يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الخلافة الداعشية.. بين التكتيك السياسي والعقيدة الدينية

الإثنين 23/يوليو/2018 - 12:19 م
داعش
داعش
أحمد كامل البحيري
طباعة
علي مدار ما يقرب من خمس سنوات اعتبر تنظيم «داعش» التنظيم الأكبر والأكثر تأثيرًا علي مستوي العالم والمنطقة من حيث اتساع نطاق السيطرة الجغرافية وانتشار لفروع التنظيم من ناحية وقوة وعنف العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم في أغلب دول العالم وهو ما جعل من «داعش» بؤرة المواجهة العسكرية والأمنية من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية لدول إقليمية وغربية واهتمام الباحثين والأكاديميين بدراسة الأبعاد الفقهية والفكرية والتنظيمية للتنظيم من ناحية أخري. 

ولضعف البنية الفكرية والفقهية لدي «داعش»، مقارنة بتنظيم القاعدة وهو التنظيم الأم الذي خرج «داعش» من عباءته جعل من مفهوم الخلافة أحد أهم نقاط موضع البحث والدراسة لفهم بنية «داعش»، هذه النقطة تطرح العديد من التساؤلات حول نقاط الخلاف حول مفهوم الخلافة بين تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش»، وهل مفهوم الخلافة جزء أصيل ومتجذر من المنهج الفكري لدي «داعش» ؟ أو بمعني آخر هل استخدم «داعش» مفهوم الخلافة لأسباب تكتيكية لفرض سيطرته وانفصاله عن تنظيم القاعدة وإعلان «أبوبكر البغدادي» خليفة للتنظيم؟.

الإجابة عن تلك التساؤلات يمكن أن تحدد ملامح قدرة «داعش» علي الاستمرار خلال المرحلة القادمة، وتعطي بعض الإجابات حول الظهور السريع والانحسار الأسرع له خلال الفترة الجارية وخصوصًا منذ هزيمته في الموصل. 
الخلافة الداعشية..
أولًا بداية الخلاف بين داعش والقاعدة
مع نجاح ما عرف بالربيع العربي في الإطاحة ببعض أنظمة الحكم في تونس ومصر وامتدادها إلى ليبيا وسوريا واليمن بدأ تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» أو ما يطلق عليه تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق» بقيادة «أبوبكر البغدادي» اتخاذ قرار بتوسيع نشاط التنظيم ليشمل دول الربيع العربي وبشكل خاص سوريا، واستغلال حالة الحراك الشعبي السوري والانقسام الأمني بانشقاق بعض الضباط من الجيش السوري وسيطرة المواطنين على بعض مؤسسات الدولة بمحافظات حدودية.

هذا المشهد دفع «أبوبكر البغدادي» لإرسال العديد من المقاتلين إلى الساحة السورية بقيادة «أبومحمد الجولاني»، وإنشاء تنظيم تحت مسمي «النصرة» بسوريا، ومع تنفيذ تنظيم النصرة للعديد من العمليات الارهابية الكبري في سوريا وسيطرته علي العديد من المواقع بدأ الخلاف بين «أبوبكر البغدادي» و«أيمن الظوهري» زعيم تنظيم القاعدة، يظهر الي العلن نتيجة رغبة «الظوهري» في استقلال تنظيم «جبهة النصرة» عن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، وتركيز الأخير علي الوضع العراقي، ما دفع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق لإعلانه فك الارتباط التنظيمي عن تنظيم القاعدة وإعلان تنظيم مستقل يحمل «الدولة الإسلامية» ومبايعة «أبوبكر البغدادي» خليفة للتنظيم الجديد ومع هذا الإعلان أصبح مفهوم الخلافة جزءًا رئيسيًّا من الخلاف والصراع بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ما دفع منظري «القاعدة» للتشكيك في مفهوم الخلافة ومبايعة «أبوبكر البغدادي»، وهو ما يطرح التساؤل الأساسي للتحليل هل مفهوم الخلافة عند تنظيم «داعش» تكتيكي أم عقائدي؟.
الخلافة الداعشية..
ثانيًا: ضعف شروط الخلافة لدى «داعش»
هناك العديد من الشروط الحتمية التي جاءت في العديد من الأدبيات الفقهية لدي منظري التنظيمات والجماعات الجهادية المتطرفة، تتناقض مع إعلان «أبوبكر البغدادي» خليفة لتنظيم «داعش» والانفصال عن تنظيم «القاعدة» ومنها:
1-البيعة: فتعتبر البيعة أحد اشكال اختيار الحاكم وهي مرتبطة ببعض التفسيرات الدينية بالإسلام، وقد حدد فقهاء مسلمون شروط لازمة لتحقيق البيعة وهي:
أ‌- أن يتمتع الشخص بشروط الإمامة.
ب‌ -من يشرف علي البيعة ويقوم بها أهل الحلِّ والعقد من العلماء ووجهاء القبائل والعشائر، وسائر الناس.
ت‌- أن يُجيب المبايَع إلى البيعة ؛ حتى لو امتنع لم تنعقد إمامته ولم يُجْبَر عليها.
ث‌- الشهادة علي البيعة. 
ج‌- أن يتَّحِدَ المعقود له، بأن لا تُعقد البيعة لأكثر من واحد.

وبتحليل ما حدث مع إعلان تنظيم «داعش» وإعلان البغدادي خليفة للتنظيم نجد أن التنظيم لم يتمكن من ضمان البيعة من كامل أعضاء التنظيم، وقد ظهر ذلك في حدوث انشقاقات في العديد من فروع التنظيم، كما حدث بانفصال تنظيم جبهة النصرة، وجزء من تنظيم بيت المقدس في مصر، بانفصال تيار وجناح الإرهابي هشام عشماوي، ورفضه مبايعة «أبوبكر البغدادي»، وفك الارتباط بتنظيم القاعدة، بجانب استخدام تنظيم «داعش» أسلوب القوة الغاشمة والعنف المفرط في إجبار العشائر والقبائل علي إعلان البيعة للبغدادي، وهو ما يخل بمفهوم المبايعة المطلقة من أهل العقد والحل بجانب عدم توافر الشروط الخمسة الواجب اتباعها في إعلان البيعة.

2-القوة المفرطة في تطبيق الأحكام الإسلامية
استخدم «داعش» القوة الغاشمة والعنف المفرط في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية علي المواطنين سواء مسلمين أو غير مسلمين، كما حدث بفرض الجزية علي غير المسلمين وقتله للشيعة من المسلمين، وهو ما يتنافى مع مفهوم الخلافة لدي العديد من منظري وشيوخ التنظيمات والجماعات الجهادية المتطرفة.

3- فقدان شرط التمكين والسيطرة 
يعتبر شرط التمكين والسيطرة الجغرافية من قبل التنظيم شرطًا أساسيًّا في إقامة الخلافة، وهذا لم يتحقق بالنسبة لتنظيم «داعش» خلال السنوات الأربع الماضية منذ إعلان التنظيم لدولة الخلافة والبيعة، فعلى الرغم من إظهار التنظيم أن هناك العديد من الولايات التابعة لدولة الخلافة فإن الواقع يدلل على أن الأمر لا يتعدى عناصر تابعة للتنظيم تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية بدون أدني سيطرة على الأرض كما هو الوضع في سيناء. 

ومع انحسار الدور والفاعلية لتنظيم «داعش» بداية من منتصف عام 2017 نجد أن مفهوم السيطرة والتمكين كشرط لإقامة الخلافة أصبح غير متوفر لاستمرار اعلان تنظيم «داعش» لمبدأ الخلافة.

4-مراحل إعلان دولة الخلافة
وهناك بعض الشروط والإجراءات والمراحل التي اتفق عليها العديد من منظري الجماعات الجهادية المتطرفة لإقامة دولة الخلافة، ومنها ما جاء في الخطاب الموجه من قبل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، لأمير تنظيم القاعدة في العراق «أبومصعب الزرقاوي» في عام 2005، والذي حدد مراحل وخطوات إعلان دولة الخلافة علي النحو التالي: 
أ‌- طرد ومواجهة المحتل. 
ب‌- إقامة إمارة إسلامية. 
ت‌- التقرب من المواطنين بالحسنة وعدم استخدام العنف تجاه السكان والمواطنين. 
ث‌- الحرص علي وحدة الأمة.
ج‌- التنسيق مع رجال الدين وشيوخ القبائل والعشائر.
ح‌- رفض الهجوم المسلح على أماكن عبادة المذاهب المسلمة غير السنية مثل الشيعة.
خ‌- السيطرة علي دول الجوار العلمانية.
د‌- مواجهة إسرائيل. 

وعلي خلاف تلك الخطوات والمراحل السابقة قام تنظيم «داعش» بإعلان ثلاث مراحل للخلافة وهي مرحلة [شوكة النكاية والإنهاك]، ثم مرحلة [إدارة التوحش]، ثم مرحلة [شوكة التمكين -قيام الدولة]. 

وتعتمد تلك المراحل الثلاثة في جوهرها علي مواجهة وقتل غير المسلمين والمذاهب غير السنية، خصوصًا الشيعة واستخدام العنف المفرط تجاه المواطنين، ما يجعلها على تناقض مع أغلب تفسيرات منظري الجماعات الجهادية المتطرفة.
الخلافة الداعشية..
ثالثا: دوافع إعلان «داعش» الخلافة:
ثمة العديد من الدوافع لإعلان «داعش» للخلافة سواء كانت تنظيمية أو شخصية أو سياسية... الخ، ولكنَّ هناك دافعين رئيسيين.
1- الدافع التنظيمي: فقد لعبت العناصر القيادية في تنظيم «داعش» ذات الخلفية البعثية والعسكرية من نظام صدام حسين دورًا مهمًا في تحديد مسار حركة وتكتيكات تنظيم «داعش» خلال السنوات الخمس الماضية، فعلي سبيل المثال (تحديد مفهوم العدو) باعتبار العدو القريب المتمثل في غير المسلم من المواطنين وخصوصًا من المذاهب غير السنية ( الشيعة نموذج) أولى بالقتال من العدو البعيد لكون إيران العدو الأول لدي تلك القيادات. 

وساعد علي بلورة هذا المفهوم حالة الاحتقان السياسي والطائفي في العراق بعد الغزو الأمريكي، وهذا المفهوم ساعد على استقطاب أعداد كبيرة من المواطنين السنة في العراق وسوريا للانضمام لتنظيم «داعش»، ومع نجاح هذا التكتيك وجدت تلك العناصر القيادية ذات التاريخ البعثي والعسكري الفرصة في إعلان دولة الخلافة والانفصال عن تنظيم القاعدة.

2- الدافع السياسي: مع تنامي دور جبهة النصرة في سوريا وتحقيق العديد من النجاحات العسكرية والقتالية واجتذاب العديد من المقاتلين والمهاجرين للانضمام لتنظيم جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة، وتراجع سيطرة «أبوبكر البغدادي» وقيادات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، علي تنظيم جبهة النصرة بزعامة الجولاني، دفع هذا الأمر «أبوبكر البغدادي» وقيادات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق لإعلان قيام الخلافة والدولة الإسلامية لتحقيق مكاسب سياسية باستغلال حالة السيولة الأمنية في سوريا وباقي دول المنطقة.

في المجمل؛ يعتبر مفهوم الخلافة لدي تنظيم «داعش» وفي فكر زعيم التنظيم «أبوبكر البغدادي»، وباقي قيادات التنظيم اقرب للتكتيك السياسي من البعد الفقهي والعقائدي، ما يفسر حالة الانتشار والانحسار السريع خلال السنوات الأربع الماضية وهو ما سيؤثر بشكل مباشر علي تماسك فروع التنظيم في الإقليم خلال الفترة القادمة.
"