ad a b
ad ad ad

«الشافعي».. مجدد القرن الثاني وموحد الفرقاء على كلمة سواء

الخميس 28/يونيو/2018 - 01:54 م
الإمام الشافعي
الإمام الشافعي
هناء قنديل
طباعة
الاختلاف في الرؤى، وغياب الإنصاف والحياديَّة، سمة غالبة على مدار التاريخ الإسلاميّ، إضافة إلى المعارك الكلاميَّة التي خاضها جمهور المسلمين، وسعى خلالها كل فريق لنصرة نفسه دون الآخرين؛ إلا أن هذا الاختلاف لم يمنع العلماء والمؤرخين وحتى قادة وأتباع الطوائف والفرق الإسلاميَّة المختلفة، أن يتفقوا على أن الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، هو المجدد الثاني للأمة الإسلامية.

حفظ «الشافعيّ»؛ القرآن الكريم وهو ابن 7 سنين، كما حفظ موطأ الإمام مالك، وهو ابن 10 سنين، ورحلت به أمه إلى المدينة المنورة ليتلقى العلم على أيدي أعلام كُثر، نذكر منهم: إبراهيم بن سعد الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك، والإمام مالك بن أنس، حيث لازم الأخير 16 سنة.

يتصدر «الشافعيّ» (الفقيه الكبير، والإمام الشهير) قائمة العلماء الذين أجبروا الجميع على الاعتراف بفضلهم الفقهي، وتجديدهم لدماء هذا الدين بما يتوافق مع مستجدات عصره ومتطلبات الناس، ورغم أنه عاش 54 عامًا فقط؛ فإنه وضع فقهين كاملين أحدهما لأهل العراق، والثاني لأهل مصر، وراعى في كل منهما حال المسلمين في القطرين.

ويذكر أحمد تمام في كتابه «الشافعي ملامح وآثار»، كيفية ظهور شخصية الإمام الشافعي ومنهجه في الفقه الذي هو مزيج من «فقه الحجاز» و«فقه العراق»، مؤكدًا أنه صاحب عقل ناضج ومتوهج، إضافة إلى أنه عالم بالقرآن والسنة، وبصير بالعربية وآدابها، وخبير بأحوال الناس وقضاياهم، وقوي الرأي والقياس.

وتجدر بنا الإشارة هنا إلى الجو الفكري الذي عاش فيه «الشافعي»؛ فقد ظهرت في القرن الهجري الثاني مدرستان للفقه الإسلامي؛ هما مدرسة الرأي، ومدرسة الحديث، والأولى تُعد امتدادًا لـ«فقه عبدالله بن مسعود» الذي تأثر بمنهج الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في الأخذ بالرأي والبحث في علل الأحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله أو سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وظهرت هذه المدرسة في العراق.

وأما مدرسة الحديث فقد نشأت بأراضي الحجاز، وهي امتداد لمدرسة عبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وغيرهم من فقهاء صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتقف هذه المدرسة عند نصوص الكتاب والسنة، فإن لم تجد نصًا التمست آثار الصحابة، ولم تلجِئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز إلى التوسع في الاستنباط، بخلاف ما كان عليه الحال في العراق.

وجاء «الشافعيّ»، والجدل مشتعل بين المدرستين، فأخذ موقفًا وسطًا، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين الفريقين، فحمى الأمة من الاحتراق بنيران الاختلاف.

كما أن «الشافعيّ» أول من كتب في علم «أصول الفقه» في رسالته التي سماها «الرسالة»؛ حيث دونَ الأصول واعتمد عليها في فقهه، وكانت أصولًا عملية لا نظرية، والتزم بالقواعد في اجتهاده، وظهر هذا واضحًا في كتابه «الأم»، الذي سار فيه على منهاج ذكر الحكم مع دليله، ثم توضيح وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد وأصول الاستنباط التي اتبعها، فهو يرجع أولًا إلى القرآن وما ظهر له منه، ثم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ويقوم منهج «الشافعي» في الأساس على أن القرآن والسنة النبوية في منزلة واحدة؛ فلا يمكن النظر في القرآن دون السنة التي تشرحه وتبينه، وهو في هذا المنهاج يرسخ لمبدأ «حجية السنة»؛ فالقرآن يأتي بالأحكام العامة والقواعد الكلية، والسنة هي التي تفسر هذا، وتخصص عموم القرآن أو تقيد مطلقه، أو تبين مجمله، ثم يأتي بعد مصدري التشريع الرئيسيين المصدر الثالث وهو الإجماع إن لم يُعلم له مخالف، ثم المصدر الرابع وهو القياس، شريطة أن يكون له أصل من الكِتَاب والسُّنة، ولم يتوسع فيه مثلما توسع شيخ الفقهاء الإمام أبوحنيفة النعمان.

دافع «الشافعيّ» طوال حياته عن السُّنة النبويَّة المطهرة، وأقام الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد، وكان هذا الدفاع سببًا في علو قدره عند أهل الحديث، حتى سموه «ناصر السُّنَّة»، ولم يشترط في الاحتجاج بالسُّنَّة غير اتصال سند الحديث وصحته؛ فإذا كان كذلك صح وكان عنده حجة، ولم يشترط كذلك في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل أهل المدينة مثلما اشترط شيخه الإمام مالك بن أنس، أو أن يكون الحديث مشهورًا ولم يعمل راويه بخلافه.

وعُرف عن «الشافعي» أنه يأخذ بالحديث النبوي أكثر من «أبوحنيفة»، حتى إنه كان يقبل خبر الواحد (حديث الآحاد) متى توافرت فيه الشروط، ولعل السبب في هذا أنه كان حافظًا للأحاديث بصيرًا بعللها، ولا يقبل منها إلا ما ثبت عنده، وربما صح عنده من الأحاديث ما لم يصح عند شيخ الفقهاء وأصحابه.
"