ظاهرة متكررة وخطيرة.. دلالات رفع راية «داعش» في مظاهرات دير الزور

لا تزال بؤر تنظيم داعش الإرهابي تعربد في الشمال السوري، تظهر وتختفي بين الحين والحين؛ خاصة في تلك المناطق الخاضعة لهيمنة قوات سوريا الديمقراطية التي ما زالت المعارك قائمة بين الطرفين، ورغم تراجع عنف التنظيم إلى حد بعيد بعد مقتل المؤسس والخليفة الأول «أبو بكر البغدادي» وضعف القيادات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فإن عملياته لا تزال قائمة في صور مختلفة، وبدأ جيل جديد من التنظيم يظهر في ثوب مختلف ليعلن عن وجوده خلال الاحتجاجات الشعبية ضد قوات سوريا الديمقراطية وكان آخر ظهور لهذا الشكل خلال المسيرة التي أطلقها أهالي دير الزور احتجاجًا على إحراق المصحف الشريف في السويد، والتي رفع فيها مجهولون راية داعش السوداء الأمر الذي يثير التساؤلات حول دلالات هذه الحالة.
حضور مستمر
منذ مطلع العام الجاري نفذ تنظيم داعش الإرهابي أكثر من 30 عملية في
دير الزور وحدها، ورغم أن تأثير تلك العمليات كان محدودًا عن مثيلاتها في الأعوام
السابقة نظرًا للتضييق الشديد الذي يعاني منه التنظيم في سوريا والعراق سواء من
قوات التحالف أو القوات النظامية والفصائل المحلية.
وقد لجأ التنظيم أكثر من مرة خلال الفترة
الماضية لحيلة جديدة يعلن فيها عن وجوده على الأرض وأنه لا يزال بمقدوره تجنيد من
يشاء من أبناء المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد.
فقد شهدت قرية العزبة في ريف دير الزور شرقي
سوريا الخميس 6 يوليو 2023م واقعة ليست الأولى من نوعها عندما رفع مجهولون الراية
السوداء التي يعتمدها التنظيم خلال إحدى المسيرات الشعبية التي تندد بحرق المصحف
الشريف في السويد يوم عيد الأضحى في العاصمة ستوكهولم.
وأكدت تقارير محلية أن تلك الواقعة تكررت في
الشهور الأخيرة أكثر من مرة، فقد سبقتها واقعة شبيهة قبلها بأيام قليلة في منطقة
البصيرة ووقائع أخرى العام الماضي أيضًا.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الواقعة
دفعت قوات سوريا الديمقراطية لإطلاق حملة أمنية واسعة بهدف البحث عن المتظاهرين
الذين رفعوا راية داعش خلال المسيرة، وكان بعضهم يحمل أسلحة خفيفة ويستقلون سيارات
بعضها دفع رباعي، وهو ما أثار حالة من الخوف لدى المواطنين من تضييق الخناق عليهم
بحجة البحث عن عناصر التنظيم في القرى والبلدات الصغيرة، من جهة، ومن جهة أخرى
الخوف من ظهور موجة جديدة أكثر عنفًا من عناصر التنظيم الإرهابي الذين يعملون
حاليًا في الخفاء ولا يعرف أحد هويتهم أو أماكن وجودهم.
وتشير التقارير المحلية أن قوات سوريا
الديمقراطية (قسد) لم تصل حتى الآن إلى هوية هؤلاء المجهولين الذين ظهروا خلال
المسيرة.
دلالات ومؤشرات
منذ إعلان سقوط تنظيم داعش في الباغوز في
مارس 2019م، لم يعد للتنظيم أي مناطق نفوذ في المنطقة إذ أعلنت قوات التحالف
الدولي وقتها سقوط خلافة داعش نهائيًّا، ورغم ذلك فقد كان من المتوقع أن يتحول هذا الحدث
إلى بداية مرحلة جديدة لدى التنظيم يلجأ فيها إلى بدائل لتعويض تلك الخسائر
المكانية وهما:
البديل الأول: التخلي عن مركزية القيادة،
واستثمار تشظي التنظيم في المناطق المختلفة من العالم، والتي تمكن التنظيم من
تكوين ولايات أو كيانات تابعة له أيديولوجيًّا فيها.
البديل الثاني: الاعتماد على الخلايا السرية
غير المعروف توجهها والتي تظهر في صورة مفاجئة وغير متوقعة لتنفيذ ما تريد من
عمليات.
وفي هذا البديل الأخير يستخدم فيه التظيم
إستراتيجية قديمة تعتمد على التجنيد عن طريق الدعوة الفردية السرية، والتي تتمحور
حول التأثير التدريجي والمباشر مع من لديهم ميول لحمل أفكار التنظيم دون أن يكونوا
من أصحاب البيعة.
وتاريخ تنظيم داعش الإرهابي يؤكد قدراته على
تلك العملية بسهولة ويسر عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية،
وهو ما مكنه في السابق من اختراق المجتمعات الأوروبية نفسها ونجح بسببها في تجنيد
مئات العناصر الأوروبية وغير الأوروبية للانضمام إلى صفوفه وإعلان البيعة لزعيم
التنظيم في وقت قصير للغاية.
وبالتالي فلا يمكن اعتبار ظهور راية تنظيم
داعش أكثر من مرة في الفعاليات العامة بالمناطق التي فقد فيها نفوذه المكاني
ويتعرض فيها للتضييق الأمني، أمرًا عارضًا أو ليس له تداعيات أخرى، فليس من المستبعد
وفقًا لخبرات التنظيم أن يكون ذلك الحدث عبارة عن قمة جبل الثلج التي تخفي أسفلها
أكثر مما تظهر.