عداء قديم ومصالح مشتركة.. روسيا وطالبان وعلاقات دافئة
رغم عدم الاعتراف بها كسلطة شرعية في الداخل الأفغاني، فإن تقارب وتعاون بين موسكو وطالبان خلال الآونة الأخيرة، لتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، حيث تتشارك موسكو وطالبان في وجود عدو مشترك يتمثل في الولايات المتحدة، فروسيا ليس أمامها بديل يغنيها عن الاتصالات مع طالبان، بعد أن تمكنت من تثبيت نفسها كسلطة مستديمة في أفغانستان، كما أن الحركة تهدف إلى الحصول على مساعدة روسيا للخروج من العزلة الدولية.
تعاون ثنائي
مع بدء حركة طالبان
عامها الثاني في السلطة إثر الانسحاب الأمريكي، يبدو أن موسكو والسلطة الأفغانية
الجديدة قطعتا طريقًا طويلًا نحو تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، بلا آفاق
لاعتراف الكرملين سياسيًّا بالحركة، ورفعها من قوائم التنظيمات المحظورة.
وسبق لوفد الحركة
الأفغانية، المشاركة في فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في منتصف يونيو
الماضي، وسط غياب تام لقادة الدول الأجنبية، إذ يعتبر رئيس المركز الأوراسي
للتحليل في العاصمة الروسية «نيكيتا ميندكوفيتش»، أن روسيا ليس أمامها بديل يغنيها
عن الاتصالات مع طالبان، بعد أن تمكنت من تثبيت نفسها كسلطة مستديمة في أفغانستان،
مقرًا في الوقت نفسه بأن انعدام الاعتراف السياسي بالحركة يعيق التطبيع الكامل
للعلاقات.
وخلال زيارة وفد الحركة الأفغانية
إلى موسكو في أغسطس الماضي، تركزت على قضايا الإمدادات الروسية من النفط والغذاء
إلى أفغانستان، حيث عرضت الحركة على موسكو أن تشتري منها نحو مليون برميل من النفط
في إطار صفقة مقايضة، وفق ما كشف عنه وزير الصناعة والتجارة الأفغاني «نورالدين
عزيزي»، وهو أمر قد يثير اهتمام موسكو، وسط ترقب دخول الحظر الأوروبي على 90 في
المائة من نفطها حيز التنفيذ بحلول نهاية العام.
ومع خروج الولايات
المتحدة السريع من أفغانستان والفوضى التي أعقبت هذا الانسحاب، كانت السفارة
الروسية في كابول، هي السفارة الوحيدة التي لم تغلق أبوابها مع سيطرة طالبان على
البلاد، كما أن موسكو أبدت مرونة في خطابها تجاه حكم طالبان، على الرغم من عدم
الاعتراف به حتى الآن.
وكان الهجوم الإرهابي الذى وقع على السفارة
الروسية بالعاصمة الأفغانية كابول، بمثابة جرس إنذار لتشديد الرقابة على الأهداف
الدبلوماسية في أفغانستان، لا سيما بعد إعلان ما يسمى بـ«داعش - ولاية خراسان»، تبني
الحادث، إذ فجر انتحاري نفسه عند بوابات السفارة، لحظة وصول موظف إلى أشخاص كانوا
يقفون في طابور للحصول على تأشيرة؛ ما أسفر عن مقتل اثنين من موظفي البعثة
الدبلوماسية وأربعة أفغان.
وتعد العملية الإرهابية، أول هجوم على بعثة
دبلوماسية في أفغانستان، منذ عودة حركة «طالبان» إلى السلطة في أغسطس
2021.
وبحسب بيان لـ«داعش» فإن أحد مقاتليه انطلق الى مقر
السفارة الروسية في كابول وفجر سترته الناسفة وسط تجمع يضم موظفين روس.
فيما طالب مسؤولون روس، السلطات الأفغانية بحماية
وضمان سلامة البعثات الدبلوماسية.
ورغم
تأكيدات المسؤولين في حركة طالبان أنهم يسيطرون على الوضع الأمني في
البلاد، فإن الهجمات والتفجيرات التي نفذها التنظيم الإرهابي، تبين عكس ذلك، إذ
ضربت البلاد سلسلة تفجيرات منذ نهاية أبريل الماضي خلال شهر رمضان، ثم في مايو، قتل فيها عشرات الأشخاص، وأعلن «داعش»
مسؤوليته عن غالبيتها التي استهدفت، خصوصًا أقليات دينية من الشيعة والصوفيين
والسيخ، فضلًا عن مؤيدين لحركة طالبان.
مرتزقة داعش
وتشير التقديرات إلى
وجود نحو 2500 مرتزقة من داعش في أفغانستان، وأن هذا الوجود في طور الازدياد،
وهو ما سيشكل خطرًا على روسيا نفسها وعلى فضائها السياسي والاقتصادي في آسيا
الوسطى المتاخم لأفغانستان، حيث قال «زامير كابولوف» مبعوث الرئيس الروسي الخاص
إلى أفغانستان، مدير قسم آسيا الثاني، إن طالبان وعدت، في حدود إمكاناتها، بعدم
السماح بنقل مسلحي التنظيمات الإرهابية، بما فيها «داعش» إلى أوكرانيا، في مؤشر
لوفاء الحركة الأفغانية بشكل واسع على تعهدها عند وصولها إلى سدة الحكم بألا يكون
هناك أي تهديد لروسيا وبلدان آسيا الوسطى قادمًا من أراضي أفغانستان.
عداء قديم ومصالح مشتركة
ويؤكد مراقبون في الشأن
الأفغاني، أنه على الرغم من العداء القديم بين موسكو وطالبان، منذ أيام الاتحاد
السوفييتي، لكن العلاقة الحالية بين الطرفين باتت محكومة بمفهوم عدو عدوي صديقي،
فروسيا قد تعترف بطالبان كحكومة شرعية، انطلاقًا من مصالحها، لافتين إلى أن روسيا مضطرة
للتعامل مع طالبان، والتي تعتبرها حركة إرهابية، كون الحركة تسيطر على الأوضاع في
أفغانستان، ولا يمكن لموسكو تجاهل طالبان، لأن وضع هذا البلد يعتبر استراتيجيًّا،
نظرًا لمحاذاتها لجمهوريات الاتحاد السوفييتي في آسيا الوسطى؛ مؤكدين أن روسيا لن
تتجاهل الحركة الأفغانية، لأن التجاهل سيكون له تداعيات سلبية جدًا على موسكو
وجيرانها وحلفائها في آسيا الوسطى، التنسيق والتعاون هو أفضل من عدم وجود التنسيق.
ومن بين الأسباب الأخرى
للتقارب بين موسكو وطالبان، التوتر القائم بين روسيا والولايات المتحدة، وعودة
أجواء الحرب الباردة بينهما، وخاصة بعد التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، وظهور
تحالفات جديدة على المستوى العالمي، إذ يشير المراقبون، إلى أن موسكو وعبر هذه
العلاقة مع طالبان، تسعى إلى أن تكون الأخيرة أداة بقبضتها تقوم من خلالها بالضغط
على واشنطن، وهي الوسيلة عينها التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة ضد الاتحاد
السوفييتي في أفغانستان.
للمزيد: بسبب الدرونز الأمريكية.. أزمة جديدة بين طالبان وباكستان





