«الجهاد» عند الصوفية والتكفيريين.. مصطلح وَاحِدٌ وأهداف مختلفة
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 09:09 م

عبدالهادي ربيع
«الجهاد» الذي يرفع راياته أتباع الطرق الصوفية، مصطلحٌ يختلف عن ذلك الذي تتبناه الجماعات التكفيرية والجهادية في العصر الحديث؛ فهذا المصطلح عند الصوفية يعني «بذل الجهد في دفع الشر واستجلاب الخير»، سواء كان «الخير والشر» ظاهرين في الدفاع عن الأمة الإسلامية، أو خفيين متمثلين في التغلب على النفس وصرف هواها.
وقد تبنت الصوفية هذا المفهوم، من الحديث النبوي الذي يَصِفُ جهاد الإنسان للعدو بـ«الجهاد الأصغر»، بينما يعتبر أن مجاهدة النفس، ومحاربة الهوى، هي «الجهاد الأكبر»؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد أن عادوا من إحدى الغزوات: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
أما «الجهاد»، الذي تَرفع رايته الجماعات التكفيرية؛ فيقوم على استباحة دماء الأبرياء، ونشر الفوضى، وتفجير المنشآت في مختلف البلدان (سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية)، وقد تبنت جماعات العنف هذا المفهوم من اعتناقهم مبدأ «الحاكمية»، الذي يُخول لهم تكفير الحُكام والمحكومين، بل وتكفير كل من سواهم في هذا العالم.
و«الصوفية»، أخذت بالجِهَادَيْن؛ «القتالي» دفاعًا عن الدولة والإسلام، و«جهاد النفس» الذي يُعنى بتطهيرها من الذنوب والآثام، ولأن جهاد العدو يوصف بالجهاد الأصغر عند الصوفية؛ فقد سبَّب هذا الوصف سوء فَهم من أنهم مسالمون ومهادنون للأعداء.
وباستقراء الواقع نجد أن الصوفية لها تاريخ طويل في الاشتغال بالجهاد الأصغر (قتال المعتدي) خاصة في مواجهة الاستعمار؛ إذ كان غالبية زعماء حركات التحرر الإسلامية من الصوفية.
ويتضح ذلك من خلال ربط المصطلحين مع بعضهما البعض فمن لم يجاهد نفسه، ويطهرها من صفات الجبن وحب الدنيا، لن يتحلى بالشجاعة لقتال العدو المتربص، خاصةً أن جهاد النفس (العدو الخفي عند الصوفية) من أصعب أنواع الجهاد، وهو أشق من جهاد العدو الظاهر الذي يحمل السلاح، خاصةً أنه ليس له أمد معين، بل يستمر طوال العمر.
وبالنظر إلى تاريخ الصوفية، في ميدان «الجهاد الأصغر» أو قتال العدو، نجد أن لهم باعًا طويلًا في هذا المضمار، فكل شيوخ الطرق يدعون إلى هذا الجهاد، ومن ذلك ما كتبه أبوحامد الغزالي (1058م- 1111م) أحد أعلام الصوفية، إلى «يوسف بن تاشفين» أمير دولة المرابطين (ظهرت خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين، والحادي عشر والثاني عشر الميلاديين في منطقة المغرب): «إما أن تحمل سيفك في سبيل الله ونجدة إخوانك في الأندلس، وإما أن تعتزل إمارة المسلمين حتى ينهض بحقهم سواك».
وكذلك كتب محيي الدين بن عربي (الشيخ الأكبر عند الصوفية) رسالة إلى الملك الكامل ناصر الدين محمد بن أبي بكر (خامس سلاطين الدولة الأيوبية حكم من 1218 إلى 1238م)، حينما سلم القدس إلى الحملة الصليبية: «إنك دنيء الهمة، والإسلام لن يعترف بأمثالك، فانهض للقتال أو نقاتلك كما نقاتلهم».
كما قال «ابن عربي» في وصاياه: «عليك بالجهاد الأكبر، وهو جهاد هواك، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد، خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قُتلت فيه كنت من الشهداء، الذين عند ربهم يُرزقون».
واشتهرت في التاريخ الإسلامي، أسماء عدّة لمشايخ الصوفية، الذين جاهدوا كلا الجهادين (الأصغر والأكبر)، ومن أبرزهم: أحمد بن عاصم الأنطاكي، وأبويوسف الغسولي، وأبوإسحاق الفزاري، وعيسى بن أبي إسحاق السبيعي، ويوسف بن أسباط، وأبومعاوية الأسود، وقد توج ذلك مجاهدة الشيخ أبوالحسن الشاذلي عام 1196- 1258م، لـ«الصليبيين» الذين جاؤوا لغزو مصر، وذلك حين شارك على رأس أتباعه في معركة المنصورة سنة (647هـ- 1249م).
وكذلك في العصر الحديث؛ حيث كانت غالبية زعماء حركات التحرر الإسلامية في مواجهة الاستعمار من الصوفية، أو من المحبين للتصوف، ومن أبرزهم السيد محمد ماضي أبوالعزائم (1869م- 1937م)، وسعد باشا زغلول، زعيم ثورة 1919 بمصر، إضافة إلى أن الزعيم أحمد عرابي (1841-1911م) الذي قاوم الاحتلال الإنجليزي، كان صوفيًّا متبعًا منهج والده، أحد كبار شيوخ الصوفية في عصره.
وإلى جانب ما سبق؛ نذكر جهاد مؤسس الطريقة السنوسية، محمد بن علي السنوسي (1859م)، في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا، والتي قادها من بعده المجاهد عمر المختار (1858-1931م)، الذي جعل من زاويته الكبرى في واحة «الجغبوب» مقرًّا ومركزًا للعمليات العسكرية حتى استشهاده.
وفي المغرب العربي عامة؛ شارك في الجهاد ضد المستعمر الفرنسي مجموعة كبيرة من شيوخ الطرق الصوفية، نذكر منهم: الأميران عبدالكريم الخطابي (1881-1962م)، وعبدالقادر الجزائري (1807-1885م)، والشيخ أبوعمامة بالغرب الوهراني 1881-1908م، الذي قاد ثورة ضد الاحتلال.
وفي فلسطين؛ كان شيوخ الصوفية في مقدمة المجاهدين ضد الاحتلال الإنجليزي؛ حيث أطلق أول صيحة للجهاد الشيخ فرحان السعدي (ولد عام 1858) وكان من كبار شيوخ الطرق الصوفية، وقد أعدمه الإنجليز نتيجة لمقاومته.
وقد تبنت الصوفية هذا المفهوم، من الحديث النبوي الذي يَصِفُ جهاد الإنسان للعدو بـ«الجهاد الأصغر»، بينما يعتبر أن مجاهدة النفس، ومحاربة الهوى، هي «الجهاد الأكبر»؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد أن عادوا من إحدى الغزوات: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
أما «الجهاد»، الذي تَرفع رايته الجماعات التكفيرية؛ فيقوم على استباحة دماء الأبرياء، ونشر الفوضى، وتفجير المنشآت في مختلف البلدان (سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية)، وقد تبنت جماعات العنف هذا المفهوم من اعتناقهم مبدأ «الحاكمية»، الذي يُخول لهم تكفير الحُكام والمحكومين، بل وتكفير كل من سواهم في هذا العالم.
و«الصوفية»، أخذت بالجِهَادَيْن؛ «القتالي» دفاعًا عن الدولة والإسلام، و«جهاد النفس» الذي يُعنى بتطهيرها من الذنوب والآثام، ولأن جهاد العدو يوصف بالجهاد الأصغر عند الصوفية؛ فقد سبَّب هذا الوصف سوء فَهم من أنهم مسالمون ومهادنون للأعداء.
وباستقراء الواقع نجد أن الصوفية لها تاريخ طويل في الاشتغال بالجهاد الأصغر (قتال المعتدي) خاصة في مواجهة الاستعمار؛ إذ كان غالبية زعماء حركات التحرر الإسلامية من الصوفية.
ويتضح ذلك من خلال ربط المصطلحين مع بعضهما البعض فمن لم يجاهد نفسه، ويطهرها من صفات الجبن وحب الدنيا، لن يتحلى بالشجاعة لقتال العدو المتربص، خاصةً أن جهاد النفس (العدو الخفي عند الصوفية) من أصعب أنواع الجهاد، وهو أشق من جهاد العدو الظاهر الذي يحمل السلاح، خاصةً أنه ليس له أمد معين، بل يستمر طوال العمر.
وبالنظر إلى تاريخ الصوفية، في ميدان «الجهاد الأصغر» أو قتال العدو، نجد أن لهم باعًا طويلًا في هذا المضمار، فكل شيوخ الطرق يدعون إلى هذا الجهاد، ومن ذلك ما كتبه أبوحامد الغزالي (1058م- 1111م) أحد أعلام الصوفية، إلى «يوسف بن تاشفين» أمير دولة المرابطين (ظهرت خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين، والحادي عشر والثاني عشر الميلاديين في منطقة المغرب): «إما أن تحمل سيفك في سبيل الله ونجدة إخوانك في الأندلس، وإما أن تعتزل إمارة المسلمين حتى ينهض بحقهم سواك».
وكذلك كتب محيي الدين بن عربي (الشيخ الأكبر عند الصوفية) رسالة إلى الملك الكامل ناصر الدين محمد بن أبي بكر (خامس سلاطين الدولة الأيوبية حكم من 1218 إلى 1238م)، حينما سلم القدس إلى الحملة الصليبية: «إنك دنيء الهمة، والإسلام لن يعترف بأمثالك، فانهض للقتال أو نقاتلك كما نقاتلهم».
كما قال «ابن عربي» في وصاياه: «عليك بالجهاد الأكبر، وهو جهاد هواك، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد، خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قُتلت فيه كنت من الشهداء، الذين عند ربهم يُرزقون».
واشتهرت في التاريخ الإسلامي، أسماء عدّة لمشايخ الصوفية، الذين جاهدوا كلا الجهادين (الأصغر والأكبر)، ومن أبرزهم: أحمد بن عاصم الأنطاكي، وأبويوسف الغسولي، وأبوإسحاق الفزاري، وعيسى بن أبي إسحاق السبيعي، ويوسف بن أسباط، وأبومعاوية الأسود، وقد توج ذلك مجاهدة الشيخ أبوالحسن الشاذلي عام 1196- 1258م، لـ«الصليبيين» الذين جاؤوا لغزو مصر، وذلك حين شارك على رأس أتباعه في معركة المنصورة سنة (647هـ- 1249م).
وكذلك في العصر الحديث؛ حيث كانت غالبية زعماء حركات التحرر الإسلامية في مواجهة الاستعمار من الصوفية، أو من المحبين للتصوف، ومن أبرزهم السيد محمد ماضي أبوالعزائم (1869م- 1937م)، وسعد باشا زغلول، زعيم ثورة 1919 بمصر، إضافة إلى أن الزعيم أحمد عرابي (1841-1911م) الذي قاوم الاحتلال الإنجليزي، كان صوفيًّا متبعًا منهج والده، أحد كبار شيوخ الصوفية في عصره.
وإلى جانب ما سبق؛ نذكر جهاد مؤسس الطريقة السنوسية، محمد بن علي السنوسي (1859م)، في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا، والتي قادها من بعده المجاهد عمر المختار (1858-1931م)، الذي جعل من زاويته الكبرى في واحة «الجغبوب» مقرًّا ومركزًا للعمليات العسكرية حتى استشهاده.
وفي المغرب العربي عامة؛ شارك في الجهاد ضد المستعمر الفرنسي مجموعة كبيرة من شيوخ الطرق الصوفية، نذكر منهم: الأميران عبدالكريم الخطابي (1881-1962م)، وعبدالقادر الجزائري (1807-1885م)، والشيخ أبوعمامة بالغرب الوهراني 1881-1908م، الذي قاد ثورة ضد الاحتلال.
وفي فلسطين؛ كان شيوخ الصوفية في مقدمة المجاهدين ضد الاحتلال الإنجليزي؛ حيث أطلق أول صيحة للجهاد الشيخ فرحان السعدي (ولد عام 1858) وكان من كبار شيوخ الطرق الصوفية، وقد أعدمه الإنجليز نتيجة لمقاومته.