ad a b
ad ad ad

جهود المصالحة في جنوب السودان تثمر عن «تهدئة حذرة»

السبت 21/يوليو/2018 - 11:00 م
إعلان الخرطوم
إعلان الخرطوم
آية عبدالعزيز
طباعة
تشهد دولة جنوب السودان حالة من التهدئة الحذرة عقب إعلان اتفاق السلام، الذي تم بين الحكومة الوطنية والمعارضة، بعد سنوات من الاضطراب الداخلي الذي شهدته تلك الدولة، منذ انفصالها بشكل رسمي في 2011، علاوة على ما واجهته من حراك سياسي مضطرب، في ديسمبر 2013، عندما اتّهم الرئيس «سلفا كير» نائبه «رياك مشار» بالتخطيط للانقلاب عليه نتيجة إعلانه الرغبة في الترشح؛ وعليه فقد تنامت النزاعات والصراعات الداخلية التي أودت بحياة الآلاف من شعب جوبا، وتشريد ما يقرب من 4 ملايين. 

لذا يمثل اتفاق بين الرئيس «كير» مع زعيم المعارضة «مشار»، يوم 27 يونيو 2018، على وقف إطلاق النار، فرصة ثانية لعودة الاستقرار لجوبا، وتمهيدًا للتوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين، لإنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد منذ 2011، حيث سيتم بموجب هذا الاتفاق إعادة النظر في الترتيبات الأمنية داخل الدولة لبناء قوات وطنية من الجيش والشرطة بعيدًا عن النزعات الإثنية أو القبلية، فضلًا عن تشكيل حكومة انتقالية خلال 4 أشهر، تحكم البلاد لمدة 3 سنوات، وخلال تلك الفترة -التي تمثل مرحلة انتقالية- سيتم الاستعداد لإجراء انتخابات عامة تشارك فيها جميع القوى السياسية الداخلية دون استثناء.

كما وقع الجانبان على ما يعرف باسم «إعلان الخرطوم» -في العاصمة السودانية «الخرطوم»، بحضور الرئيس السوداني عمر البشير- القاضي بترتيب وقف إطلاق النار، علاوة على فصل القوات القريبة من بعضها، وسحب جميع القوات الأجنبية الموالية للقوى المتصارعة، وفك الاشتباك، مع فتح ممرات إنسانية للتعامل مع الحالات الطارئة، والإفراج عن أسرى الحرب والمعتقلين السياسيين، كما سيسمح الاتفاق بنشر عناصر من الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد) لمراقبة وقف إطلاق النار(1).

سلفا كير
سلفا كير
◄ المشهد الداخلي:
يعد «إعلان الخرطوم» بادرة أمل لتهدئة الأوضاع الداخلية في دولة جنوب السودان، التي عانت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار منذ انفصالها عن دولة السودان، نتيجة تنامي الولاءات الفرعية على حساب الولاء للدولة الوطنية، ما أدى إلى انتشار العنف والإرهاب، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على الداخل على النحو التالي:

1- انتهاك حقوق الإنسان:
قامت القوات المتحاربة بانتهاكات في مجال الحقوق والحريات بما يتجاوز قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، تجسدت في استهداف المدنيين على أساس عنصري أو وفقًا للولاءات السياسية، إضافة إلى انتشار عمليات النهب والتدمير للمؤسسات العامة. 

2-الحرب بالوكالة: 
سعت الأطراف الداخلية، مستعينةً ببعض القوى العسكرية غير الرسمية، للمشاركة في الصراع الدائر، وتمثل ذلك في مساعدة ميليشيات «دينكا بادانغ» للقوات الحكومية لشن هجمات متتالية على الأراضي التي تحتلها قوات «الشيلك» المعارضة في الضفة الغربية للنيل الأبيض، فضلًا عن مهاجمة بعض المدن والقرى، كما أدى القتال في المنطقة الاستوائية إلى مقتل العشرات من المدنيين. 

3- انهيار الأمن الإنساني:
ساهمت بيئة الحرب في تقويض العاملين في المجال الإنساني، وتقليص حركتهم في التصدي لسد احتياجات الشعب من الغذاء والأدوية وإيواء بعض حالات الطوارئ، ما أدى إلى انتشار المجاعات في بعض المناطق، إضافة إلى معاناة ما يقرب من 4.8 مليون شخص، أي نصف عدد السكان تقريبًا، من سوء الأوضاع الإنسانية والاجتماعية، إلى جانب الإجراءات التعسفية التي فرضتها الحكومة على الأقاليم الاستوائية للسيطرة على الأهالي.

4- تنامي أعداد النازحين:
مع تزايد حدة العنف والنزاع بين الأطراف الداخلية، في ديسمبر  2013، نزح أكثر من 3.9 مليون شخص، منهم 1.9 مليون نازح داخلي، فضلًا عن لجوء أكثر من 200 ألف شخص للعيش في مراكز خاصة بالأمم المتحدة تحت حماية أفراد حفظ السلام التابعين للبعثة. فيما نزح -خلال عام 2017- أكثر من 640 ألف شخص خارج أراضي جنوب السودان، وعليه فقد بلغ عدد اللاجئين من جنوب السودان أكثر من 2 مليون لاجئ(2). 

◄ تفاهمات هشة:
لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار جديدًا على الفرقاء السودانيين، لكنه جاء في سياق الجهود المبذولة لتسوية الأوضاع الداخلية، فقد سبقه اتفاق السلام، في 2015، بين الرئيس «كير» ونائبه «مشار» لمنح منصب نائب الرئيس لزعيم المعارضة المسلحة، وتشكيل لجنة للمصالحة ومحكمة لجرائم الحرب، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقى، تمهيدًا لإجراء الانتخابات العامة في عام 2018. وفي المقابل، مغادرة جميع القوات الأجنبية المشاركة فى الحرب، وإخلاء جوبا من قوات العناصر المتصارعة، وإعادة النظر في عملية التسوية السياسية بشكل سلمي بما يضمن التقاسم العادل للسلطة بين الحكومة والمعارضة. كما تتطرق الاتفاق إلى وضع آلية مراقبة لمتابعة وتقييم مسارات التنفيذ.

ورغم الاتفاق؛ لم تستقر الأوضاع، حيث تجددت الاشتباكات بين الجانبين، نتيجة عدم توافر الثقة بينهما، الأمر الذي يتضح من استمرار بقاء «جيشين، وجهازي شرطة، وجهازين أمنيين» فى دولة واحدة، أحدهما تابع للقوات الحكومية والآخر للمعارضة، مع تزايد انتشار السلاح والنزاعات القبلية، الأمر الذي شكل هيكلًا جديدًا للدولة الناشئة بعيدًا عن محددات الاستقرار السياسي والتعايش السلمي لشعبها. 

بجانب انشقاق بعض القيادات العسكرية والمدنية من «الجيش الشعبى»، مثل الجنرال «بول ملونق» (رئيس الأركان السابق) وإعلانه تشكيل «السودان المتحدة» باعتبارها جبهة سياسية وعسكرية جديدة، فيما أسس الجنرال توماس سريلو (نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق) جبهة «الخلاص»، فى مارس 2017، ليكون جزءًا من النزاع الدائر وليس طرفًا في حله(3). 
آبي أحمد
آبي أحمد
◄إثيوبيا وتفعيل جهود السلام
لعبت إثيوبيا دورًا حاسمًا في إدارة الصراع بين الفرقاء السودانيين بكفاءة وفعالية، بقيادة رئيس الوزراء الجديد «آبي أحمد»، رئيس الهيئة الحكومية للتنمية «إيجاد»، الذي يحاول إعادة الاستقرار في منطقة شرق أفريقيا «القرن الأفريقي» عن طريق تبني جهود الوساطة الإقليمية في الصراعات الدائرة، والتي تمثلت بشكل كبير في التقارب مع إريتريا، ودول المصب –(السودان، مصر)-، إضافة إلى الوساطة بين جوبا والخرطوم.

واستطاع «آبي أحمد» لم شمل الأطراف المتصارعة في العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» لأول مرة منذ عامين، في 20 يونيو حزيران 2018، لإعادة الاستقرار لدولة جنوب السودان، وإنهاء الحرب الدائرة تمهيدًا لبحث سبل التسوية السياسية السلمية. ورغم تعثر المحادثات بسبب رغبة «كير» في تهميش «مشار»، رافضًا وجوده في الحكومة الوطنية، إبان اجتماع «أديس أبابا»، فإنه وافق على عقد لقاء جديد في الخرطوم للتوصل إلى تسوية سلمية بينهما، وفقًا لطلب رؤساء الدول الأعضاء في «إيجاد». 

يذكر أن «الخرطوم» قد أعلنت عن مبادرة للسلام لحل الأزمة السياسية في جوبا برعاية الرئيس السوداني، في 5 يونيو 2018(4). 

وختامًا؛ تشهد «جوبا» تحولًا نوعيًا جديدًا في سياق محادثات السلام، التي تدار بوساطة القوى الإقليمية، ولكن لابد من التعامل معها بتفاؤل حذر فمازالت هناك مخاوف من عدم اكتمال اتفاق السلام، على غرار اتفاق 2015، نتيجة عدم توافق القوى الداخلية تجاه إدارة الملفات الوطنية، مما قد يؤدي إلى عودة النزعات القبلية كمتحكم في سياق العملية السياسية. 

المراجع:
1) «اتفاق على وقف النار في جنوب السودان»، الشرق الأوسط، العدد 14457، 2862018. الرابط
2) «جنوب السودان 20172018»، منظمة العفو الدولية. الرابط 
3) صلاح خليل، «جنوب السودان.. أزمة متصاعدة وعنف ينذر بحرب أهلية»، التحرير، 1942018. الرابط
4) «تعثر في مفاوضات طرفي صراع جنوب السودان في إثيوبيا… والسودان يعرض الوساطة»، القدس العربي، 23 يونيو 2018. الرابط
"