ad a b
ad ad ad

الحرب الأمريكية على الإرهاب.. عوامل فشل وإذكاء للكراهية

الأحد 12/أغسطس/2018 - 09:55 ص
الحرب الأمريكية
الحرب الأمريكية
محمود رشدي
طباعة
أضحت الحرب على الإرهاب ذات أهمية دولية قصوى، منذ أحداث 11 سبتمبر 2011، التي أحدثت تطورًا نوعيًّا في ظاهرة الإرهاب، إذ أصبح لا يمثل تهديدًا محليًّا لدولة بعينها، بل بات يهدد السلم والأمن الدوليين. 

وانعكس الأمر على قمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية؛ التي ارتكزت على استخدام الأداة العسكرية كوسيلة ردع للتنظيمات الإرهابية، وطورت حينها مفهومًا جديدًا في مجال الدفاع عن النفس ألا وهو «الضربات الاستباقية»، إذ أن الدول لا تكتفي فقط برد العدوان الذي يضرب أراضيها، بل تسعى إلى الضربات الاستباقية- معتمدة على القوات الجوية- لتقويض العدوان المحتمل، وهزيمته في منابعه.

اتبعت الولايات المتحدة، سياسة الضربات الاستباقية في إطار حربها في أفغانستان عام 2001 بالتعاون مع قوات حلف الناتو، وذلك لتدمير تنظيم «القاعدة» الذي أعلن تورطه في هجوم 11 سبتمبر، ولم تقتصر الضربات الاستباقية على جماعات بعينها، بل استخدمت لتوجيه ضربات لدول اتهمت بدعم الإرهاب. 

ونظرًا لبنية النظام العالمي في بداية الألفية الثالثة والذي كان قائمًا على القطبية الواحدة بزعامة الولايات المتحدة؛ التي حاولت أن توسع من ضرباتها الاستباقية ضد الدول التى وصفتها بالديكتاتورية ومنها افغانستان، والعراق، سعت لتغيير النظام السياسي في العراق بقيادة صدام حسين. 
الحرب الأمريكية على
انعكاسات الأداة العسكرية للحرب على الإرهاب

ومن الممكن أن نطرح على سبيل المثال لا الحصر عددًا من البنود لتقييم الأداة العسكرية منذ انطلاقها عام 2001 إلى الآن؛ حيث قيام الحرب الدولية على تنظيم «داعش»، بقيادة التحالف الدولي، وإعلاء الدول الأوروبية من قيمة التعاون الأمني والاستخباراتي وفرض حالة الطوارئ بين دولها لحصار تنظيم «داعش».

ولذا من الممكن أن ننسب للأداة العسكرية في حربها على الإرهاب نجاحًا محدودًا، لكنها لم تحسم الأمر نهائيًّا، فقد كانت العمليات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» في أفغانستان محدودة النجاح، إذ ساعدت على تقويض كليهما في العاصمة كابول، ولكن لم تنجح الأداة في تدمير تنظيم «القاعدة» بطريقة جذرية، الذي وجد ملاذًا له في البلدان المجاورة مثل باكستان والشيشان.

فكرة صراع الحضارات

جلبت الحرب الأمريكية على الإرهاب فكرة صراع الحضارات ما بين الثقافتين الغربية والإسلامية، فقد تحولت الحرب الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من حرب على الإرهاب لحرب على الإسلام والمسلمين، من وجهة نظر شريحة كبيرة من المسلمين في الشرق الأوسط، واعتبرت الحرب حينها نوعًا جديدًا من الاستعمارية الأمريكية، الأمر الذي دعا عددًا كبيرًا من المسلمين في المنطقة لمساندة تنظيم «القاعدة»، باعتباره مدافعًا عن الإسلام ضد العدوان الغربي، وكانت هذه أولى تداعيات الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان.

ونتج عن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، أجيال أخرى للإرهاب والتطرف بطريقة غير مباشرة؛ وهو الذي تمخض عن فرع لتنظيم «القاعدة» في العراق أسسه أبومصعب الزرقاوي، إذ وفرت الحرب على العراق بيئة خصبة لـ«القاعدة» في التمدد خارج أفغانستان، لإفساح المجال لجيل جديد من «القاعدة» الذي امتلك مقومات جيوسياسية وأساليب قتل مروعة أشد تطرفًا من تنظيم القاعدة الأصلي والذي تحول لتنظيم آخر تحت مسمى تنظيم «داعش»، متخذًا العراق مركزًا للتمدد نحو سوريا، والإعلان عن خلافة مزعومة امتلكت ما يقرب من 250 ألف كم من العراق وسوريا.
الحرب الأمريكية على
اعتماد القيادة اللامركزية

أدت الحرب العسكرية على الإرهاب لتغيير شكل الهيكل الإداري للتنظيمات الإرهابية، فبعدما كانت التنظيمات الإرهابية يغلب عليها الطابع المركزي في القيادة والاعتماد كليًّا على أمير التنظيم في إصدار أية تعليمات بخصوص العمليات الإرهابية والتوجيهات المستقبلية، أي اعتماد النموذج الهرمي داخل التنظيم، وهو أسلوب سهل القضاء عليه من قبل السلطات الأمنية التي بقضائها على القيادة سينتهي حينها التنظيم، أو نجاحها في قطع الأداة الاتصالية ما بين القمة والقاع، فبذلك تنجح في تعطيل مفعول العمليات الإرهابية وإبطالها لأجل غير مسمى لحين إيجاد التنظيم أداة أخرى للتواصل مع القاع (تعطيل التنظيم وإبطاء عملياته).

وتحولت لتنظيم قيادى لامركزي يعطي الأفراد قنوات أكثر مرونة لتنظيم عمليات إرهابية تدعم المبادئ والتوجيهات العليا للقيادة، أي اعتماد سياسة لامركزية التنفيذ ومركزية التوجيه، وهو ما انتهجته القيادة في تنظيم «القاعدة» الذي جعلها تصمد أمام الحرب الغربية عليها، بل وسعت انتشار فروعها في عدد كبير من الدول وتنفيذ عدة عمليات في الدول الأوروبية نفسها، وهو الأسلوب الذي انتهجه تنظيم «داعش» بعد زيادة ضربات التحالف الدولي عليه، وتنفيذ عدد كبير من العمليات الإرهابية داخل أوروبا من خلال عمليات الذئاب المنفردة، التي تعتمد بشكل كبير على اللامركزية في الأداء وعشوائية التنفيذ.

اتساع رقعة العمليات الإرهابية

من خلال تقارير معهد السلام والاقتصاد العالمي بأستراليا والذي يرصد مؤشرات الإرهاب الدولي، فبنهاية 2017 خلصت التقارير إلى اتساع رقعة العمليات الإرهابية وبخاصة في المناطق التي تشهد صراعات أهلية مثل اليمن وأفغانستان وسوريا، وإثبات أن العنف لا يولد إلا العنف، ولكن تدور أولى الخطوات الجدية في القضاء على الإرهاب في الدوافع المغذية له.

ويمكن أن نخلص أن الأداة العسكرية الأمريكية في الحرب على الإرهاب لم تقض على الإرهاب منذ 17 سنة، بل العكس غذت الدوافع السياسية والطائفية لبروز تنظيمات أكثر عنفًا وتطرفًا من تنظيم «القاعدة» الذي حاربته في أفغانستان. 

كما أدت الحروب الاستباقية لتغذية مشاعر الكراهية ضد المجتمع الغربي من قبل المسلمين، بجانب أن تغيير الهيكل التنظيمي للتنظيمات الإرهابية لتوائم الحرب الغربية عليها، جعلها أخطر من ذي قبل وأكثر انتشارًا.
"