«إخوان المغرب».. رياح السياسة وما لا تشتهي سفن الجماعة
الثلاثاء 22/مايو/2018 - 06:30 م

صورة أرشيفية
حور سامح
شأنهم شأن كل من يعاني مركبات نقص نفسية، يرون غيرهم بنظرة دونية، إنهم الإخوان، تلك الجماعة التي تضج أدبياتها بتلك النظرة الفوقية، وتزخر مؤلفاتها بمنهج الاستعلاء وفكر الأستاذية، وأينما حلوا ومهما اختلفت أماكن وجودهم، فهم يتبنون منهجًا واحدًا، لا تتبدل النظرة ولا يتغير المنهج، ولا يتحول الفكر أو يتطور.
«أنا وزير ولست مواطنًا مثلكم»، تصريح خرج على لسان الإخواني محمد يتيم، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية في الحكومة المغربية، وأحد أبرز قيادات حزب العدالة والتنمية (الذراع السياسية للإخوان في المغرب)، لتثير نبرة التعالي تلك غضب رواد التواصل الاجتماعي، وتزيد من أزمة الإخوان في المغرب.
هي نبرة استعلائيَّة ليست بجديدة على الإخوان، إذ يقول سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»: «ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي، ولا أن ندين له بالولاء، فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه، إن أولى الخطوات في طريقنا هي أن «نستعلي» على هذا المجتمع الجاهلي، وعلى قِيَمِهِ وتصوراته، وألا نعول من قيمنا وتصوراتنا قليلًا أو كثيرًا لنلتقي معه في منتصف الطريق، كلا، إننا وإياه على مفترق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله، ونفقد الطريق».
إذن هو منهج راسخ في أذهان الجماعة، قيادةً وكودارَ وأعضاءً، بل وطلائعَ حتى، أرضية مشتركة يقف عليه وينطلق منها كل أفراد الجماعة؛ لينتشروا في العالم بأوهام أستاذيتهم المزعومة.
وبالعودة إلى حزب العدالة والتنمية في المغرب، نجد أنه مر -خلال مرحلة تأسيسه- بعدد من المراحل، ولكن أهم مراحل الحزب بدأت عام 2007 والتي حصل فيها الحزب على 46 مقعدًا في البرلمان المغربي، والانتقال من مرحلة الدعوة لمرحلة السياسة، والدخول في مواجهة غير مسبوقة مع قوى داخل النظام المغربي، خلال تلك الفترة تأسس حزب الأصالة والمعاصرة الذي يُمثل تيار اليسار في المغرب، وأصبح غريمًا للعدالة والتنمية.
تعرضت جماعة الإخوان في المغرب لاختبار حقيقي، إبان اندلاع ما يُعرف بالربيع العربي في المنطقة 2011، إذ كان قبلها بثلاث سنوات تقريبًا قد انتخب عبدالإله بنكيران أمينًا عامًا في 2008 لحزب العدالة والتنمية، وكان من الشخصيات الجديدة، وهو ما أعطى ملمحًا لتغيير سياسة الحزب في المغرب والدخول في السياسة، وكان الاختبار هو مدى تفاعل الحزب مع ما يجري في تونس ومصر، وموقف الإخوان من ثورتي الدولتين الشقيقتين، وقتها انقسم الحزب في موقفه بين مؤيد ومعارض، ورفض عبدالإله بنكيران اللجوء للشارع كوسيلة احتجاجية، مبررًا ذلك بمخاطر الحراك الجماهيري، في حين شارك عدد مهمٌّ من قيادات الحزب في الاحتجاجات، مكرسين بذلك انقسامًا داخل الحزب.
وحاول النظام المغربي استيعاب الحشد الجماهيري وإقرار دستور 2011، وإجراء انتخابات برلمانية حصل خلالها حزب العدالة والتنمية على 107 مقاعد، واحتل المرتبة الأولى، والتي سمحت بتولي عبدالإله بنكيران برئاسة الحكومة.
ورغم الأثر القوي لتراجع التيار الإسلامي في مصر على جماعة الإخوان في مختلف الدول، فإن إخوان المغرب مازالوا يُحافظون على أماكنهم، ويحظى حزبهم بوجود ملحوظ على الساحة السياسية لدرجة سيطرته على الحكومة ذاتها، وقد راهنت أحزاب المعارضة على تراجع الحزب في انتخابات 2016، ولكن جاءت النتائج صادمة بفوزهم، وعلى الرغم من كثرة الاحتجاجات ضد العدالة والتنمية ورفع شعار الوقوف ضد أخونة الدولة، فإن ما يُثير الجدل ويطرح التساؤل هو الرد السياسي على تلك المظاهرات، وتحول الحزب من حزب ديني إلى سياسي ذي شعبية اجتماعية.
استطاع حزب العدالة والتنمية عبر انتخابات 2016 أن يحصل على 125 مقعدًا في البرلمان، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المغرب، وعين عبدالإله بنكيران رئيسًا للحكومة مجددًا، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
وهو ما عزز بداخل الإخوان شعور التضخم بالذات، فلم يتخلوا عن نبرة الاستعلاء التي عبرت عنها ممارساتهم السياسية، ما أدى لأزمة أنهتها رياح الملك بما لا تشتهي سفن الإخوان، إذ قام بنكيران بإقصاء عدد من القوى أثناء تشكيل الحكومة، أدى لاصطدام بنكيران بالتحالفات والأحزاب السياسية، نتج عنها اندلاع أزمة، وتعثر تشكيل الحكومة لمدة ستة أشهر لتشكيل حكومة جديدة، انتهى بإعفاء الملك لبنكيران، وتعيين سعد الدين العثماني لتشكيل الحكومة، ووقتها نتيجة الأزمة التي تسبب بها بنكيران مع القوى السياسية استدعى ذلك إبعاده عن المشهد وفصله من الحزب.
وجاء المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية في منتصف فبراير الماضي، في ظرفية حساسة للحزب لم يعرف لها مثيلًا في تاريخه؛ حيث كان التصدع الداخلي يُهدد بشق الحزب إلى نصفين، مع ارتفاع درجة التراشق السياسي والاتهامات المتبادلة ما بين تيار «محافظ» يقوده وزراء حكومة العثماني، المتشبثون بالمشاركة في الحكومة وتفادي الصدام مع الدولة والمؤسسة المَلَكية، ورفض التحول لتيار مجتمعي، باعتبار ذلك خطرًا على مستقبل الحزب، وتيار «إصلاحي» مقابل، يقوده الشباب ومعهم بنكيران، والذي يُطالب باحترام الإرادة الشعبية والانحياز لاختياراتها، مهما كلف الثمن (الذهاب للمعارضة أو إعادة الانتخابات)، وما يعنيه ذلك ضمنيًّا من إنهاء حقبة الحركة الإسلامية، وبدء حقبة جديدة بمشروع سياسي مختلف.
وكان عنوان هذا الصراع هو بين التمديد لبنكيران أمينًا عامًّا لولاية ثالثة أو انتخاب العثماني بديلًا عنه، باعتباره رئيسًا للحكومة (كان أمينًا عامًّا في الفترة ما بين 2004 و2008). أدى النقاش المستفيض حول هذا الموضوع، والذي كانت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي منصاته -رغم معارضة تيار الوزراء داخل الحزب لتحويله إلى نقاش عام ومفتوح- إلى بروز تيارين مختلفين ومتناقضين لأول مرة في تاريخ هذا الحزب، وخروج هذا التناقض إلى العلن، بين من يرى أولوية التطبيع مع الدولة (باعتبار التمديد لبنكيران يعني الصدام معها)، ومن يرى أولوية الدفاع عن الإرادة الشعبية (باعتبار بنكيران تعبيرًا عنها)، ووصل النقاش في حدته إلى مستويات لم يكن يعرفها جمهور الحزب سابقًا، وفي بعض الحالات إلى درجة التخوين المتبادل.
جاءت الانتخابات الجزئية التي أُجريت في عدد من الدوائر الانتخابية (التي صدرت أحكام قضائية بإعادة الانتخابات فيها نتيجة طعون في الحملة الانتخابية السابقة)، لتعطي مؤشرات قوية على اتجاه المزاج العام للناخبين المغاربة في المرحلة المقبلة؛ حيث سجَّلت هذه الانتخابات نسب مشاركة ضعيفة جدًّا، أشارت إلى عودة العزوف السياسي للمغاربة ومقاطعة الانتخابات كنتيجة مباشرة لموت السياسة في المغرب، مع فقدان الثقة في الفاعلين الحزبيين، وعودة الاحتجاجات إلى الشارع في عدد من المناطق المختلفة.
وكان لافتًا خسارة حزب العدالة والتنمية في عدد من المدن التي كانت تُعدُّ بمثابة معاقله الرئيسية (من بينها أكادير وسطات وتارودانت وبني ملال) وتراجع نسب التصويت له في تلك المدن، وهو ما كان قد تنبأ به كثير من المحللين الذين اعتبروا أن خذلان الحزب للإرادة الشعبية وقبوله بعملية تدجينه من طرف الدولة، سيكون له انعكاسات كبيرة على قاعدته الانتخابية ستؤدي لا محالة إلى تقهقره انتخابيًّا.
لكن قد لا يكون ذلك هو الثمن الوحيد الذي سيدفعه الحزب جرَّاء نتائج المؤتمر الوطني الثامن؛ حيث لم تنجح تلك النتائج في تهدئة الانقسام الداخلي بين تيارين متناقضين داخله، خاصة بعد ممارسات العثماني في انتخابات أعضاء الأمانة العامة، والتي وُصِفت بأنها انتقامية من خصومه الذين منعهم من عضوية الأمانة العامة، رغم تصدرهم نتائج انتخابات المجلس الوطني، إضافة إلى رفض بنكيران تولي أي مسؤولية حزبية في المرحلة المقبلة، ما يعني ضمنيًّا رفضه لمخرجات المؤتمر الثامن، ومنحها غطاءً شرعيًّا بمشاركته في الأمانة العامة أو المجلس الوطني.