تداعيات الوباء.. كيف ستؤثر أزمة «كورونا» على النظام السياسي التركي؟
السبت 11/أبريل/2020 - 11:52 ص

مصطفى صلاح
تشهد تركيا على المستويين الداخلي والخارجي، العديد من الأزمات، خصوصًا مع انتشار فيروس كورونا المستجد في دول العالم، ومن بينها تركيا، والذي تسبب في اتخاذ هذه الدول للعديد من الإجراءات الاحترازية، والتي اختلفت من دولة إلى أخرى، وفق اعتباراتها ومصالحها القومية، وبالنسبة لتركيا، فإنها تشهد منذ 10 مارس 2020، تزايدًا في أعداد الإصابات والوفيات، والتي وصلت إلى 25 ألف إصابة وأكثر من 500 حالة وفاة.
ويجب الإشارة هنا إلى التأثير الكبير لانتشار الفيروس في تركيا، ومستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي من المحتمل تراجع الشعبية، أو توظيف هذه القضية «كورونا» في تحقيق بعض النجاحات الداخلية والخارجية.

ملفات متشابكة
فقبل انتشار الفيروس في تركيا، تعرضت لمجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية، والتي تمثلت أهمها على النحو التالي:
1) تصاعد المعارضة الداخلية للحزب
تشهد تركيا داخليًّا حراكًا من جانب الأحزاب المعارضة؛ لمواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم، خاصة من جانب حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديموقراطي، اللذين تمكنا من الحصول على الكثير من المكاسب الداخلية في مواجهة الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية، التي عُقدت في مارس 2019، إضافةً إلى اعتزامهما تكوين تحالفات مع بعض الأحزاب الجديدة في الضغط على سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن قبل أظهرت نتائج الاستفتاء على الدستور في 17 أبريل 2017، تراجعًا في نسبة التأييد لأردوغان، والتي مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا في نسبة التصويت؛ حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية «51.4%»، وبين المصوتين ضد التعديل في الاستفتاء «48.6%»، وهو فارق ضئيل، يؤشر على تراجع مكانة الحزب في الشعبية الداخلية.
2) الانشقاقات الداخلية في الحزب
شهدت تركيا خلال المرحلة الماضية الكثير من التفاعلات الداخلية على مستوى الأحزاب السياسية، خاصةً مع إعلان كل من «أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان» تأسيسهما حزبين جديدين - حزب المستقبل وحزب الديموقراطية والتقدم- لمواجهة حزب العدالة والتنمية اللذين كانا من المؤسسين له، وتمثل هذه التحولات بداية للتأثير في الساحة السياسية التركية في الانتخابات المقبلة.
3) الأزمات الاقتصادية الداخلية
تعاني تركيا من العجز في ميزان تجارتها الخارجية، إضافةً إلى أن وارداتها أكبر من صادراتها، وهو ما يصيب الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بالعجز، كما فقدت الليرة لما يقارب 20% من قيمتها، وزادت معدلات البطالة والتضخم الداخلي، ومن ثم تم إرجاء استكمال كافة المشروعات الداخلية، وعلى الرغم من ارتفاع النمو الاقتصادي التركي إلى مستويات غير مستدامة، من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب، إلا أنه تم تعطيل السياسات الاقتصادية طويلة الأمد؛ حيث تم إيقاف العمل؛ بسبب هذه الأزمات.
4) العقوبات الدولية
تواجه تركيا مجموعة من الضغوط الإقليمية والدولية في مواجهة تحركاتها الخارجية في الكثير من المناطق، في سوريا والعراق وفي ليبيا، وكذلك في ملف الغاز في منطقة شرق المتوسط، إضافةً إلى توجهاتها الخارجية تجاه التعاون مع روسيا، وهو ما دفع كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى فرض مزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها.
5) تفشي كورونا
أولى حزب العدالة والتنمية توجهاته إلى الصناعات العسكرية، وتحقيق أجندته الإقليمية، دونما الاعتبار لباقي القطاعات، ومن بينهم القطاع الصحي، والذي أظهرت نتائج انتشار الفيروس تراجع الخدمات بداخله؛ إذ تتسارع عدد الإصابات والوفيات.

تأثير ممتد
هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على إمكانية تأثير انتشار الفيروس على تركيا داخليًا وخارجيًا، وفيما يلي أهم هذه التأثيرات:
1) تراجع شعبية العدالة والتنمية
يواجه حزب العدالة والتنمية مجموعة من الضغوط، أهمها، خسارته للكثير من المدن الكبرى، خاصةً مدينتي أنقرة وإسطنبول في الانتخابات البلدية الأخيرة، والتي ساهمت بصورة كبيرة في التأثير على شعبيته، إضافةً لتلك الانشقاقات الداخلية، وهذه العوامل من المؤكد أن تؤثر على مستقبل الحزب في الانتخابات المزمع انعقادها في عام 2023، في ظل انتشار فيروس كورونا، وتدني مستوى الرعاية الصحية.
2) توظيف انتشار الفيروس
في ظل التدهور الداخلي الذي تشهده تركيا، خاصةً فيما يتعلق بملف اللاجئين، يمكنها توظيف هذا الملف واستثماره في توجهاتها الخارجية في مواجهة ضغوط دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث تحاول أنقرة تعزيز موقفها في مواجهة هذه الضغوط؛ بسبب التخوفات الأوروبية بصورة خاصة والدولية بصورة عامة، من تفاقم أزمة اللاجئين وإمكانية انتقال وانتشار الفيروس في مخيماتهم، في ظل تدني مستوى الخدمات الطبية المقدمة لهم، ويزيد من قدرة تركيا على استثمار هذا الأمر، ما تشهده الدول الأوروبية، خاصةً الكبرى منها، من تفشي وانتشار هذا الفيروس في الحصول على مساعدات دولية، يمكن أن تزيد من قدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية.

انعكاسات محتملة
من المحتمل، أن ينعكس انتشار فيروس كورونا المستجد على المستويين «الداخلي والخارجي» للسياسة التركية، وفيما يلي أبرز هذه السيناريوهات:
1) استمرار الهيمنة
يمثل هذا السيناريو امتدادًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية على مفاصل الدولة، خاصةً بعد العديد من السياسات التي كانت وما زالت تؤسس لمثل هذه السيطرة، وفي هذا الشأن، يذكر أن بعد ما سُمي بمحاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، والتي تبعها العديد من السياسات التأميمية والقبض وانتهاك حقوق الإنسان، ومحاصرة المجال العام؛ بما يعزز فرص توغل الحزب، وضمن نفس السياق، قد يستغل الحزب حالة انتشار فيروس كورونا؛ لتعطيل كافة الاستحقاقات الانتخابية، وتوظيف ذلك في الحصول على دعم دولي في مواجهة أزمة اللاجئين وانتشار الفيروس في هذه المناطق.
2) تحالف الأحزاب المعارضة
وفق هذا السيناريو، يمكن أن تقوم الأحزاب المعارضة والأحزاب الوليدة المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالتحالف ضد الرئيس التركي أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية، خاصةً بعد نتائج الاستفتاء الأخير في 17 أبريل 2017، والذي شهد تراجع نسبة التأييد لأردوغان. والتي مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًّا في نسبة التصويت، والتي كشفت النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، وخسارته لأهم معقلين تصويتين هما «إسطنبول وأنقرة»، اللتان كانتا يصوتان لصالح الحزب من قبل.
ختامًا: من المؤكد، أن خريطة جديدة للتفاعلات، ستظهر بصورة واضحة في تركيا، خلال المرحلة القادمة؛ بسبب تأثير مجموعة من العوامل، والتي من أهمها انتشار الفيروس المستجد، وما له من تداعيات قد تمتد إلى التغيير في هيكلية النظام السياسي وحدود دور المعارضة.
المراجع:
1) بعد استقالة باباجان.. ما مستقبل حزب العدالة والتنمية التركي ووحدته؟، على الرابط: https://cutt.us/btMUY
2) تركيا في مواجهة كورونا.. سجال متصاعد بين الحكومة والمعارضة، على الرابط: https://cutt.us/axYOW
3) بعد كورونا.. انتظروا دور تركيا في عالم جديد، على الرابط: https://www.turkpress.co/node/70240