يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«القاعدة» في شمال أفريقيا.. تكتيكات مرحلية ومسارات مستقبلية

الأحد 24/يونيو/2018 - 08:02 م
المرجع
محمد الدابولي
طباعة
مازالت تتوالي الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، في دول شمال أفريقيا، التي عانت لعقود طويلة، من أثر انتشار هذه التنظيمات، ما دفع تلك الدول إلى تبني تكتيكات واستراتيجيات تهدف إلى تطهيرها منها، بعدما تعاظم وجودها في تلك المنطقة، خاصة في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، وما ترتب عليها من انهيار الأجهزة الأمنية الحاكمة في تلك الدول، فضلا عن الانهيار التام الذي أصاب الدولة الليبية على سبيل المثال، بعد سقوط نظام، معمر القذافي.

ينتشر تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، متخذًا من ليبيا نقطة الانطلاق الرئيسية له، فانهيار الدولة في 2011، ساهم بشكل كبير في تعاظم نفوذ التنظيم، الذي كان لقياداته دور كبير في إسقاط نظام «القذافي»، مثل القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة «عبدالحكيم بلحاج».

«القاعدة»، التي انطلقت من ليبيا، وزعت هجماتها على باقي شمال أفريقيا (دول الساحل والصحراء)، ففي عام 2012، نجحت الجماعات المرتبطة بالتنظيم في مالي (مثل جماعة «أنصار الدين» و«حركة التوحيد والجهاد»)، في السيطرة على الشمال وإعلان قيام دولة الأزواد، ما استدعى تدخلًا فرنسيا لوقف تنامي الجماعات المتطرفة في «تمبكتو» التي تقع شمال مالي.

على الجانب المصري، وفر التنظيم في ليبيا، الدعم اللوجيستي والملاذ الآمن، لــ«المرابطون»، أحد أبرز التنظيمات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة أيضًا، والذي أسسه هشام عشماوي، المرتبط بالعديد من العمليات الإرهابية، مثل محاولة اغتيال محمد إبراهيم، وزير الداخلية المصري الأسبق، وحادث الواحات الإرهابي، في أكتوبر 2017.

لمواجهة تنامي «القاعدة»، في شمال أفريقيا خاصة في ليبيا، المعقل الرئيسي للتنظيم، تشن الحكومة هناك العديد من العمليات العسكرية، لإخراج التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها «القاعدة» من المدن الليبية الرئيسية، ففي يوليو 2017، نجحت عملية الكرامة التي يشنها المشير خليفة حفتر، في تطهير مدينة بنغازي، من التنظيمات المرتبطة بالقاعدة مثل «أنصار الشريعة»، المتورط الرئيس في اقتحام القنصلية الأمريكية، هناك 2012، ومقتل السفير الأمريكي، واستثمارًا للنجاح الذي حققه الجيش في المدينة، تجرى حاليًا عملية تحرير مدينة «درنة» من الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

أولا: النشأة والانتشار
أعلن عن وجود «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خلال عام 2006، حينما بايعت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» (تنظيم إرهابي جزائري)، تنظيمَ القاعدة، وسرعان ما تنامي دور التنظيم في فترة ما بعد الربيع العربي.

استغل «القاعدة» الفراغ الأمني الكبير، الذي سببته أحداث الربيع العربي، في تحقيق التمدد والانتشار، ففي مصر وجه التنظيم ضربات متلاحقة في سيناء، مثل تفجير خطوط الغاز واستهداف قوات الأمن، وفي الجزائر احتجز العديد من الرهائن في منطقة «عين أمناس»، جنوب شرق الجزائر في يناير 2013.

وفي ليبيا كان الوضع مختلفًا، فالقاعدة استفاد بشكل كبير، من انهيار الدولة وعمل على مد سيطرته على العديد من المناطق، خاصة في شرق البلاد، مثل بنغازي وأجدابيا ودرنة، وشن الهجمات الإرهابية، التي كان أبرزها ما قام به تنظيم «أنصار الشريعة» الموالي للقاعدة، على القنصلية الأمريكية في بنغازي، وقتل السفير الأمريكي.

يعد «المرابطون»، من أبرز التنظيمات التابعة للقاعدة العاملة في مصر، وهو يختلف عن تنظيم «المرابطون»، الذي أسسه مختار بلمختار، عام 2013، بعد اندماج تنظيم «الملثمون» وحركة «التوحيد والجهاد» في شمال مالي.

ثانيا: عوامل القضاء على «القاعدة» في شمال إفريقيا
هناك عدة أسباب عوامل تجري وقائعها وأحداثها حاليًا على الأرض، يتوقع أن تؤدي في المستقبل القريب، إلى تفكيك أو ربما انهيار تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، منها:

 الضربات الليبية المتتالية:
أخذت الحكومة الليبية في طبرق على عاتقها، مهمة تحرير البلاد من الجماعات الإرهابية المتطرفة، خاصة تنظيم القاعدة، ففي مايو 2014 تشكلت عملية الكرامة العسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر، ونجحت في يوليو 2017 في تحرير بنغازي من تلك الجماعات، فضلًا عن إطلاق العديد من العمليات الأمنية، في الجنوب لتطهيره من «داعش».

يقوم الجيش الليبي حاليًا، بعملية تحرير «درنة»، آخر معاقل «القاعدة» في الشرق، وبنجاحه وجه ضربة قاصمة للتنظيم، قد تدفع إلى انحسار نفوذه لسنوات طويلة في منطقة شمال أفريقيا.

 المواجهات الأمنية المستمرة:
تلاحق الأجهزة الأمنية في دول شمال أفريقيا العناصر والتنظيمات الموالية للقاعدة، وتوجه لها ضربات نوعية لإضعافها، وجعلها غير قادرة على القيام بأي هجمات إرهابية على تلك الدول، فمصر على سبيل المثال، تشن حاليًا «العملية الشاملة»؛ لمواجهة التنظيمات الإرهابية سواء في سيناء أو الصحراء الغربية، أما في تونس فنجحت القوى الأمنية في قتل بلال القبي والبشير بن ناجي، في يناير الماضي، واللذان يعدان من أبرز القيادات في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

 التدخل الفرنسي: 
وضع التدخل الفرنسي في شمال مالي، عام 2012، حدًا أمام تنامي دور تنظيم القاعدة في دول الساحل والصحراء، الذي كان قد نجح من خلال تنظيمي أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد، في الاستقلال بالشمال، تحت مسمى دولة الأزواد، ما استدعى تدخلًا فرنسيًّا لوقف التنظيم وإضعاف قدراته، وتشكل فرنسا حاليًا عقبة أمام تمدد «القاعدة» في دول الساحل والصحراء، ما جعل مصالحها في أفريقيا معرضة باستمرار للعلميات الإرهابية، وهو ما حدث في هجمات بوركينافاسو 2016، 2018، حيث استهدفت السفارة الفرنسية في «واجادوجو». 

 تعزيز التعاون الإقليمي:
تحاول دول شمال أفريقيا، تعزيز عملية التنسيق الأمني والمخابراتي فيما بينها؛ لمواجهة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالقاعدة، فهناك تنسيق أمني بين مصر وليبيا، في مواجهة الإرهاب، خاصة في شرق ليبيا، كما أعلنت القاهرة في مايو 2018، عن نيتها استضافة المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب التابع لمنظمة (الساحل والصحراء)، ودعمه بمبلغ 100 مليون جنيه.

ثالثا: تكتيكات «القاعدة» للهروب من الضغط الليبي
تتبع التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة العديد من التكتيكات؛ لمحاولة الحيلولة دون تحقيق الجيش الليبي انتصارًا عليها، وتحرير «درنة»، أبرزها:

 إخفاء الهوية: 
يتبع تنظيم القاعدة حاليًا، أسلوب إخفاء الهوية وتغيير مسمياته لتفادي الضغط العسكري عليه، فعلى غرار التجربة السورية، حيث أعلنت «جبهة النصرة» حل نفسها وتغيير مسماها إلى «فتح الشام»، وتحالفت مع بعض الجماعات الأخرى، لجأ تنظيم «أنصار الشريعة» الموالي للقاعدة في ليبيا، إلى الاندماج في جماعات أخرى وتغيير مسماها إلى «مجلس شورى مجاهدي درنة» و«قوة حماية درنة» في محاولة إلي إبعاد شبهة التكفير والإرهاب.

 إطالة فترة الحرب: 
تعمل الجماعات التكفيرية التابعة للقاعدة، على إطالة أمد الحرب الدائرة في شرق ليبيا، رغبة منها في زيادة المعاناة الإنسانية، وبالتالي توالي الطلبات لضرورة وقف الحرب.

 ادعاء الحرب على الإرهاب: 
تحاول الجماعات المرتبطة بالقاعدة في ليبيا، إعادة تسويق ذاتها باعتبارها طرفًا في محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة، من خلال إزاحة التنظيمات المتطرفة الأخرى المختلفة معها، فعلى سبيل المثال نجحت الجماعات في طرد تنظيم داعش، من مدينة درنة، ودفعه إلى الصحراء الليبية.

رابعًا. مسارات مستقبلية للقاعدة في شمال أفريقيا
الحرب الدائرة حاليًا في شرق ليبيا، وكذلك المجهودات الفرنسية والمصرية في مواجهة «القاعدة»، سواء في مصر أو في مالي، ترسم مسارات خاصة للتنظيم، من المحتمل أن يتبعها خلال الفترة القادمة، أملا في تجاوز الضغوطات الأمنية والعسكرية، التي يواجهها خلال هذه المرحلة ومنها على سبيل المثال:

 الكُمون المؤقت: 
ستلجأ التنظيمات المرتبطة بالقاعدة في شمال أفريقيا إلى تفضيل الكمون العملياتي، خلال المستقبل القريب؛ لتخفيف الضغوطات العسكرية الإقليمية والدولية، وإيهام دول المنطقة بانتهاء الخطر القاعدي، وترك مساحة من الوقت لإعادة ترتيب صفوفها.

 الاندماج التنظيمي: 
للقاعدة فروع كثيرة في شمال أفريقيا؛ لذا قد تلجأ تحت وطأة الضربات الأمنية والعسكرية المتلاحقة، إلى إعادة تنظيم صفوفها عبر دمج عدد من الجماعات الإرهابية، مثلما حدث مع تنظيم «المرابطون» الذي أسسه «مختار بلمختار» عندما دمج «كتيبة الملثمين» مع «حركة التوحيد والجهاد».

 فتح جبهات جديدة: 
يعد من أكثر المسارات تطرفًا، وهو المتحقق على أرض الواقع بالفعل، فنتيجة الضربات المتلاحقة التي يواجهها التنظيم في شمال أفريقيا، يحاول الضغط على المجتمع الدولي والإقليمي، بمد عملياتها العسكرية والإرهابية إلى الأقاليم الجغرافية المجاورة، فبعد خسارته إقليم غرب أفريقيا عام 2014، بانضمام تنظيم «بوكو حرام» إلى «داعش»، لجأ تنظيم «القاعدة» انطلاقًا من قواعده في شمال أفريقيا، إلى شن هجمات قوية في دول غرب أفريقيا مثل بوكينافاسو (تعرضت بوركينا فاسو لهجمات متتالية في عامي 2016، 2018) وكوت ديفوار عام 2016.

 البحث عن ملاذات آمنة جديدة:
يدفع التنظيم حاليًا، إلى البحث عن ملاذات آمنة له؛ للهروب من الضغوطات العسكرية والأمنية التي يواجهها، وتنحصر الملاذات الأمنية في الجنوب الليبي الذي بات يشكل بوتقة كبرى للجماعات الإرهابية؛ خاصة «داعش»، الذي استوطن الجنوب الليبي، بعد خسارته لمعاقله في سوريا والعراق وسرت ودرنة.

وقد يصبح الغرب الأفريقي ملاذًا جديدًا، لتنظيمات القاعدة المتطرفة، التي تحاول منذ عامين إثبات وجودها، في هذه المنطقة، خاصة دولتي ساحل العاج وبوركينافاسو.
"