العملية العسكرية في «درنة».. تداعيات مختلفة وتحديات راهنة
الإثنين 21/مايو/2018 - 01:17 م

العملية العسكرية في «درنة
محمد الدابولي
أصبحت الأراضي الليبية موطنًا لمختلف الجماعات والتنظيمات الإرهابية، سواء المحلية أو الدولية، وهناك تقارير كثيرة تؤكد تمركز قوى لتنظيم القاعدة في ليبيا، كما أنها أصبحت الوطن البديل لتنظيم داعش بعد هزيمته في سوريا والعراق وسقوط دولة الخلافة المزعومة؛ الأمر الذي يفرض مزيدًا من التحديات أمام صانع القرار الليبي؛ من أجل مواجهة خطر التمدد الإرهابي في بلاده.
ورغم هذا الخطر فإن صناعة القرار السياسي في ليبيا مازالت منقسمة ما بين الحكومة الليبية في «طبرق» وحكومة الوفاق في «طرابلس»، وإزاء هذا الانقسام السياسي أصبحت التنظيمات الإرهابية تحظى بأماكن مُؤَمّنة في مدن «درنة»، و«فزان» و«الكفرة» والعديد من المناطق الليبية البعيدة عن أي سيطرة سياسية.
تحرير درنة
حالة الانقسام السياسي الليبي لم تمنع الحكومة الليبية في «طبرق» مواصلة هدفها في تحرير الأراضي الليبية من الجماعات والتنظيمات المتطرفة، خاصة الموجودة في «درنة»، فبعد نجاحها في تحرير «بنغازي» في يوليو من العام 2017، أطلق الجيش الليبي بقيادة المشير «خليفة حفتر» في مايو من العام 2018 عملية عسكرية جديدة شاملة؛ لتحرير «درنة» من الجماعات والتنظيمات المتطرفة، التي من أبرزها: «مجلس شورى مجاهدي درنة»، الذي يضم العديد من الجماعات الإرهابية، أبرزها تنظيم «أنصار الشريعة» المتورط في أحداث القنصلية الأمريكية في «بنغازي» في سبتمبر 2012؛ ما أدى إلى وضعه على قائمة الإرهاب الأمريكية.
حالة من الترقب المتصاعد ترافق العملية، خاصة في الأوساط المصرية، بعد تواتر الأنباء والمعلومات التي تفيد بنجاح العملية في استهداف أبرز قياديين في تنظيم «المرابطين» الإرهابي، وهما: هشام عشماوي، وعمر رفاعي، حيث تفيد الأنباء المتداولة عن تمكن «عشماوي» من الهرب، فيما أصيب «رفاعي» نتيجة الضربات.
ويُعد هشام عشماوي، أحد أبرز المطلوبين أمنيًّا في مصر، بعد تنفيذه العديد من العمليات الإرهابية ضد قوات الشرطة المصرية، كان أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم عام 2013، إضافةً إلى تنفيذ مذبحة الفرافرة عام 2014، وأخيرًا هجوم الواحات في أكتوبر 2017، كما أسس «عشماوي» عددًا من التنظيمات المتطرفة، أبرزها تنظيم «المرابطين»، المسؤول عن الهجمات الإرهابية الأخيرة في مصر، مثل هجوم الواحات.
أما عمر رفاعي؛ فهو نجل «رفاعي سرور»، أحد أبرز مُنَظِّري السلفية الجهادية في مصر، والقاضي الشرعي بتنظيم القاعدة، الذي نجح في الحفاظ على وجود التنظيم الإرهابي في ليبيا، وذلك وفقًا للأقوال التي أدلى بها الإرهابي الليبي «عبدالرحيم المسماري» حول هجوم الواحات الأخير.
ولعب عمر رفاعي دورًا كبيرًا في تشكيل الجماعات الإرهابية التكفيرية في ليبيا، مثل «مجلس شورى مجاهدي درنة»، فضلًا عن ارتباطه بـ«هشام عشماوي» مؤسس تنظيم «المرابطين»، وكذلك التحاقه بـ«كتيبة شهداء أبوسليم».
أولًا: تطورات العملية
في 7 مايو 2017 أعلن المشير خليفة حفتر، بدء العمليات العسكرية لتحرير مدينة «درنة» من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وأتى الإعلان عن بدء العمليات في الذكرى الرابعة لانطلاق «عملية الكرامة»، التي انطلقت في مايو 2014 لتحرير «بنغازي» من الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
وفي 20 مايو 2018، أعلن الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، تدمير الجيش غرفة عمليات مجلس شورى مجاهدي درنة، وهو ما يعد ضربة قاصمة للجماعات الإرهابية في بداية العملية العسكرية، قد تعجل بتحرير المدينة من تلك الميليشيات الإرهابية، فضلًا عن تواتر المعلومات عن مقتل هشام عشماوي، وعمر رفاعي.
وفي المقابل اتخذت الجماعات المتطرفة العديد من الإجراءات الهادفة؛ لمنع تقدم قوات الجيش الليبي إلى داخل المدينة، أبرزها تفجير الجسور التي تربطها بالمدن الأخرى، مثل «جسر الشلال» المشرف على المدخل الجنوبي للمدينة.
ورغم أن النجاح يلوح في أفق العملية، فإن الانقسام السياسي الليبي ألقى بظلاله الوخيمة على تطورات العملية العسكرية؛ حيث حذّر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية «فايز السراج»، في 17 مايو الجاري، من تداعيات وتبعيات العملية العسكرية، ودعا إلى وقف العمليات العسكرية وفك الحصار عن المدينة؛ حفاظًا على حياة المدنيين.
ويأتي موقف «السرّاج»، من تبعيات نجاح العمليات العسكرية في «درنة»، من أنه في حال نجاح الجيش الليبي في تحرير المدينة سيكون الشرق الليبي بالكامل تحت سيطرته، ومن ثم سوف تنتهي مسألة الانقسام الليبي، وهذا هو الهدف الأول للجيش الليبي فيما بعد.
ثانيًا: تداعيات العملية
تحمل العملية العسكرية الليبية في مدينة «درنة»، العديد من التداعيات والتبعيات المهمّة النابعة من الأهمية الجيوستراتيجية، التي تمثلها المدينة ليس في الشرق الليبي فحسب؛ بل أيضًا في المنطقة العربية والأورومتوسطية، وهو ما جعل هناك حالة من الترقب الحذر لنتائج العملية في كلٍّ من مصر ودول أوروبا، وللعملية تأثيرات محتملة تتركز في النقاط التالية:
(1) هيكلة المشهد السياسي الليبي:
من المؤكد أنه في حال نجاح العملية التي يقودها الجيش الليبي في الوقت الراهن بمدينة «درنة»؛ فإنها ستلقي بظلالها على المشهد السياسي الليبي، حيث تترقب الحكومة الليبية في «طبرق» إعلان الشرق الليبي منطقة محررة تمامًا من التنظيمات المتطرفة؛ حيث تمثل درنة «شوكة في حلق الحكومة الليبية» لتوسطها المسافة بين مدينتي طبرق (مقر الحكومة) والبيضاء (مقر البرلمان)، وتخشى الحكومة الحالية تمكن الجماعات المتطرفة في إسقاط الحكومة والجيش الليبي، وتستغل الأهمية الجيوستراتيجية لـ«درنة».
إضافة إلى ذلك فإن تحرير «درنة» المرتقب؛ سيعلي من أسهم الحكومة الليبية ومحاولاتها المستمرة في توحيد ليبيا، وإنهاء حالة التفكك والانقسام وستكون بداية لتشكيل الدولة الليبية الموحدة.
(2) تَمَتْرس الجماعات الإرهابية في الجنوب الليبي:
قد تلجأ الجماعات الإرهابية في «درنة» إلى الولوج جنوبًا؛ هربًا من الحصار المفروض على المدينة من الجيش الليبي منذ سنة؛ فضلًا عن العمليات العسكرية الدائرة حاليًّا، وهو ما يخلق أكبر تجمع إرهابي في الجنوب الليبي.
والجنوب الليبي حاليًّا زاخر بالعديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، أبرزها تنظيم «جيش الصحراء» التابع لتنظيم داعش، ومن ثم قد تلجأ الجماعات الإرهابية في «درنة» إلى الفرار لجنوب ليبيا، والتحالف مع جيش الصحراء؛ ليكونوا بذلك أكبر تجمع إرهابي في شمال أفريقيا، وهو ما يزيد من احتمالات تعرض الحدود الغربية المصرية لمزيد من الهجمات الإرهابية.
(3) الانطلاق نحو العمق الليبي:
تشكل مدينة «درنة» مدخلًا مُهمًّا نحو العمق الليبي؛ حيث الصحراء التي أصبحت مرتعًا للجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم «داعش».
(4) ترقب مصري حذر:
تراقب مصر الأوضاع في ليبيا بحذر شديد مدفوع بآمال تحقيق الجيش الليبي نجاحات مدوية في القضاء على التنظيمات المتطرفة بمدينة «درنة»؛ حيث شكلت المدينة مأوى لأحد أخطر التنظيمات الإرهابية المصرية، وهو تنظيم «المرابطين» لمؤسسه هشام عشماوي.
و«عشماوي» ورفاقه مسؤولون عن تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في الداخل المصري، مستغلين وعورة الصحراء الغربية، وضعف تأمين الحدود الغربية البالغة 1100 كم في تنفيذ كبرى الأحداث الإرهابية في مصر، مثل حادث حافلة المنيا (مايو 2017)، وحادث الواحات (أكتوبر 2017)، وحادث الفرافرة (يوليو 2014)؛ الأمر الذي دفع القوات المسلحة المصرية إلى توجيه ضربات مركزة لتمركزات تنظيم «المرابطين» في مدينة درنة.
وتراقب مصر عن كَثَب، تطورات الوضع في «درنة»، خاصة بعد تضارب المعلومات حول مصير «هشام عشماوي»، وإصابة «عمر رفاعي» في قصف للجيش الليبي لمواقع التنظيم في المدينة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ينجح الجيش الليبي في القضاء على تنظيم المرابطين وقائده هشام عشماوي؟ أم ينجح «عشماوي» في الفكاك من الضربات، واتخاذ مناطق تمركز جديدة له في الجنوب الليبي يوجه هجماته منها إلى الداخل المصري، وهو ما يعني استمرار إشعال الحدود الغربية المصرية؟
(5) ميناء درنة:
يُعد ميناء «درنة» هو بوابة إرهابيي المدينة نحو العالم الخارجي؛ حيث يتم استغلاله في تهريب الأسلحة، وإدخال المساعدات للتنظيمات الإرهابية في ليبيا؛ ففي أغسطس من العام 2017 قصفت مقاتلة ليبية قاربًا محملًا بالأسلحة في منطقة «خليج الخبطة بدرنة»، أثناء محاولته تهريب السلاح إلى الداخل.
ولذلك من أهم الآثار التي قد تترتب على نجاح العملية العسكرية بـ«درنة»، هو حرمان التنظيمات الإرهابية من أي منفذ بحري في شرق ليبيا، يتم استغلاله في التواصل مع الدول التي تؤيد وتدعم الإرهاب في ليبيا.
ثالثًا: تحديات العملية العسكرية
رغم أن العملية العسكرية التي يشنها الجيش الليبي ضد التنظيمات الإرهابية في مدينة «درنة»، مازالت في بدايتها، فإنها تواجه العديد من التحديات التي قد تؤثر على مستقبلها، ومنها على سبيل المثال:
(1) حالة الانقسام السياسي الليبي:
ألقت حالة الانقسام الليبي بظلالها على العملية؛ حيث لم تحظَ بأي دعم أو تأييد من حكومة الوفاق بقيادة «السراج»، ومطالبته بوقف العملية، وهو ما يعكس بوجود رغبة لدى البعض في استمرار الحالة الليبية كما هي.
(2) الدعم الإرهابي:
من أبرز التحديات التي قد تواجهها العملية هو تَمَتْرُس الجماعات الإرهابية كافة في الشرق والجنوب الليبي؛ للحيلولة دون سقوط المدينة، إلا أن هذا التحدي قد لا يتحقق في ظل الخلاف بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في ليبيا.
(3) ادعاءات حقوق الإنسان:
تتعرض مدينة «درنة» لحصار منذ عام تقريبًا، ومن ثم تعرض سكان المدينة للعديد من الأوضاع الإنسانية المأزومة، وهو ما قد تستغله بعض الجهات؛ من أجل الضغط على الحكومة الليبية لوقف العملية؛ لذا ينبغي الإسراع في تنفيذ العملية لتحرير المدينة أولًا، ورفع المعاناة الإنسانية ثانيًا.
(4) حظر تصدير السلاح:
يعاني الجيش الليبي حاليًّا من حظر تصدير السلاح؛ ما يقوض إمكانياته في الحرب على التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
الخاتمة
تظل الأزمة الليبية رهينة الانقسام السياسي بين الحكومة الليبية وحكومة الوفاق والوطني من ناحية، ومن ناحية أخرى تراخي المجتمع الدولي في دعم الحكومة الليبية في مواجهة الجماعات الإرهابية.
ومن المحتمل في حال نجاح الجيش الليبي في تحرير مدينة «درنة»؛ سيدفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في دعم الحكومة والجيش الليبيين، أما فيما يخص الوضع في مصر فيظل الأمر غامضًا للغاية وملتبسًا، في ظل عدم معرفة مصير «هشام عشماوي» وتنظيمه المرابطين، فلو نجح الجيش الليبي في القضاء على التنظيم سيقلل المخاطر الإرهابية في الصحراء الغربية، أما إذا نجح التنظيم في الهروب من المدينة، وتمركز في مناطق أخرى في الجنوب الليبي فإن احتمالات تعرض الحدود الغربية لمزيد من العمليات الإرهابية قائمًا ما لم يتم القضاء على التنظيم ومؤسسه.