يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

المرأة «القاعديَّة».. دورها بدأ خدميًّا وانتهى انتحاريًّا

الجمعة 04/مايو/2018 - 06:25 م
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
رحمة محمود
طباعة
حافظت المرأة القاعديَّة -لسنوات طوال- على دورها التقليدي، كمساندة وداعمة للتنظيم في أي مكان حول العالم، مضطلعة بتربية النشء وصنع جيل جديد من الإرهابيين؛ بينما ظلت القيادة وصناعة القرار في أيدي الإرهابيين الرجال من عناصر وقيادات القاعدة.

إلا أن هذا الدور طرأت عليه تطورات عديدة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق؛ حيث يبرز الخلاف بين التيارات القاعدية، التي انقسمت إلى تيارين، أحدهما يتسمك بالدور التقليدي للمرأة كأمٍ ومربية للنشء، وهذا التيار امتد بدءًا من أسامة بن لادن وعبدالله عزام، وانتهاءً بأيمن الظواهري، والآخر يُؤمن بتطوير دور المرأة ومشاركتها في الأعمال القتالية، بدءًا من أبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي وصولًا إلى أبي بكر البغدادي.

الدور التقليدي للمرأة في مرحلة ما يُعرف بـ«جهاد أفغانستان» 
أَحْدَثَ الاختلاف بين التيارين حول طبيعة دور المرأة، نوعًا من التمرد الأنثوي على أدوارهن الثانويَّة داخل التنظيم، وحرص بعضهن على لعب دور عسكري بالمشاركة فيما يُسمى «الجهاد القتالي»، مخالِفاتٍ بذلك تعاليم عبدالله عزام، مؤسس تيار الجهاد في العالم الإسلامي وأستاذ أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، والذي قَيَّد دور المرأة، وحصر أعمالها في التعليم والتمريض وإغاثة المقاتلين، دون مشاركتها في الأعمال القتاليَّة. 

وحرص «عزام» قبل وفاته على إبراز هذا الدور التقليدي وفضل منزلته، وأنه لا يقل أجرًا عن القتال -على حد زعمه- وشدد على عدم السماح للمرأة بالمشاركة في الأعمال القتالية بأي شكل كان، وجاء ذلك في وصيته: «يا معشر النساء: إياكن والترف، لأن الترف عدو الجهاد، والترف تلف للنفوس البشرية، واحذرن الكماليات واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكن على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد».

اقتصر دور المرأة القاعديَّة -خلال فترة ما يُسمى بـ«الجهاد الأفغاني»- على التمريض والطب، كذلك على التعليم الذي تتولى فيه تقديم التعليم الشرعي للمرأة، والمرأة تدرس للمرأة فقط، منعًا للاختلاط، وكذلك لإعطاء صورة جيدة للتنظيم، فضلًا عن الدعوة للجهاد في أفغانستان والحث على القتال. 

وهناك نماذج نسائية قاعديَّة عدة التزمت بهذا الدور وحرصت على دعمه، منهن بحسب ما قاله يوسف بن صالح العييري (مؤسس الفرع السعودي في تنظيم القاعدة الذي عرف باسم جماعة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) في كتابه: «دور النساء في جهاد الأعداء»، أم عمر المكية، تلك العجوز التي أرسلت ابنها للمشاركة في القتال بأفغانستان.

وتأكيدًا أيضًا لهذا الدور النمطي خلال هذه الفترة، تحدثت سميرة عواطلة زوجة عبدالله عزام والمعروفة بــ«أم محمد» عن الأدوار التقليديَّة للمرأة خلال فترة التسعينيات، باعتبارهن زوجات للمجاهدين يقمن بدور المساندة والتربية والرعاية، كما قامت بعض النساء بأعمال إغاثية، مثل توزيع المساعدات على مستشفيات النساء في مدينة ببيشاور بباكستان، وكفالة الأيتام، وإنشاء معامل الخياطة، وتنظيم بعض الدروس والحلقات للأخوات العربيات والأفغانيات. 

تطور دورها بعد مرحلة أفغانستان 
جاء التطور في دور المرأة القاعدية خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتحديدًا عام 2004 مع تأسيس «أبي مصعب الزرقاوي» فرع القاعدة في العراق، ولعب «الزرقاوي» دورًا كبيرًا في هذا النقلة النوعية؛ حيث عمل على إدماج المرأة في الأعمال القتالية وغير القتالية، متأثرًا -خلال تلك الفترة- بخطاب سامر سويلم، القائد السعودي للجهاديين العرب في أفغانستان، والذي دعا لمشاركة المرأة في الأعمال القتاليَّة في الشيشان؛ حيث تأثر «الزرقاوي» بهذا الفكر وحرص على تطبيقه في العراق.

وهناك عدة عوامل ساعدت «الزرقاوي» في تطبيق نموذج «المرأة المقاتلة»، منها تصاعد الطائفية والحرب الأهليَّة في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، واعتقال العديد من الأشخاص المنتمين للمذهب السني بموجب قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، فضلًا عن تنامي ظاهرة اعتقال النساء المنتميات للطائفة السنية؛ حيث احتجزت السلطات الأمريكية -خلال هذه الفترة- ما لا يقل عن 100 سيدة، فضلًا عن الانتهاكات التي تعرض لها بعض المحسوبات على الطائفة السنية في السجون العراقية التي كانت تشرف عليها القوات الأمريكية. 

فاستغل «الزرقاوي» هذه الحالة الثورية الرافضة للاحتلال الأمريكي من قِبَل العديد من الطوائف السنية، وعززت الانتهاكات الأمريكية للنساء والرجال المنتمين للسنة، ترسيخ مبدأ مشاركة النساء في القتال جنبًا إلى جنب مع الرجال، تطور هذا المبدأ سريعًا إلى دعوة «الزرقاوي» إلى مشاركة المرأة في العمليات الانتحارية، وأكد هذا الأمر في خطابه التحريضي الشهير بعنوان: «أينقص الدين وأنا حي؟!» بتاريخ يوليو 2005، والذي صَرخَ فيه محرضًا: «هذه رسالة إلى الحرائر من نساء الرافدين خاصة، وإلى نساء الأمة عامة أين أنتن من هذا الجهاد المبارك؟ وماذا قدمتن لهذه الأمة؟ ألا تتقين الله في أنفسكن؟ أتُربين أولادكن ليذبحوا على موائد الطواغيت؟ أرضيتن بالخنوع والقعود عن هذا الجهاد؟

حققت هذه الخطابات التي دعا فيها «الزرقاوي» المرأة قبولًا كبيرًا لدى العديد من النساء اللاتي تشجعن وشاركن في العمليات القتالية، منهن ساجدة مبارك عطروس الريشاوي من مواليد 1965، وهي عراقية جُندت للقيام بعملية انتحارية في فندق في عمان عام 2005، ولكن ألقي القبض عليها من قبل السلطات الأردنيَّة قبل تفجير حزامها الناسف.

سار على الدرب ذاته -لاحقًا- أبوعمر البغدادي، الذي تولى زعامة تنظيم القاعدة في العراق عقب مقتل «الزرقاوي» في 2006، وتم الإعلان عن أول «كتيبة استشهادية» في العراق عُرفت باسم كتيبة «الخنساء» وضمت عشرات الانتحاريات خلال الفترة من 2007 وحتى 2009، كما تشكلت كتيبة أخرى للانتحاريات في منتصف 2008 على يد «أم سلمة» زوجة «أبوعبيدة الراوي» زعيم تنظيم القاعدة في شمال العراق، ونفذت كتيبتها عمليات في ديالى وبغداد.

مقاومة التطور النوعي لدور المرأة القاعديَّة 
واجه التطور النوعي في دور المرأة من المرحلة التقليدية إلى الحديثة، مقاومةً كبيرةً من قبل ما يُسمى تيار«عبدالله عزام»، والذي يؤمن بضرورة اقتصار دورهن على الجانب الدعوي والخدمي فقط، وكانت من رواد هذا التيار أميمة حسن زوجة زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري: والتي أوضحت في رسالتها إلي «الأخوات المسلمات» عام 2009 دور المرأة في الجهاد، فقالت:«إن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولكن طريق القتال ليس سهلًا بالنسبة للمرأة، فهو يحتاج إلى مِحْرِم، لأن المرأة يجب أن يكون معها محرم في ذهابها وإيابها، ولكن علينا أن ننصر ديننا بطرق كثيرة، فنضع أنفسنا في خدمة المجاهدين، وما يطلبونه منا ننفذه، سواء إعانة بالمال أو خدمة لهم أو إمداد بمعلومات أو رأي أو مشاركة في قتال أو حتى بعمل استشهادي، دورنا الأساسي – يتركز علي أن نحفظ المجاهدين في أولادهم وبيوتهم وأسرارهم، وأن نعينهم على حسن تربية أبنائهم».

التحول الأكبر في مسيرة نساء القاعدة 
لم تلق دعوات زوجة زعيم تنظيم القاعدة قبولًا لدى شريحة واسعة من نساء القاعدة، واللاتي حرصن على لعب دور كبير لا يقل شأنًا عن دور الرجل فيما يخص القتال، وعزز هذا الأمر أبوبكر البغدادي الذي تولى زعامة تنظيم القاعدة في العراق عقب مقتل «أبوعمر البغدادي» الزعيم السابق للتنظيم في عام 2010، والذي حول اسم التنظيم فيما بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وسيطرة أنصار البغدادي على مساحات شاسعة في سوريا والعراق في أواخر عام 2014 إلى اسم تنظيم «داعش». 

وهناك عدة أمور عززت الحفاظ على المكتسبات في الأدوار التي حصلت عليها المرأة في مرحلة الزرقاوي وما بعده، منها توسع فروع «القاعدة» في العديد من البلدان العربية التي قامت بها ثورة عام 2011، منها: سوريا والعراق، واعتماد هذه التنظيمات على استراتيجية ما يسمى بأولوية محاربة «العدو القريب في الأنظمة العربية عن العدو البعيد» المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل النساء يشاركن في القتال جنبًا إلى جنب مع الرجال، لأنهن بحسب زعم التنظيم يتعرضن للانتهاكات والقتل مثلهن مثل الرجال فلابد من الدفاع عن أنفسهن، وعن قيادة التنظيم والحرص على توسعه. 

وتزامنًا مع التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الإعلام أصبحت المرأة عاملًا مهمًّا لدى التنظيمات الإرهابية للترويج لنفسها وجذب الانتباه، فاتبعت استراتيجية النساء الانتحاريات وتصوير فيديوهات لهن قبل التفجير وترويجها في وسائل الإعلام بأكبر قدر ممكن، ما يجذب أكبر قدر ممكن من التعاطف مع التنظيم، على حد ظنهن.
"