارتكبها التنظيم.

وكان الجميلي قبل أن تسند إليه مهمة وزارة الحرب في التنظيم كان ضابطًا كبيرًا في جهاز المخابرات في عهد صدام وهو من أهالي الفلوجة وقد قتل في ضربة جوية استهدفت مقر قادة داعش في بلدة القائم غربي الأنبار بناء على معلومات استخباراتية أول أبريل 2017. 

من خلال معلومات حصلت عليها من  أجهزة الاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبلجيكية والنمساوية والألمانية قالت صحيفة «نيويورك تايمز» مايو 2017  أن المعلومات المؤكدة التي في حوزة هذه الأجهزة تؤكد قيام تنظيم داعش بتأسيس جهاز مخابرات خاص به يعمل على جمع المعلومات والاستهداف والتجنيد للعناصر في أوروبا وآسياوأن فرع العمليات الخارجية لجهاز الاستخبارات التابع لداعش شكل وزرع مئات من الخلايا النائمة في آسيا وأوروبا، وهي الخلايا التي استيقظ العالم على وقع تفجيراتها في مناطق شتى من العالم.


وتستخدم هذه الوحدة عناصر تأثروا بأفكار التنظيم ودخلوا في أيديولوجيته لتتحول مهمتهم التواصل مع الأشخاص في الدول المستهدفة وإيصال الرسائل بما فيها ما يتضمن أوامر بشن الهجمات.

ولدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية عشرات الآلاف من الصفحات التي تتضمن اعترافات عناصر مشتبه في انتمائها للتنظيم خلال استجوابهم أكدوا فيها أن عملاء مخابرات «داعش» قد التقوهم عدة مرات تحت غطاء السياحة أو الدراسة أو التجارة وحثوهم على تشكيل الخلايا ثم طلبوا منهم الخلود إلى النوم «لحين ورود تعليمات أخرى».

وكشف بعض من تم استجوابهم معرفتهم بأن مخابرات داعش لها فرع للعمليات الخارجية وآخر للعمليات الداخلية، وإدراكهم وهم يشكلون الخلايا النائمة في أوروبا أن هذه الخلايا كانت تتبع «الجهاز الأمني»، وهو الاسم الذي أطلقه التنظيم على مخابراته، وأن القيادي أبو محمد العدنانى هو الذي كان يتولى إدارة هذا الجهاز إذ كان قد سبق له العمل كمدير للجهاز الإعلامي إلى أن ظهرت براعته العسكرية فتولى قيادة فيلق العمليات الخاصة للتنظيم.

 وعادة ما يتم اعتماد معيار الولاء ومعيار الموطن الجغرافي ومعيار الإجادة اللغوية كمحددات لمن يتم تجنيدهم في خلايا التنظيم النائمة في الخارج التي كانت قد بدأت في التحرك على الساحتين الأوروبية والآسيوية بدءًا من العام 2014،  وبينت عدة عمليات أن نقاط العمل القوية لتلك الخلايا تقع في ألمانيا وأستراليا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا ولبنان وتونس وبنجلاديش وماليزيا وإندونيسيا، فضلًا عن بلدان الشرق الأوسط، وأن 30 عميلًا من أعضاء تلك الخلايا قد نفذوا وحدهم 10 هجمات كبرى حول العالم خلال عامين وبعضهم تلقى تدريبات على شن الهجمات في معسكرات تتبع التنظيم في سوريا والعراق.


وبالنسبة للخلايا النائمة التي زرعتها مخابرات داعش في الولايات المتحدة، نقلت الصحيفة الأمريكية عن مسئولين أمنيين في واشنطن قولهم إن توافر الأسلحة في الأسواق الأمريكية وسهولة الاتصالات عبر الإنترنت تجعل مهمة مسئولي التجنيد في مخابرات داعش أسهل، إذ يستخدمون التراسل الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي في اصطياد عملائهم وإعطائهم التكليفات والأموال اللازمة لشراء الأسلحة من داخل الولايات المتحدة.

استخبارات التنظيمات

مكافحة التجسس والاختراق

بدأ داعش بعمليات متقدمة لمكافحة التجسس التي تم عن طريقها اعتقال الجواسيس وإعدامهم، وكانت قوة الأمن الداخلي هي المسؤول الرئيسي عن حملة استئصال المخترقين والكشف عنهم، وهي تتشكل من الأعضاء الأكثر خبرةً والأكثر التزامًا في التنظيم.

وغالبًا ما تكون عملية اختيار هؤلاء صعبة، فعلى سبيل المثال، كان ضم المسلحين من مجموعة إلى مجموعة أخرى أمرًا عاديًّا، ولكن لا يتم اختيار قوات الأمن الداخلي إلا من الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن قاتلوا في صفوف جماعة أخرى حرصًا وتأكيدًا على الولاءاتوكان لأفراد الأمن الداخلي حرية كبيرة في التنقل على خلاف غيرهم من المقاتلين.

وبما أن داعش تتخوف كثيرًا من عمليات التسلل إلى صفوفها، كانت تستخدم عناصر استخبارية سرية للمراقبة وجمع المعلومات بشكل مستمر، وبالنسبة للمقاتلين الأجانب كانت تبدأ هذه المراقبة حتى قبل وصولهم إلى مناطق في سوريا والعراق.

وكذلك أي شخص كان يتهم بالتجسس كان يتم إرساله إلى سجن الأمن داخلي، كما كان يعدم معظم الذين ثبت تورطهم في أعمال التجسس لصالح جهات أخرى.


للمزيد: تكتيكات الاستخبارات في مواجهة «الذئاب المنفردة»

"