أسلاك شائكة.. هل تنهي المباحثات أزمة الحدود الباكستانية الأفغانية؟

من أكبر المشكلات التي تواجه باكستان منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021م، أزمة الحدود التي اختفت منها الرقابة الدولية وأتاحت لحركة طالبان الأفغانية التحرك بصورة أكثر أريحية عليها، مكنتها من الاتصال المباشر مع الجناح الباكستاني للحركة بعيدًا عن رقابة طائرات التحالف، كما تمكنت الحركة أيضًا من السيطرة على المعابر التجارية خاصة على حدود تورخام.
مشاكل أمنية
لم تمثل المعابر والحدود بين أفغانستان وباكستان مشكلة تجارية أو اقتصادية فحسب؛ بل كانت لها أبعاد أمنية خطيرة على الأمن الباكستاني منذ اليوم الأول لسيطرة طالبان أفغانستان على العاصمة كابول، أتاحت التنقل بين البلدين لعناصر طالبان بجناحيها وقياداتها، وعقد لقاءات مشتركة بينهما.
وبعد أيام قليلة من استيلاء طالبان على السلطة نشرت الحركة صورًا لزعيم «طالبان باكستان» المفتي نور ولي محسود يتنقل علنًا داخل أفغانستان وهو يتجول بين السكان ويتحدث معهم في العلن. ولم يكن هذا ممكنًا قبل وصول طالبان للحكم مرة أخرى.
كما استغل الجناح الباكستاني وصول نظيره الأفغاني إلى السطلة في التحرك بأريحية على الحدود والحصول على دعم طالبان أفغانستان في الهجوم على القوات الأمنية الباكستانية، بل وتنفيذ هجمات على القوات الباكستانية من داخل أفغانستان، مما دعا إسلام آباد للرد في العسكري، إلى أن أصدرت الخارجية الباكستانية بيانًا في 17 أبريل 2022م أبدت فيه غضبها الشديد من ارتفاع الهجمات ضد قواتها عبر الحدود الأفغانية، واشتكت فيه من أن منفذي الهجمات يفلتون من العقاب بسبب الدعم الذي يحصلون عليه من حكومة طالبان.
مشكلات تجارية
وأدى تدهور العلاقات المستمر بين حكومة طالبان أفغانستان والحكومة الباكستانية إلى إغلاق معبر تورخم القريب من ممر خيبر الحدودي الرئيسي بين البلدين خلال فبراير الماضي، بعد رفض إسلام آباد إدخال مسافر كان يرافق مريضًا بداية فبراير الماضي ما أدى إلى توقف شبه كامل للحركة التجارية بين البلدين.
وشهد محيط المعبر اشتباكات مسلحة بين كل من القوات الأفغانية والباكستانية، وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لمئات الشاحنات العالقة، التي تحمل مواد غذائية وأدوية أمام المعبر لمدة أسبوعين إلى أن أعلنت حركة طالبان في 20 فبراير الماضي إعادة فتح المعبر مرة أخرى أمام الحركة التجارية.
محاولات لحل أزمة الحدود
وفي سبيل التوصل إلى حل لأزمة الحدود الأفغانية نشرت وسائل إعلام أفغانية الجمعة 10 مارس الجاري أن مسؤولين من طالبان عقدوا اجتماعًا مع مسؤولين باكستانيين من أجل تسهيل التجارة والعبور ومنع النزاعات على حدود تورخام.
وذكرت صحيفة Hasht e Subh Daily الأفغانية، أن الجانبين أجريا محادثات مشتركة في منطقة الحدود الجمركية يوم الأربعاء 8 مارس الجاري، وأن الاجتماع ضم عسكريين من الجانبين لمناقشة النزاعات العسكرية بينهما.
وتناول الاجتماع مشكلة منع دخول المرضى الأفغان بدون تأشيرات في حالات الطوارئ، وكذلك منع دخول الشاحنات الأفغانية المحملة بالسلع التجارية، كما طالب أعضاء طالبان أفغانستان. وطالبت المجموعة الوفد الباكستاني بعدم مصادرة بطاقات الإقامة المؤقتة للمواطنين الأفغان.
وقبل أزمة معبر تورخام، فقد شهد يوم الثلاثاء 20 ديسمبر 2022 اجتماعًا حضره مسئولون كبار من أفغانستان وباكستان عند منفذ "بوابة الصداقة الباكستانية الأفغانية" الرابط بين إقليم بلوشستان الباكستاني مع أفغانستان، لبحث آليات وجهود إرساء السلام والاستقرار على حدود البلدين، على خلفية التوترات الأمنية التي تشهدها المناطق الحدودية الأفغانية – الباكستانية على خلفية إغلاق معبرين حدوديين آخرين في شهر ديسمبر الماضي.
ويرى الدكتور محمد السيد -الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية- أن مثل هذه المباحثات لا ترتقي لوضع حد نهائي لأزمات المعابر الحدودية، خاصة من النواحي الأمنية، فالقرار داخل حركة طالبان يخضع لاعتبارات عديدة أهمها وجود اتجاهين متباينين في وجهات النظر، أحدهما لا يرى غير العنف، ويعتبر الحكومة الباكستانية عدوًا أزليًّا، ولا ينسي التوافق الأيديولوجي الذي يربط بينه وبين الجناح الباكستاني من الحركة، وفريق آخر يتمثل في الجناح السياسي، الذي يبدو أكثر تماهيًا مع الأوضاع السياسية، التي منحته إياها خبراته السابقة في التفاوض، وهو ما يضع الجناحين في مواجهة مستمرة بسبب اختلاف وجهات النظر حول أي محاولات للتفاوض بشأن أي من الملفات الحيوية ومنها ملف الحدود، وهو أزمة أزلية تعاني منها هذه المنطقة لاعتبارات جيوسياسية أخرى بغض النظر عن وضع حركة طالبان.
وأضاف: إن إيجاد حل نهائي للمشكلات الأمنية
والاقتصادية على الحدود بين الجانبين ليس بالسهولة بمكان كي نتوقع حدوثه في الوقت
القريب.