«التلمساني».. مُجَدِّد «الإخوان» ومحاميها المُخادِع
الثلاثاء 22/مايو/2018 - 03:41 م
عمر عبدالفتاح عبدالقادر مصطفى التلمساني
دعاء إمام
«داهية الإخوان»، وَصْفُهُ الأشهر، فهو ذكي، طويل النفس، اكتسب هذا من خطته التي امتد أجلُها لخمسين عامًا، وأطلق عليها خطة «المشي في خطوات متوازية»، وتضمن تسلل الإخوان إلى المجتمع، من خلال التغلغل في الأنشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في النقابات والمدارس والجامعات.
ولِدَ «عمر عبدالفتاح عبدالقادر مصطفى التلمساني»، يوم 4 نوفمبر عام 1904، في حارة «حوش قدم» المصرية العريقة بحي الغورية في قلب القاهرة القديمة، وانضم لجماعة الإخوان، على يد مؤسسها حسن البنّا بشكل مباشر، في عام 1933 من القرن الماضي، حينما جلس في منزل المرشد الأول للجماعة «حسن البنّا»، بعد أن دعاه لحضور دروسه اثنان من الإخوان هما «عزت محمد حسن، وكان معاون سلخانة بشبين القناطر، والآخر محمد عبدالعال، وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر أبوزعبل»، وبايعه على السمع والطاعة، ولم يكن أحد يتصور أن هذا الشاب سيصير خليفة «البنّا» ومرشد «الإخوان» الثالث، في غضون عقدين من الزمان فقط.
تعود جذور عائلة «التلمساني» واسعة الثراء، إلى ولاية «تلمسان» شمالي غرب الجزائر، وعندما حلّ جده مصطفى عبدالقادر باشا -«والباشا هو لقب كان يُمنح للسياسيين والقادة البارزين»- على مصر، قادمًا من الجزائر، ليستقر بمنطقة الدرب الأحمر (أحد الأحياء القديمة بالقاهرة)، ويعمل بالتجارة.
وكان الباشا القادم إلى مصر، يتفاخر دائمًا بلقبه؛ لأن من منحه ذلك اللقب هو السلطان عبدالحميد الثاني، آخر خلفاء الدولة العثمانية، التي أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت من 1299 حتى 1923 بتركيا، وهو الذي اتخذه حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان عام 1928، رمزًا لإحياء الخلافة الإسلامية من خلال الجماعة.
من التخبط إلى القيادة
المتتبع لسيرة «التلمساني» في مرحلة الشباب، يُلاحظ مدى التخبط الذي عاشه؛ فلم يكن يعلم ماذا يريد، إذ بدأ في تعلم العزف على العود رغبةً منه في أن يصبح عازفًا، ثم تعمق في قراءة الشعر والأدب، وحاول كتابة أبيات شعر وأرسلها إلى الكُتّاب، الذين أقنعوه بالانصراف عن تلك الهواية؛ نظرًا لفشله في كتابة شعر جيد، وهو ما أحبط الشاب وأدخله في حالة عُزلة وانطواء.
تزوج «التلمساني» في سن الثامنة عشرة، وهو لايزال طالبًا في الثانوية العامة، وظل وفيًّا لزوجته حتى توفيت في عام 1979، وله منها أربعة أولاد «ولدان وبنتان»، وحصل على ليسانس الحقوق، واشتغل بمهنة المحاماة، حتى جاءت سنة 1933، وبهذا كان أول محامٍ يدخل جماعة الإخوان، وظل يتدرج في كادرها التنظيمي حتى عام 1954 عندما سجن للمرة الأولى، التي أعقبتها مرتان أخريان عامي 1981، و1984.
اعتُقِلَ للمرة الأولى ضمن تنظيم عام 1954، وحُكِم عليه بالسجن 25 سنة مع الشغل، لكنه خرج بعد 17 عامًا من السجن، عقب قيام الرئيس الراحل أنور السادات بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين بالمعتقلات.
تولى «التلمساني» مهامه كمرشد للجماعة في السبعينيات (1973 - 1986)، خلفًا للمرشد الثاني حسن الهضيبي (1949 - 1973)، وهذا التوقيت امتاز بقبول نسبي للجماعة؛ نظرًا لبعض الحريات التي منحها الرئيس الراحل أنور السادات للجماعة؛ لمواجهة المد اليساري الذي كان معارضًا للرئيس آنذاك، كما فتح لهم المساجد والأندية لممارسة نشاطهم الدعوي، وهو ما قابله بعض قيادات الجماعة بالرفض.
سعى المرشد الثالث للجماعة إلى تجديد الدماء والاستعانة بالشباب؛ لكي تحتوي الجماعة رؤى مغايرة للخطاب المتشدد الذي روَّجه الإخوان على مدار تاريخهم، في محاولة لإعادة بعث الجماعة المتأزمة، خاصة أن مرحلة حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، قصمت ظهر الإخوان في مرحلة الستينيات.
واستطاع أن يمد جسور الود مع وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل؛ حيث كان يقود الجماعة بالتنسيق مع الأمن، ما يَسَّرَ عليه خداع الأجهزة الأمنية، وتنفيذ خطته التي أقرتها الهيئة السياسية للإخوان، وتتضمن إنشاء مشروعات وشركات خاصة، واختراق النقابات والأحزاب السياسية، بل وَضَعَ خطة لاختراق الجيش، بحيث تكون هناك قوة تمكنه من السيطرة على الحكم، كما كان «التلمساني» أحد دعاة إحداث الفتنة الطائفية التي حدثت بين المسلمين والأقباط فيما يُعرف بـ«أحداث الزاوية الحمراء»، في يونيو 1981 في عهد «السادات».
طرح «التلمساني» على أعضاء الجماعة فكرة إنشاء حزب سياسي للإخوان، بشرط ألا يحمل اسم الجماعة؛ مقترحًا اسم حزب «الشورى»، إلا أنهم رفضوا فكرته؛ قائلين إن «البنّا» كان ضد الحزبية، فيما فضَّل آخرون ألا تتنازل الجماعة عن اسمها في الحزب الجديد.
لم يحقق «التلمساني»، أمله في إنشاء حزب «الشورى» الذي تقدم به مرتين، الأولى عام 1984 والثانية عام 1986، وهو العام نفسه الذي تُوفي فيه عن عمر يناهز 82 عامًا.
وكانت نصيحة «التلمساني» للتيار الرافض لسياسته في الجماعة، أنه يسعى لجعل الإخوان في موقف قوة، يلفتون من خلاله الأنظار لاحتوائهم والمشاركة معهم، بدلًا من التفكير في القضاء عليهم، ولذا حثَّ على ضرورة الاندماج في المجتمع، متهمًا كل من يمتنع عن قيد اسمه في دوائر الانتخابات التشريعية بأنه «مقصر»، فضلًا عن قيامه بزيارات للأحزاب الأخرى، وأبرزها حزب «التجمع» اليساري، كما زار البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
وكان انفتاحه على أحزاب اليسار وجولاته لرجال الدين المسيحي، سببًا في توافد هؤلاء على جنازته، بعد وفاته في 22 مايو 1986، التي شارك فيها وفدٌ من الكنيسة المصرية، وبعض رموز الأحزاب المعارضة وشيخ الأزهر.





