محطات الأزمة اليمنية وسيناريوهات حلِّها بعد اغتيال «الصماد»

دخلت الأزمة اليمنية عامها الثالث على التوالي، دون التوصُّل إلى صيغة سياسية مناسبة لحلها، أو تطور ميداني كفيل بإسقاط تنظيم الحوثي وإبعاده عن صنعاء؛ فمنذ فشل مفاوضات الكويت، صيف عام 2016، بعد تعنُّت التحالف الانقلابي وقتها «الحوثي - صالح» في كثير من النقاط، وأهمها تسليم العاصمة صنعاء، دخلت الأزمة اليمنية طور التجميد السياسي والعسكري؛ إلا أنَّها -منذ مايو 2017، وحتى اليوم- أخذت منعطفات وتعرُّجات حادة من الممكن أن تُؤثِّر ليس فقط على مستقبل الأزمة اليمنية؛ بل -أيضًا- على استقرار منطقة الشرق الأوسط كلها.
أولًا: دراما العام الأخير من الأزمة:
تصاعدت الأزمة اليمنية وأخذت أبعادًا أكثر تطرفًا خلال الفترة الأخيرة، منذ منتصف عام 2017 حتى وصلت ذروتها اليوم، بعد إعلان قوات التحالف العربي مقتل قيادات حوثية في مقر وزارة الداخلية اليمنية في عملية وصفت بـ«الصيد الثمين»، وتأتي العملية بعد أيام قليلة من اغتيال القيادي الحوثي الأبرز سياسيًّا «صالح الصماد»، وبعد شهور قليلة من تصدع تحالف «الحوثي وصالح».
لذا ينبغي أولًا إلقاء الضوء على محطات توتُّر الأزمة اليمنية منذ منتصف 2017 وحتى اليوم؛ للوقوف بشكل قطعي على أهم سيناريوهات الأزمة في المرحلة المقبلة:
الحراك الجنوبي» نحو مزيد من التفكيك:
أخذ مسؤولو الحراك الجنوبي اليمني سياسات من شأنها تعزيز الانفصالية في جنوب اليمن؛ ففي 11 مايو 2017 أُعلن عن تشكيل «مجلس انتقالي جنوبي» برئاسة «عيدروس الزبيدي»؛ لإدارة المناطق الجنوبية بعيدًا عن سيطرة الحكومة اليمنية الحالية، التي يرأسها حاليًا «أحمد بن دغر»، وتأتي خطوة تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبية في إطار الحدِّ من قدرات التحالف العربي في إنهاء الأزمة اليمنية، وهو ما استدعى تدخُّلًا سياسيًّا إماراتيًّا سعوديًّا وقتها؛ لتسكين الأزمة بعض الوقت.
ويبدو أن أنصار الحراك الجنوبي يُدرِكون جيدًا واقع السياسة اليمنية؛ حيث المراوغات السياسية المستمرة؛ لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة؛ فمؤخرًا أعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي «الزبيدي» عن نيته التعاون مع «طارق صالح» (نجل شقيق علي عبدالله صالح) والمُطالَبة بإقالة حكومة «بن دغر»؛ وذلك استثمارًا للشقاق بين «الحوثي» و«المؤتمر الشعبي العام» بعد مقتل الرئيس اليمني السابق «علي عبدالله صالح» من ناحية، ومن ناحية أخرى استثمار التقارب بين المؤتمر الشعبي العام «جناح صالح» ودول التحالف العربي بقيادة السعودية.
القطيعة مع قطر:
في يونيو 2017، اتَّخذت 4 دول عربية، هي: (السعودية، والإمارات، ومصر، والبحرين)، قرارات بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر؛ لدعمها بعض الجماعات الإرهابية، وإنهاء مشاركة قطر في عمليات التحالف العربي في اليمن.
ومن قراءة المشهد اليمني نستنتج أن التحالف العربي -حاليًا- بات أكثر استقرارًا من ذي قبل؛ ففي الفترة السابقة على المقاطعة، حاولت الدوحة تصعيد القيادات والتيارات الإسلاموية المُناصِرة لها على حساب القيادات الوطنية اليمنية؛ فدعمت حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (بزعامة علي محسن الأحمر)؛ لتولِّي دفَّة الأمور في اليمن؛ ما لقي معارضة قوية داخل صفوف التحالف العربي.
وبعد إبعاد قطر عن المشهد اليمني خفت ضوء ونجم التيارات الإسلاموية المشاركة في عمليات التحالف العربي، وإن كان هناك بعض الجيوب التي لاتزال متسقة مع السياسات القطرية، مثل: موقف وزير الداخلية اليمني «أحمد المسيري»، الذي أعلن أن الإمارات تحول دون عودة الرئيس هادي إلى اليمن.
صراع «الحوثي - صالح»:
منذ نهاية عام 2017، تفجَّر الخلاف بين طرفي الانقلاب في اليمن: «الحوثي» وحزب المؤتمر الشعبي العام (بقيادة الراحل علي عبدالله صالح)، أسفر هذا الخلاف عن المواجهة المسلحة بين الجانبين في ديسمبر 2017.
ويعود الخلاف بين الطرفين على خلفية اتهامات «صالح» لجماعة الحوثي بأنها استأثرت بالحكم في اليمن، وإبعاد رموز حزب المؤتمر الشعبي كافة من مراكز السلطة والإدارة؛ ما حدا بـ«صالح» إلى الإعلان عن فكِّ الارتباط مع الحوثيين، وإمكانية التعاون مع دول التحالف العربي، الأمر الذي لقي ترحيبًا حذرًا في صفوف التحالف العربي.
نجح «الحوثي» في استباق الأحداث وقتها، وتمَّت تصفية «صالح» جسديًّا وملاحقة أنصاره؛ ما أدَّى إلى تحولات استراتيجية في صفوف المؤتمر الشعبي العام؛ حيث توجَّه نحو تأييد التحالف العربي، كما برزت شخصيات يمنية يُعوَّل على قدراتها لحل الأزمة اليمنية، مثل: «طارق صالح»، قائد قوات الحرس الجمهوري حاليًا، وهو ما وضح في تأييد المجلس الانتقالي الجنوبي (بقيادة عيدروس الزبيدي) له؛ فإذا نجح «طارق صالح» في تأكيد دعم الحراك الجنوبي له ضد «الحوثي»؛ فإنه سيُجبِر التحالف العربي على توفير الدعم له، واعتباره الشخصية اليمنية التي من الممكن أن تقود المقاومة اليمنية لدحر تنظيم الحوثي.
فشل أُمَمِي:
تُعد «اليمن» عنوانًا صارخًا للفشل الأممي؛ بل يُمكِن اعتبارها أحد أهم أسباب الأزمة؛ فـ«جمال بن عمر»، المبعوث الأممي الأسبق، كان له الدور الكبير في تمكين تنظيم الحوثي في صنعاء والسكوت عن جرائمه المتتالية، أما المبعوث الأممي السابق «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»؛ فقد فشل هو الآخر في حل الأزمة اليمنية؛ فلم يلجأ إلى ممارسة الضغوط الكافية على «الحوثي»؛ ما أدَّى إلى استقالته، مطلع عام 2018، تحت دعوى أن تنظيم الحوثي يُعرقِل التسوية السلمية.
صراع «حوثي - حوثي»:
تُرجِّح التحليلات أنه فور التخلص من الرئيس اليمني السابق «على عبدالله صالح»؛ دبَّت الخلافات داخل المعسكر الحوثي لأسباب مختلفة، منها ما هو في إطار المنافسة الشخصية بين القيادات الحوثية؛ فاتَّضح للعيان -خلال الفترة الأخيرة- أن هناك صراعًا مكتومًا بين اثنين من أبرز القيادات الحوثية، وهما «صالح الصماد» (رئيس المجلس السياسي الأعلى حتى اغتياله)، و«محمد علي الحوثي» (رئيس اللجنة الثورية التي شُكِّلت فور الانقلاب الحوثي؛ لإدارة شؤون اليمن والعاصمة صنعاء).
وكان «الصماد» قد نجح -بعد فشل مفاوضات الكويت- في إزاحة رئيس اللجنة الثورية سياسيًّا، وتشكيل المجلس السياسي الأعلى؛ إلا أن الصراع بين الجانبين استمر وظهر للعلن في بداية العام الحالي بعد مقتل الرئيس اليمني السابق.
وحول تورُّط عناصر من جماعة الحوثي في عملية اغتيال «الصماد» يوجد العديد من الدلائل، منها على سبيل المثال:
(1) الخلاف الدائر بين «الصماد» و«محمد علي الحوثي»، وتوجيه الأخير قرارات بملاحقة عناصر تابعة للأول بتهمة الخيانة والتخابر مع «عبدالله صالح».
(2) تولية «مهدي المشاط» رئيسًا للمجلس السياسي الأعلى، ويُعَدُّ «المشاط» من الدائرة المُقرَّبة جدًّا لـ«عبدالملك الحوثي» وصهره، وهو ما يُوحِي باتجاه قوي داخل التنظيم إلى إدخال المجلس السياسي نطاق القبيلة، وليس التنظيم كما كان في عهد «الصماد».
(3) تضارُب موعد الوفاة؛ حيث أعلنت جماعة الحوثي، يوم 23 أبريل الحالي، مقتل «الصماد» يوم 19 من الشهر نفسه أثناء جولة تفقديَّة له في مدينة الحديدية؛ أي أن الإعلان جاء بعد 4 أيام من مقتله؛ ما يُوحِي بوجود تحرُّكات داخل التنظيم بإعادة تنظيم البيت الحوثي من جديد، وإعطاء المزيد من الصلاحيات للقبيلة على حساب المناصرين لها.
(4) أما السبب الأكثر أهمية فهو ما يتم تداوله حاليًّا حول أن مقتل «الصماد»؛ جاء نتيجة عملية استخباراتية قُدِّمت فيها معلومات من داخل التنظيم تُفيد بوجوده في الحديدية يوم 19 أبريل، وحدَّدَت موقعه بدقة شديدة.
ويربط البعض بين تسريب معلومة وجود «الصماد» في الحديدية، وحادثة «صالة العزاء» في صنعاء، يوم 8 أكتوبر 2016، التي تسرَّبت فيها معلومات بوجود «عبدالله صالح» بها؛ ما أدَّى إلى قصفها، ومقتل المئات.
ثانيًا: سيناريوهات ما بعد مقتل «الصماد»:
بالتأكيد سيُلقِي مقتل «عبدالله صالح» (نهاية 2017) و«الصماد» (أبريل 2018) مزيدًا من الغموض حول مستقبل الأزمة اليمنية، التي لاتزال تدور رحاها حاليًّا بين الحوثي ومن خلفه إيران، ودول التحالف العربي بقيادة السعودية؛ إلا أنه بعد القراءة السريعة للأحداث المهمة منذ مايو 2017 وحتى اليوم؛ يمكن استنتاج بعض السيناريوهات، وهي كالتالي:
1- خنق الحصار على الحوثي:
يدور هذا السيناريو على افتراض خسران جماعة الحوثي لحلفائها؛ نتيجة رغبتهم الشديدة في الاستحواذ على السلطة؛ ففي البداية خسر شركاء الانقلاب (حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح)، وأخيرًا قد يخسر التنظيم بعض أنصاره المُقرَّبين جدًّا على خلفية اغتيال «الصماد»، التي لاتزال محلَّ شك وجدل حول تورُّط عناصر مهمة من التنظيم في اغتياله.
كما يدور هذا السيناريو على افتراض آخر، هو نجاح دول التحالف في ترتيب البيت الداخلي اليمني بعد فكِّ الارتباط بين الحوثي والمؤتمر الشعبي العام؛ فنجاح التحالف في دعم «طارق صالح» سيُمكِّنه من لَمِّ شمل حزب المؤتمر الشعبي العام بأجنحته المتعددة، وفرْض حصار خانق على تنظيم الحوثي.
2- تصاعُد النِّزاع:
يقوم هذا السيناريو على الرغبة الإيرانية في إشعال منطقة الشرق الأوسط، وإجهاد الدول العربية الكبرى؛ فالصراع في اليمن هو «ترمومتر» العلاقات الإيرانية العربية (خاصة السعودية)؛ فكلما توتَّرت العلاقات اشتعلت الأزمة وتصاعد النزاع في اليمن؛ لذا نستنتج أن الحرب في اليمن لن تتوقف قريبًا، وأن استمرار إيران في دعم تنظيم الحوثي؛ يعد رغبة منها في التأثير على القرار السعودي واجتهاده، وهو ما يتضح في الهجمات الباليستية التي تشنُّها الجماعة ضد السعودية.
3- إعادة تمكين الإخوان:
يرتبط هذا السيناريو أكثر بالدور القطري في اليمن؛ من خلال دعمها لبعض التنظيمات المرتبطة بجماعة الإخوان، مثل: (حزب التجمع)؛ إلا أن هذا السيناريو مُستبعَد؛ نظرًا لعملية التحجيم التي تمارسها دول التحالف ضد أنصار قطر في اليمن.
4- التسوية السلميَّة:
يتوقف هذا السيناريو على الموقف الدولي في اليمن، ورغبة الدول الكبرى في إيقاف الحرب، خاصة بعد تعيين مبعوث أممي جديد (مارتن جريفيث)؛ فمن المُرجَّح -خلال الفترة المقبلة- أن يُقدِّم «جريفيث» لليمن خطةً للتسوية مدعومة من الأمم المتحدة وبعض الدول الكبري، يكون محورها سحب تنظيم الحوثي لقواته من صنعاء، وإجراء مرحلة انتقالية تكون جماعة الحوثي شريكًا أساسيًّا بها، ثم إجراء انتخابات يمنية عامة؛ إلا أن خطة «جريفيث» لن يُكتَب لها النجاح؛ إلا إذا حدث عليها توافق إقليمي ودولي.
وفي ظل اشتعال الأزمة، يبقى الوضع الإنساني مُتأزمًا، مُخلِّفًا انتشار المجاعات والأمراض؛ لذا يجب على التحالف العربي تبنِّي استراتيجية جديدة لحلِّ الصراع قريبًا، يكون قوامها إعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل، والدفع بالعناصر التي لديها القدرة على لَمِّ شتات القوى السياسية اليمنية، خاصة الحراك الجنوبي الذي باتت سياساته في المرحلة الأخيرة انعزالية وانفصالية، ثم توفير الدعم الكامل لتلك الجبهة السياسية الجديدة؛ حتى تتمكَّن من السيطرة على الوضع في اليمن، ومحاصرة النفوذ الحوثي، وطرده من صنعاء، وحصره في جبال صعدة.