التناقضات تعصف بـ«طالبان».. بين المرجعية الفكرية ومتطلبات الحكم
الثلاثاء 14/يونيو/2022 - 12:05 ص
نهلة عبدالمنعم
أسهم وصول حركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان في طرح إشكاليات متعددة حول الاختلافات بين المرجعية الفكرية للحركة ومتطلبات السلطة داخليًّا وخارجيًّا، إذ فرضت السلطة على «طالبان» تبني خطابًا ناعمًا حول حقوق المرأة والأقليات والتيارات المختلفة عنها، وذلك في إطار الرغبة في نيل الاعتراف الدولي والانضمام لهيئة الأمم المتحدة.
ولكن سرعان ما اصطدمت الحركة بالأيديولوجيات الفكرية التي تأسست عليها أجيال
طالبان، وفي ظل احتياجها لصفوف موحدة من أجل مواجهة التحديات الداخلية
والخارجية والمنافسات التنظيمية، باتت الحركة ممزقة بين وعود زائفة ومتطلبات حركية تفرضها بنية التيار.
الأبعاد الفقهية
تعد
الآثار والتراث الثقافي والتاريخي من الملفات الشائكة لدى الجماعات
المتطرفة، إذ تدفع هذه الجماعات بضرورة هدم ونسف الآثار والتماثيل القديمة
لأنها تمثل عبادة للأصنام، ما يدخلهم في إشكاليات حول العبادة والإيمان إلى
جانب تفسيرات فقهية أكثر رحابة لا تحرم بقاء الآثار المختلفة حول العالم.
وأفادت
دورية «foreign policy» في 7 يونيو 2022 بتورط «طالبان» في هدم آثار تاريخية
بمقاطعة باميان بوسط أفغانستان منذ وصولها لسدة الحكم في أغسطس 2021، إذ
فجرت الحركة بالديناميت تماثيل يبلغ عمرها أكثر من 1400 عام تبعًا لمرجعيات
منع عبادة الأوثان، كما تعبث «طالبان» بالكهوف الأثرية بالمنطقة وتنهب ما
بها من محتويات.
فيما
تحتوي مقاطعة باميان على تماثيل لبوذا هدمتها الحركة، وتتخوف «اليونسكو» من
تدمير «وادي باميان» الذي تصنفه كمنطقة أثرية، فمنذ وصول الحركة للحكم ترسل
اليونسكو بيانات رسمية حول ضرورة حماية الموقع واحترام تراثه التاريخي.
وحول
الأبعاد الفقهية المتعلقة بهدم الآثار أو بقائها قالت دار الإفتاء المصرية
في أكتوبر 2021 إنه لا يجوز شرعًا هدم الآثار الفرعونية، بل إن وضعها في
المتاحف هو حفظ لتاريخ الحضارات، وذلك بما يتناسب مع متطلبات العصر.
وفي
ذلك أحد الآراء الشرعية حول قضية هدم الآثار، ولكن الإفتاء المصرية حددت
الآثار الفرعونية، مع بقاء إشكاليات فقهية تروج لها جماعات التكفيريين حول
ضرورة هدم الآثار وبالأخص للشخصيات التي عبدها البعض أو لا يزال.
السرقة والتربح الاقتصادي
ولا
يتوقف استنزاف التاريخ عند حدود التراث الفقهي إنما يصل إلى التربح
الاقتصادي، وكعادة الجماعات المتشددة تصبغ أهدافها السياسية والاقتصادية
بصبغة دينية لاكتساب مشروعية خاصة، إذ نقلت مجلة «foreign policy» عن
مصادرها، تنقيب عناصر من طالبان في الكهوف الأثرية للبحث عن المقتنيات
الثمينة لبيعها والتربح منها، فسرقت العناصر تحفًا أثرية من باميان وباعتها
في الأسواق السوداء للآثار أهمها المشغولات الذهبية الثمينة التي تتجاوز
آلاف الأعوام.
الشغب العرقي وتحديات الخارج
يعيش
في باميان الكثير من الهزارة التابعين للطائفة الشيعية والمعارضين لحكم
طالبان، ويتأثر الهزارة بمناوشات عرقية يشعلها بعض أتباع طالبان المسيطرين
على المنطقة منذ سيطرتهم على الحكم، وهو ما يؤثر على صورة الحركة خارجيًّا.
حرصت «طالبان» منذ توليها السلطة على الترويج لخطاب أكثر تسامحًا مع الأقليات عبر
رسائل مباشرة عن رغبتها في العيش بسلام مع جميع الأعراق، مطالبة الأطراف
الدولية بعدم التدخل في هذا الشأن لأنها ستحافظ على المساواة بين الأطراف
المختلفة، وكان ذلك عبر خطاب رسمي قاله المتحدث ذبيح الله مجاهد عن
الأقليات وحقوق الإنسان في البلاد.
تناقضات «طالبان» بين الحكم والعقيدة
يمثل
ما سبق إطارًا من تناقضات مختلفة اعترت طريق الحركة منذ وصولها للحكم،
فادعاؤها باحترام حقوق الأقليات كان ضمن خطاب ترويجي لسياستها الجديدة من
أجل رغبات سياسية، ولكن تعرض الهزارة لهجمات إرهابية متتالية صحيح يتورط
تنظيم «داعش» في أغلبها، ينفي هذا وتبقى طالبان الحاكمة والمسؤولة عن أمن
الجميع وبالأخص المنتمين للملفات الشائكة.
وتترقب
إيران أوضاع الهزارة بداخل أفغانستان باعتبارها المسؤول الرئيس عن الشيعة
حول العالم، ومن ثم فإن التراجع في أوضاعهم المعيشية والأمنية يعرض «طالبان» لتحديات خارجية في ظل ملفات شائكة أمامها.





