ad a b
ad ad ad

«دكتاتورية الملالي».. إيران تحكم الإنترنت بالحديد والنار

الثلاثاء 23/أكتوبر/2018 - 09:31 م
المرجع
مرﭬت زكريا
طباعة

أدى الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة تفاعل البشر وتواصلهم عالميًّا؛ ولذا نجد أن نظرية رأس المال الاجتماعي تحفز على الاستثمار في العلاقات الإنسانية، ما يؤدى لوجود عائد سياسي، اقتصادي واجتماعي كبير. 

وتلجأ بعض الدول إلى كبح استثمار هذه المميزات من خلال محاولة التضييق على الحريات السياسية، بخلق الأطر الشبكية التي تمنحها السيطرة على الفضاء الإلكتروني، متخذة من فكرة وجود العدو الخارجي ذريعة لتحقيق مآربها الداخلية.

وعليه، تستعد طهران قبيل فرض الحزمة الثانية من العقوبات بحلول نوفمبر لعام 2018، لتشغيل شبكة إنترنت محلية، إذا ما حرمتها العقوبات الأمريكية من الخدمة العالمية، لتعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين؛ جدير بالذكر أن هذه الخدمة ستمنع المواطنين من الوصول إلى المواقع الأجنبية، بما فيها الشبكات العملاقة مثل «جوجل» أو مواقع المنظمات العالمية، على أن تسمح فقط بالوصول إلى المواقع المحلية الإيرانية(1).

«دكتاتورية الملالي»..

أولًا: نبذة عن نظرية الإعلام السياسي  (Political Media)

أشار عدد من المحللين إلى التأثير الذي خلفته وسائل التواصل الاجتماعي خاصةً (فيسبوك وتويتر) على السياق السياسي داخل المجتمعات، ولاسيما فيما يتعلق بالمشاركة السياسية؛ وعادة ما يستخدم القادة وسائل التواصل الاجتماعي للتعبئة السياسية؛ فضلًا عن الرغبة في التعرف على ميول المواطنين وآرائهم، ومن هنا تساعد وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل ثلاثة أنواعٍ من التعبئة، ومنها؛-

1-    التعبئة المؤسساتية

يُبنى هذا النوع من التعبئة على العلاقة بين المنظمات الوسيطة (المؤسسات غير الحكومية) والمواطنين بهدف تعزيز التفاعل الاجتماعي.  

2-    الحركات الاحتجاجية

يهدف هذا النوع من التعبئة إلى تفعيل العمل الجماعي، وعلى الرغم من أنه أقل تنظيمًا، فإنه يتضمن هوية وهدف واضح،  ويتسم بممارسة ضغط انتاجي على البنية السياسية.

3-    المواطنة التفاعلية

يتحقق هذا النوع من التعبئة السياسية من خلال مشاركة الناس العاديين في اتخاذ القرارات المؤسسية، من خلال إتاحة الفرصة للجماهير للمشاركة في العملية السياسية، ما يجعلها مهيأة عند الحاجة إليها.

وتوصلت الدراسات إلى أن وسائل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية أصبحت لديها القدرة على تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الهياكل السياسة والجمهور، فضلًا عن أنها تعد منصة مهمة لتعزيز رأس المال الاجتماع.

ومن هنا يمكن للسياسيين استغلالها بغرض حشد المواطنين للمشاركة في العمليات السياسية، وبالتالي، أصبحت وسيلة سهلة، رخيصة وسريعة للتعبئة عند الاقتضاء(2).

«دكتاتورية الملالي»..

ثانياً: دور وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الاحتجاجات داخل إيران

كان الإعلام الرسمي هو الموجه الأساسي للرأي العام الإيراني منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران عام 1979؛ حيث استطاع عبر سنوات عزل الإيرانيين عما يجرى في العالم، بل عمل على تكوين رؤية مؤيدة لتوجهات السياسة الخارجية، وراضية عما يحدث في الداخل.

ولكن بعد عقد الاتفاق النووي، أصبح الإيرانيون أكثر استخدامًا لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث ارتفع عدد مستخدميه إلى 46 مليون شخص من أصل 80 مليونًا، ومعظمهم من الشباب، نتيجة تخفيف القيود والرقابة عليها، فضلًا عن الانفتاح الإيراني على الدول الغربية، وإقبال الشركات العالمية على الاستثمار فيها، بما يتضمن الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي ذاتها.

وباتت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مهمة لحشد الاحتجاجات في إيران، على الرغم من التضييق على استخدامها من قبل السلطات في طهران؛ حيث وصفت شبكة «دويتشه فيلة» الألمانية، وسائل التواصل الاجتماعي بالمنظم للاحتجاجات العمالية والفئوية في إيران المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصاديَّة والسياسيَّة.

ونتيجةً لما سبق حجبت الحكومة الإيرانية خدمات تطبيقية مثل «تيليجرام» بدعوى حماية الأمن القومي، وهو الأمر الذي اعتبره بعض المحللين بمثابة ذريعة لقمع التذمر الشعبي إزاء تصاعد المظاهرات(3).

في السياق ذاته، لجأت طهران لحجب عدد من مواقع التواصل الاجتماعي مثل «يوتيوب»، بسبب دوره في تأجيج الاحتجاجات التي قادتها الحركة الإصلاحية في عام 2009 ضد الرئيس السابق «محمود أحمدي نجاد»، فضلًا عن دورها الكبير في احتجاجات أواخر عام 2017 وتوابعها في عام 2018.

ومن هنا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الأداة الأكثر تأثيرًا في الرأي العام الإيرانى من خلال عرضها للحقائق التي أجبرت وسائل الإعلام التقليدية على اعتبارها المصدر الرئيسي للمعلومات(4).

«دكتاتورية الملالي»..

ثالثًا: خطة الحكومة الإيرانيَّة قبيل مرحلة فرض الحزمة الثانية من العقوبات

تنبهت إيران بعد احتجاجات عام 2009 إلى الدور المهم لوسائل التواصل الاجتماعي في تحريك المواطنين، ولذلك شرعت في إنشاء شبكة إنترنت محلية، بحجة تحسين مستوى الأمن الإلكتروني في البلاد.

وكانت السلطات تعتزم تطبيق النظام الإلكتروني المحلى بحلول مارس عام 2013، ولكن عدلت عن ذلك بعد ظهور بوادر لمفاوضات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، لاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي مع دول (4+1) في عام 2016.

ومع بدء مرحلة فرض الحزمة الثانية من العقوبات بحلول نوفمبر طُرحت الفكرة مرة أخرى، على خلفية إمكانية حرمان الإيرانيين من زيارة مواقع الإنترنت الخارجية، ولكن من أهم عيوب الشبكة الداخلية هو حرمان الإيرانيين من الوصول إلى الشبكة العالمية، وبالتالي، انعزالهم عن العالم الخارجي، وفي السياق ذاته، صرح أحد المسؤولين بأن تضرر المواطنين مرهون باعتمادهم على المواقع الخارجية من عدمه(5).

«دكتاتورية الملالي»..
رابعًا: تداعيات إنشاء الشبكة المحلية

ستكون هناك مجموعة من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على تدشين الشبكة المحلية؛ ومنها حجب مئات المواقع الغربية التي تخاطب المواطنين، لاسيما باللغة الفارسية، وتقويض مستقبل الحركات الاحتجاجية داخل البلاد، وعزل الإيرانيين عن العالم الخارجي، والتأثير على مستقبل الجامعات والبحث العلمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1-     عزل الإيرانيين عن العالم الخارجي

سيؤدى إنشاء الشبكة المحلية إلى حرمان إيران من الوصول إلى عديد من المواقع الأجنبية، بل سيقتصر الأمر على المواقع الحكومية، فضلًا عن خروج الشركات الأجنبية، ما يؤدي لتأثيرات سلبية على واقع المجتمع الإيراني.

فعلى الرغم من أن الأوروبيين هم الأكثر تأثيرًا  في الدبلوماسية متعددة الأطراف، خاصةً ما يتعلق بالصفقة النووية، وقادرين على التغيير الإيجابي من خلال الانخراط في الالتزام بالاتفاق، إلا أنهم يواجهون حسابات أكثر تعقيدًا، فضلًا عن أنهم من أكثر الدول تضررًا من سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لكن في النهاية لم تستطع الدول الأوروبية إقناع الشركات الأجنبية مثل «توتال الفرنسية» «هاني ويل انترناشونال»، «دوفر كوربوريشن»، «جنرال إلكتريك»  بالبقاء في إيران، وهو ما كان له تداعيات كبيرة على الإيرانيين؛ تمثلت في انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي، غلاء الأسعار وتصاعد الركود، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة (6).   

2-    التأثير على وضع الجامعات والبحث العلمي

ستؤثر الشبكة المحلية على وضع البحث العلمي للجامعات، فتحرم الباحثين، والطلاب، وأساتذة الجامعات من الوصول إلى قواعد البيانات العالمية، فضلًا عن  الاطلاع  على آخر ما توصل إليه العلم في الغرب.

جدير بالذكر، أن العقوبات في حد ذاتها سيكون لها تأثيرٌ سلبيٌ كبيرٌ على الطلبة الإيرانيين الدارسين في الدول الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تتلقى أكبر نسبة من الطلبة الإيرانيين على مستوى العالم.

في السياق ذاته، عانى كثير من الطلبة الإيرانيين، ولاسيما في فترة حكم الرئيس السابق «محمود أحمدي نجاد»، كثيرًا جراء فرض العقوبات؛ حيث انقطعت سبل اتصال تحويل الأموال بين الطلبة وذويهم في إيران، فضلًا عن تجميد حساباتهم المصرفية، وتلقى طلبات رفض من قبل الجامعات في الخارج(7).  

3-     تقويض مستقبل الحركات الاحتجاجية داخل إيران

أقر بعض المحللين أن الهدف الأساسي وراء إنشاء الشبكة المحلية في إيران، يتمثل في منع ظهور احتجاجات في المستقبل، خاصةً بعد فرض الحزمة الثانية من العقوبات حلول نوفمبر لعام 2018، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية أكثر مما هي عليه حاليًا.

وفي السياق ذاته، تعتبر طهران وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة أدوات الحرب النفسية عليها في المجالات السياسية، الثقافية، الأمنية والاقتصادية، وتضع ما تطلق عليه «تهديد وسائل التواصل الاجتماعي» على رأس أولوياتها، معتبرة أنه تهديد لأمنها القومي.

ونتيجة لذلك، حذر رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني «غلام رضا على بور»، من أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تحريض الشعب الإيراني على الحكومة بوسائل الإعلام، فضلًا عن الهاتف والإنترنت(8).

ختامًا: انطلاقًا من محددات النظرية العامة للإعلام السياسي، ولاسيما  الإعلام الإلكتروني، نجد أن طهران تحاول تجاوز كل المعايير الديمقراطية المتعارف عليها؛ فيما يتعلق بالحقوق والحريات فضلًا عن سلطات الحكومة فيما يتعلق بقدرة المواطنين على الوصول إلى خدمات الإنترنت العالمية.

وتتصور إيران أن هذه السياسات سوف تدوم أو تمكنها من استمرارية إحكام السيطرة على المواطنين، لكن في الحقيقة من الممكن أن تخدم مصالحها في الوقت الحالي أو على المدى القصير، أما في غضون بضعة سنوات سينقلب الأمر رأسًا على عقب، كما يحدث حاليًا؛ حيث يشير عدد من المحللين إلى أن تصاعد موجة الاحتجاجات الموجودة حاليًا، هي نتيجة سياسات قمعية تم فرضها من قبل الدولة على مدى سنوات طويلة مضت.

«دكتاتورية الملالي»..

الهوامش :

1.       طهران تفكر في بدائل لعقوبات قد تحرمها من الانترنت، 19/10/2018، الشرق الأوسط، متاح على الرابط التاليhttp://cutt.us/tQNVq .

2.      Kayode Ayankoya,  A Framework For The Use Of Social Media  For Political  Marketing: An Explanatory  Study, Conference Paper, 9th International Business Conference (IBC 2015), Victoria Falls, Zambia.

3.       هشام رشاد، التواصل الاجتماعي وسيلة الإيرانيين للحشد في مواجهة الملالى، 31/5/2018 ،العين الاخبارية، متاح على الرابط التالي https://al-ain.com/article/social-communication-iranians-mobilizethe-mullahs
4.       قحطان العبوش، مواقع التواصل تهدم قناعات الإيرانيين التي بناها الاعلام الرسمي، إرم نيوز، متاح على الرابط التاليhttps://www.eremnews.com/entertainment/society/625542 .  

5.       إيران تجهز شبكة إنترنت محلية وتحجب خدمة جوجل، 24/9/2018 ، اليوم السابع، متاح على الرابط التاليhttp://cutt.us/adfZD .

6.       إسراء أحمد فواز، اقتصاد إيران يتلقى صفعة قوية: فرار الشركات الاجنبية جحيم العقوبات، 3/6/2018 ، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/JJT6O

7.      Iranian complain of discrimination overseas: Sanctions blamed as bank accounts frozen, loans denied and students university applications rejected, 14/2/2018, The Guardian, available at https://www.theguardian.com/world/2013/feb/14/iranian-students-discrimination-overseas

8.       صالح حميد، بسبب العقوبات: إيران بدون انترنت والبديل شبكة محلية، 19/10/2018 ، العربية. نت، متاح على الرابط التاليhttp://cutt.us/Dszlp
"