ad a b
ad ad ad

المراوغة في المساحة الضيقة.. استراتيجية طهران في التعامل مع الوساطة الأوروبية

السبت 20/يوليو/2019 - 12:54 م
المرجع
مرﭬت زكريا
طباعة

كان الملف الإيراني أحد الملفات الرئيسية على جدول أعمال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 15 يوليو 2019 في بروكسل، على خلفية التصعيد الإيراني الأمريكي في الخليج، واتهام طهران في تخريب عدد كبير من السفن في المياه الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.


 ماكرون
ماكرون
في السياق ذاته، كانت طهران حريصة على عدم رفض المساعي الأوروبية، لاسيما المبادرة الفرنسية والتي اتضحت في استقبال طهران لكبير مستشاري الرئيس الفرنسي  «إيمانويل ماكرون» خلال الأسابيع الأولي من يوليو الجاري؛ لتهدئة الأوضاع وحالة التصعيد الموجودة في إطار العلاقات الأمريكية الإيرانية.

وعليه، أشار عدد من المحللين إلى أن السلوك الإيراني المتبع مع الولايات المتحدة الأمريكية متوافق مع الأساليب التي تتبعها الدول الإقليمية في التعامل مع القوى العظمى، والتي تتمثل في الضغط من خلال الرعب النووي وتهديد مصالح القوى الكبرى، فضلًا عن تأمين بعض التنازلات التي تخدم مصالحها بشكل كبير، ويحلل المرجع- على النحو التالي- أبرز مرتكزات طهران للتعامل مع الوساطة الأوروبية من جانب، ومع الضغوط الأمريكية عليها من جانب آخر. 
أولاً: أساليب الدول الإقليمية في المراوغة نظريًّا
يُشير بعض الباحثين إلى أن الدول الإقليمية تمتلك الكثير من الاستراتيجيات التي يمكن أن تعمل على تعزيز موقفها تجاه القيود المفروضة عليها من قبل القوى الكبرى، والتي يتمثل أبرزها في الاستقلال الاقتصادي، بناء جيش قوي وقادر على حمايتها في كل الظروف، وإقامة تحالفات مع القوى العظمى المناوئة للقوى المتنازع معها، فضلًا عن القيام ببعض الأعمال التي من شأنها تعريض مصالح الخصم للخطر وإشعاره بالتهديد.

كما تعد فكرة الأمن الجماعي أو التحالف الإقليمي بين أكثر من قوة من الاستراتيجيات الهامة التي يمكن الأخذ بها في مواجهة القوى الكبرى، بما يعمل على تقييدها ورخوضها إلى مطالب القوى الإقليمية أو على الأقل أخذ مصالحها بعين الاعتبار، ومن هنا، من شأن هذه الفكرة القائمة على التوازن أن تحمي العالم من خطر الدخول في الحروب.  

ولكن من الواضح، أن هناك تراجعًا فيما يتعلق بنظرية توازن القوى وبروز قوى لما يُعرف بنظرية الهيمنة التي باتت مسيطرة على التفكير الاستراتيجي لمعظم القوى الإقليمية الموجودة سيما في منطقة الشرق الأوسط، التي تعرضت لموجات كبيرة من الفوضى إبان أحداث الربيع العربي في عام 2011، ومن شأن ذلك أن يسمح للقوى الإقليمية بالاحتفاظ بنفوذها ليس فقط في المحيط الإقليمي الموجودة فيه، بل على الصعيد العالمي.

على صعيد آخر، على القوى الإقليمية أن توازن بين المصالح طويلة وقصيرة الأجل، من حيث حجم الخطورة والمكاسب المتوقعة، أيضًا فيما يتعلق بالتحالفات مع القوى الكبرى، مع تجنب فكرة أن تصبح القوى الإقليمية مجرد تابع لقوى عظمى لا تملك حرية التصرف حتى في شؤونها الخاصة.   
ثانياً: الوساطة الأوروبية والقيادة الفرنسية
بذلت فرنسا بصفتها قائد عملية المفاوضات والوساطة الأوروبية الكثير من الجهود إبان زيارة مبعوث الرئيس «إيمانويل ماكرون» إلى طهران بعد جولات من المحادثات التي شملت عددًا لا بأس به من المسؤولين الإيرانيين بما فيهم الرئيس «حسن روحاني»؛ للتخفيف من حدة الوضع المتصاعد في الشرق الأوسط بصفة عامة والخليج العربي بصفة عامة، فضلًا عن توفير مساحة للحوار بين الطرفين الأمريكي والإيراني.

ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من قبل فرنسا، فإن كلا الطرفين - الإيراني والأمريكي- مازال متمسكًا بوجهة نظره وحقوقه التي يرى أنها مشروعة بنسبة كبيرة، وعلى الطرف الآخر أن يقبل بها كما هي، ومن هنا، اتضح أن لا نية للتنازل من قبل الطرفين. 
 ترامب
ترامب
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على موقع توتير إبَّان وجود المبعوث الفرنسي «إيمانويل بون» في طهران عزم الإدارة الأمريكية على فرض المزيد من العقوبات على الجمهورية الإسلامية، في إشارة إلى اتهامها بتخصيب اليورانيوم بشكل سري.   

في المقابل، قامت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بمحاولة السيطرة على ناقلة نفط بريطانية في الخليج، كما قوبلت زيارة رئيس الوزراء الياباني «شينزو أبي» للوساطة مع إيران باستهداف ناقلة نرويجية وأخرى يابانية في خليج عمان.

كما صرح عدد من المسئولين، بأن المبادرة الفرنسية يمكن اختصارها في مقولة «التجميد مقابل التجميد» أي دعوة إيران إلى التراجع عن القيام بالأعمال الاستفزازية وتخليها عن بعض التزاماتها التي يتمثل أبرزها في نسبة تخصيب اليورانيوم، وفي المقابل يجب على واشنطن التخفيف من بعض العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية سيما المفروضة على تصدير النفط، وقيام الدول الأوروبية بطرح الآلية المالية «إنتكس»؛ لتعويض طهران عن الخسائر الاقتصادية التي منيت بها على خلفية العقوبات الأمريكية.
ثالثا: محدودية الخيارات
اتساقًا مع الجانب النظري الذي قمنا بعرضه في السابق، تحاول طهران تضييق الخيارات أمام الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الأوروبيين، في رغبة منها لتراجع واشنطن عن قرار الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية؛ حيث اشترطت طهران وجود عدة محددات؛ حتى تستطيع العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات مع دول (5+1)، تمثل أبرزها في استبعاد الملفات الإقليمية، مثل النفوذ الإيراني في عدة دول عربية تتمثل في «العراق، سوريا، اليمن، لبنان وأخيرًا البحرين».

حيث تعتبر طهران أن النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط هو بمثابة حق مشروع لها، فضلًا عن أنه يعزز موقفها في مواجهة خصومها سيما الولايات المتحدة الأمريكية وتهديد مصالحها في المنطقة، من ناحية أخرى، يستمد النظام الإيراني نسبة كبيرة من شرعيته في الداخل من فكرة النفوذ الخارجي القائم في الفكر السياسي الشيعي على مساندة المستضعفين ومحاربة قوى الشر والاستكبار.

نتيجةً لما سبق، ترغب الجمهورية الإسلامية في حصر الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات مع القوى الغربية فيما يتعلق بالبرنامج النووي فقط دون التطرق إلى أيٍّ من الملفات الأخرى، لاسيما برنامجها الصاروخي الباليستي، في الوقت الذي تصر فيه طهران على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، خاصةً الموجة الثالثة من العقوبات والمفروضة على النفط ومشتقاته وقطاع البتروكيماويات، الذي كان يعد بمثابة ثغرة تستطيع من خلالها الجمهورية الإسلامية الحفاظ على السيولة الدولارية لديها. 

حيث أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية إلى تدهور حالة الاقتصاد الإيراني، ارتفاع معدل التضخم والبطالة، على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، ورغبة واشنطن في تضييق الخناق على كل مصادر التمويل الإيرانية، وظهر ذلك بشكل واضح مع فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على النائبين من حزب الله «أمين شري» و«محمد رعد»، بعد توجيه اتهامات لهما بـاستغلال النظام السياسي والمالي اللبناني لصالح جماعة «حزب الله» وإيران، في إشارة إلى محاولة طهران لتضييق الخناق، ليس فقط على الجمهورية الإسلامية ولكن علي الميليشيات التابعة لها أيضًا.

ختامًا: تتبع طهران ما يُعرف بسياسة «النفس الطويل» مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين؛ لتعزيز وضعها التفاوضي في حالة حدوثه؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر الممكنة؛ ما يضمن عدم المساس بنفوذها المتصاعد في المنطقة وحصر المفاوضات مع دول (5+1) فيما يتعلق بالبرنامج النووي.

من ناحية أخرى، تحاول الجمهورية الإسلامية الضغط على الأوروبيين والحفاظ على قنوات التواصل المتاحة معهم؛ لتشجيع واشنطن علي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.   


الهوامش:

1.      Choi, Insu, Small states and the balance of power, Master Thesis, Naval  Postgraduate  SchoolMonetary, California, 1995, pp 19-27, 119-123.

2.      Daniel H. Nexon, The Balance Of Power in the Balance, world politics, 2009, pp 11-14.

3.       بريطانيا، فرنسا والمانيا يدعون إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، BBC عربي، 14/7/2019، متاح على الرابط التالي http://www.bbc.com/arabic/middleeast-48985619

4.      رؤى متباينة: كيف تعاملت إيران مع الوساطة الفرنسية؟ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 15/7/2019، متاح على الرابط التالي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/4858. Macron's

5.       Iran initiative: French envoy in Tehran amid efforts to save nuclear deal, 9/7/2019, FRANCE 24, available at https://www.france24.com/en/201909076-debate-iran-nuclear-power-weapon-energy-deal-negotiations-mediator-france-macron-trump-rou

6.      Parisa Hafezi, Tuqa Khalid, Iran ratchets up tensions with higher enrichment, draws warnings, 15/7/2019, Reuters, available at https://www.reuters.com/article/us-mideast-iran-usa/iran-ratchets-up-tensions-with-higher-enrichment-draws-warnings-idUSKCN1U205V.

 

 

 
"