ad a b
ad ad ad

التهميش والانعزالية.. أبرز دوافع الراديكالية الأوروبية

السبت 14/يوليو/2018 - 01:12 م
الأقليات المسلمة
الأقليات المسلمة
محمود رشدي
طباعة
بالرغم من القضاء عسكريًا على تنظيم داعش في سوريا والعراق الذي يعد الأخطر في تاريخ التنظيمات الراديكالية، وانخفاض وتيرة العمليات المتطرفة في العواصم الأوروبية، فإن الأداة العسكرية ما زالت غير كافية للقضاء على التطرف، وسيظل الإرهاب (كنوع من الأمراض الاجتماعية) يحتاج إلى إعادة تصحيح للأوضاع الاجتماعية التي تمر بها الدول الأوروبية، ومراجعة السياسات الحكومية تجاه الأقليات الدينية. 

ويصبح أمام القارة العجوز تحديان كلاهما أكثر تعقيدًا من الآخر، وهما: العائدون أو المقاتلون الأجانب؛ فأوروبا في الوقت الراهن تتوجس خيفة من خطر العائدين من داعش، إذ أصبح هؤلاء على دراية كاملة بفنون القتال وتنفيذ العمليات الإرهابية جراء التدريبات التي تمرسوا عليها في سوريا والعراق. 

أما التحدي الثاني، فيكمن في الأقليات المسلمة الموجودة بأوروبا؛ والتي توجه عدد منها إلى الانعزالية والانطوائية جراء عدد من السياسات الأوروبية الخاطئة، ومنها: سياسات التصعيد ضد المسلمين والإسلام، وبخاصة عقب تصاعد اليمين المتطرف، وسياسات أخرى اجتماعية مثل التنشئة الدينية الخاطئة، والصدمة الثقافية للمهاجرين المسلمين، ويذهب السبب الرابع إلى إقحام الشباب أنفسهم في التنظيمات المتطرفة كنوع من التجربة الجديدة. 

ولأن التطرف نوع من الأمراض الاجتماعية والنفسية، إذ لابد من توافر استراتيجية كاملة لا ترتكز فقط على الأداة العسكرية، بل تسعى لمعالجة الأوضاع الاجتماعية، وتستند لسياسة كفء لإدماج الأقليات المسلمة، وضرورة انتهاج سياسة فعالة لمعاقبة كل من المتطرفين سواء كان من المسلمين أو غيرهم ممن يسعون لإعادة النازية ولكن ضد المسلمين تلك المرة. 

ولذا سنعرض عددًا من الأسباب التي تدفع الشباب المسلم للتطرف ودعم التيار الراديكالي، ومنها انعدام الثقة بالدولة، ومنهجية التعليم الديني، والصدمة الثقافية للأفراد، ودور العالم الافتراضي (الانترنت) في خلق مشاعر واضطرابات نفسية. 

(1) انعدام الثقة بالدولة 
تنعدم ثقة الفرد المسلم صاحب الجنسية الأوربية في دولته؛ التي قد لا توفر له مشاركة ذات مغزى في الحياة العامة، وقد تقلل من احترام حقوقه، أو تغض الطرف عن سلوك المتطرفين تجاههم، خاصة أن هؤلاء تتم إهانتهم واضطهادهم على مرأى من السلطة، كل هذه الأمور تُشعر المسلم الأوروبي بـ«فقدان شرعية الدولة»، وأشارت العديد من الدراسات البحثية في هذا المجال إلى أن شعور عدد كبير من المتطرفين بالسخط والرغبة في الانتقام من السلطة في دولته، يرجع إلى سياسة هذه السلطة الممنهجة تجاه هذا المتطرف. 


وتعتبر السياسات الأوروبية من العوامل الأساسية التي تُنشئ حالة من انعدام الثقة لدى المواطن المسلم، فبعض الحكومات الأوروبية وعلى رأسها فرنسا تنتهج عددًا من السياسات تدفع الشباب إلى الانعزال عن المجتمع تمامًا، وأهم هذه السياسات: 


(أ) التعامل مع بعض المواطنين باعتبارهم من الدرجة الثانية، وتتمثل أبرزها في القانون الفرنسي وغيرها من دول أوروبا في منع النقاب في الأماكن العامة. 


(ب) تكرار الحديث عن كون الإسلام هو دين الإرهاب والتطرف، مما يدفع معتنقيه سواء كانوا من أصول أجنبية أو أوروبية للبحث عن مجتمع موازٍ ومعادٍ في الوقت نفسه لموطنه الأصلي؛ فالفرد المنعزل اجتماعيًا قد يكون أوروبيًّا بالأساس ولكنه لا يعتبره موطنه، ويبدأ في رحلة البحث عن موطن بديل. 

وقد تدفع صعوبة الحصول على الجنسية الأوروبية الفرد للتطرف ضد الدولة، إذ أن ملاحظة الفرد للتمايز ضده من الحكومات الأوروبية ومقارنته بينه وبين من يحملون الجنسية، الأمر الذى يخلق لدى الفرد الوافد نزعة من القلق النفسي والشعور بالإقصاء والتهميش. 


وتجدر الإشارة هنا لأهمية قوة الدولة ومدى استقرارها باعتبارها وثيقة الصلة بمدى انتشار التطرف من عدمه؛ إذ كلما ضعف استقرار الدولة زادت العمليات الإرهابية بها. 


(2) التعليم الديني 
يختلف الموالون للتنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد عنها في القارة العجوز؛ إذ ينخرط الأفراد من المنطقة العربية نتيجة المغالاة في الدين، وتحميل الدين أعباء كارثية من التراث الإسلامي متمثلة في كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ورشيد رضا، على اعتبار أن أفكار الجهاد الموجودة بكتبهم هي جزء من أصل الدين، ولذا ينضم الكثير من المتعاطفين ظنًا منه بأنه لا كمال لدين الفرد إلا بالجهاد. 

أما المجتمعات الأوروبية فهي تحاول منذ العصور الوسطى أن يكون الدين جزءًا هامشيًا من حياة الفرد، فتحول جزء من الشباب إلى التطرف والوقوع ضحية للتنظيمات المتطرفة التي أتقنت استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (أكثر أماكن وجود الشباب) كنوع من التجربة الجديدة، وقد حدث ذلك نتيجة فقدان الفرد عددًا من المبادئ الراسخة في حياته والتي يمثل الدين بها الجزء الأكبر. 


(3) الصدمة الثقافية للمهاجرين المسلمين 
يتحول عدد كبير من المهاجرين المسلمين للانعزال نتيجة لما يسمى بالصدمة الثقافية "cultural shock" ويميل بعض أفراد الجاليات إلى الانعزال بضواحي المدن الأوروبية، ويصير هولاء الأفراد أكثر عرضة للاندماج داخل تنظيمات متطرفة، وتخلق لهم بيئة مزيفة من المبادئ التي افتقدوها داخل المجتمع الجديد. 

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أقرت بمرارة قبل فترة بفشل مشروع اندماج المهاجرين في بلدها، وهو ما كرره رئيس الحكومة البريطانية السابق ديفيد كاميرون حين تحدث عن فشل السياسة البريطانية التي تشجع التعددية الثقافية، واعتبارها المسؤولة عن تصاعد التطرف الإسلامي. 


ووفق استطلاع أجراه باحث في مجال الإرهاب والطب النفسي يدعى «مارك سيجمان»، وانتهى إلى نحو 85% من العينة (أناس مرتبطون بالانضمام لتنظيمات متطرفة) تحول للتطرف في البلدان الأوروبية وليست في بلدانهم الأصلية. 


(4) الوجه الآخر للثورة الإلكترونية 
لمواقع التواصل الاجتماعي كافة، ومحركات البحث وعلى رأسها «جوجل» قد يكون سببًا من أسباب التطرف، إذ يعتمد الكثير من الشباب المسلم في البحث بها عن المسائل الدينية الخاصة بهم، والتي يكون معظمها صادرًا من مراكز تدعم الإرهاب والتطرف الديني، في حين لا يلجأ الفرد لأئمة المساجد المعتدلين أو بعض المراكز المعترف بها بالوسطية والاعتدال بأوروبا. 


وقد تدفع وسائل التواصل الاجتماعي بعض الشباب في سن المراهقة، إلى الانعزال وتكوين عالم آخر يكونه لنفسه، ويختبئ فيه خلف الشاشات الالكترونية بالساعات والأيام، ليخلق عالمًا افتراضيًا يعزله عن مجتمعه الحقيقي وأسرته، وهنا يسهل على التنظيمات الإرهابية استقطاب مثل هؤلاء للانضمام إليهم كنوع من المغامرة التي طالما يطمح لها في عالمه الافتراضي. 


وختامًا؛ ينبغى أن تسعى الحكومات الأوروبية لمحاربة التطرف من خلال التركيز على الجوانب الاجتماعية ومعالجة أوضاع الوافدين المسلمين، وخلق نوع من المساواة الفعلية بين الأجناس جميعًا، بجانب الإستعانة بالقيادات الإسلامية ورجال الدين من الوسطية والتيار الصوفي لإنشاء مجموعة من المبادئ الراسخة لدى الفرد ضد التطرف. 


وكذلك ضرورة العمل على أن تكون القيادات الدينية عامة والإسلامية بوجه خاص على دراية كاملة بالتحولات الفكرية والاجتماعية، وضرورة أن يكون الدين في وضع ليتكيف على الأوضاع المعيشية الحالية، وضرورة البعد عن فكرة أن الدين ينتهي منذ 1400 سنة، فالدين هو ملائم لكل زمان ومكان؛ فانخراط كثير من الشباب واللجوء إلى الانعزالية منبعه فقر رجال الدين في المعلومات وأسلوب المعيشة الحالي، وبالتالي تكون أجوبتهم عن الأسئلة الدينية لفئة الشباب ناقصة وغير مقنعة.
"