«تصفية البغدادي».. مؤشرات تفكك «داعش» ودلالات اختفائه القريب
الخميس 20/ديسمبر/2018 - 11:32 ص

محمد أبو العيون
يرتبط الظهور المفاجئ بالانهيار السريع، وهذا ما ينطبق على تنظيم داعش الإرهابي؛ فكما فوجئ العالم عام 2014 بظهور «أبو بكر البغدادي»، وإعلانه قيام ما يُسمى بـ«دولة الخلافة»، بات الجميع مترقبًا خلال الأشهر القريبة المقبلة سماع أنباء اختفاء التنظيم الدموي الأشرس على مر التاريخ.
وخلال نهاية العام الجاري، أصبحت هناك الكثير من المؤشرات الدالة على قرب تفكك داعش كتنظيم، ومن ثمَّ اختفائه، وتحول الباقين من عناصره إلى جماعات وأفراد منخرطين في حروب عصابات فقط، وغير تابعين لأي راية تنظيمية إرهابية.
للمزيد: بإعدامات وحشية للهاربين.. «داعش» يردع عناصره خوفًا من انفراط التنظيم

البغدادي
تنظيم الفرد
عُرف داعش منذ ظهوره بـ«تنظيم الفرد»، وكان إصرار «البغدادي» منذ الوهلة الأولى على تنصيب نفسه «أميرًا» (ليس للدواعش وحدهم، بل لكل من وصفهم بـ«المؤمنين»)، دلالة واضحة على أن بقاء التنظيم مرتبط ببقاء الأمير، وهي معضلة لم تتعرض لها أي جماعة إرهابية أخرى.
وعقب هزيمة داعش، ودحره من العراق وسوريا، اهتزت صورة «البغدادي» في نفوس أتباعه، وبدأت نبرات التشكيك في زعامته تظهر على استحياء؛ إلا أنها لم تكن حينئذ ذات تأثير يُلتفت إليه، وكان هناك احتمال واحد، في حال حدوثه سيتمكن «داعش» من التغلب على معضلة «تنظيم الفرد»، وبالتالي يستمر كتنظيم، هذا الاحتمال هو تصفية «الأمير»، من قبلِ التحالف الدولي، أو قوات الحكومتين العراقية والسورية؛ ففي هذه الحالة سيصبح في نظر أتباعه «رمزًا»، ومن ثمَّ يبايعون خليفة له، ويستمرون تحت غطاء تنظيمي.
إلا أن متلازمة الظهور المفاجئ للتنظيم وارتباطها بحتمية انهياره السريع، حال بينه وبين تحقق هذا الاحتمال، وظهر بديلًا له مؤشر آخر يدل دلالة قاطعة على أن «داعش» كتنظيم، سيختفي قريبًا، وسيلجأ عناصره إلى تشكيل عصابات غير تابعة لأي راية تنظيمية إرهابية، ويتمثل هذا المؤشر في الأزمة الداخلية التي عصفت بوحدة الصف الداعشي منذ بداية سبتمبر الجاري، وجعلتهم يشككون في زعامة «البغدادي»، إضافة إلى تزايد أحجام الانشقاقات داخل التنظيم، وقد مهد لكل هذا عدة عوامل أخرى يأتي على رأسها نجاح المجتمع الدولي في تجفيف موارد التنظيم المادية.

تجفيف الموارد المادية
يجدر بنا في هذا الجانب التأكيد على أن موارد داعش المادية التي نجح من خلالها في استقطاب عناصره تتمثل في ثلاثة مصادر، أولهما: إعلانه «الخلافة المزعومة»، وقيام دولة لها فعليًا على أرض الواقع، وهو ما ساعد التنظيم على استقطاب 18% من مجموع عناصره، وفقًا للعديد من الإحصائيات.
والمورد المادي الثاني لداعش، وهو الأهم: يتمثل في الأموال الطائلة التي جناها من نهب ثروات العراق (سواء نفط أو آثار أو غيرهما)، وقت أن كان التنظيم يسيطر على مساحات من الأراضي العراقية منذ العام 2014 وحتى نهاية 2017، والمال الداعشي صنع استراتيجية إعلامية ناجحة لداعش، وهي المورد الثالث، الذي نجح من خلاله التنظيم في استقطاب 82% من العناصر المنضمة إليه (الراتب الشهري للفرد يتجاوز 500 دولار).
ويُعد نجاح المجتمع الدولي في تجفيف الموارد المادية الثلاث المشار إليها سابقًا، عاملًا رئيسيًا في تفكك داعش، وقرب اختفائه؛ فعقب هزيمته ودحره من سوريا والعراق، تبددت أوهام الخلافة، وصار «البغدادي» خليفة بلا أرض، ومن ثمَّ أدرك 18% من المبايعين له أنهم عاشوا وهمًا كبيرًا، كما أن فقدان التنظيم للأموال الطائلة التي كان يجنيها من نهب النفط والآثار، أثر بدوره على استمرار نجاح استراتيجيته الإعلامية أولًا، وثانيًا عدم مقدرته على دفع رواتب شهرية لعناصره الذين عاد غالبيتهم إلى مواطنهم الأصلية.

تفكك التنظيم
وفي هذا السياق أشارت وحدة التحليل والمتابعة بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، في دراسة صدرت اليوم الأربعاء، أن أيديولوجية داعش انتهت بالفعل، وأن خطابه المزعوم فشل، وهو ما يؤكد تفكك التنظيم وتحوله إلى جماعات وأفراد تدير حروب العصابات.
وقامت الدراسة التي أعدتها وحدة التحليل بالمرصد، على منهجية تحليل خطابات ورسائل داعش خلال السنوات الأربع الماضية، وأوضحت أن إصدارات التنظيم عبرت عن وضعه الميداني، في مرحلتين، الأولى: بدأت من عام 2014 وحتى 2016، وهي التي شهدت زخمًا وكثافة في حجم الإصدارات المرئية والمقروءة والسمعية، وقد ركزت على قضايا الجهاد والتوسع والانتشار والتمدد، وسعت إلى إظهار تنامي قوة التنظيم الميدانية والعسكرية.
والمرحلة الثانية تبدأ من عام 2017 وحتى 2018، وفيها شهد التنظيم تراجع حجم إصداراته الإعلامية متبوعًا بتراجعه الميداني وخسائره للأرض، وسعى إلى تصدير خطاب الصبر على الابتلاءات والفتن والثبات وعدم الفرار من الميدان.

مرحلة الصدمة
وأوضح المرصد، أن المرحلة الأولى لداعش عبرت عن حالة من الصدمة التي كان يعيشها عناصره، حيث أدركوا عدم امتلاكهم لمشروع اجتماعي في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، ومن ثمَّ تحولت مفاهيم التنظيم من وسائل إلى غايات، وعمل على اختزال مفهوم الجهاد في القتال الدائم ضد الجميع، فغلبت الصورة الدامية على خطابه وغاب عنه النص، وغلبت الفتوى على المشروع والفكر والاستراتيجية.
وأشار المرصد، إلى أن عام 2018 كشف بوضوح تراجع نشاط داعش الإعلامي وانحساره على مختلف الأصعدة، وخاصة على مستوى الكتابات والإصدارات المقروءة، فيما عمل التنظيم على إعادة نشر الكتيبات والمطويات القديمة، في سياق يدل على فقدانه لكوادره وموارده، كذلك عبرت إصداراته المرئية عن محاولته الحفاظ على تماسكه الذي بدا أكثر تفككًا وتخبطًا.

التخلص من «البغدادي»
وأمام تبدل الأوضاع على الأرض، وفقدان داعش لجميع موارده المادية، كان لزامًا أن تتبدل أفكار عناصر التنظيم، الذين انقسموا إلى فئتين، أولهما: عادوا إلى أوطانهم الأصلية، تأثرًا بعدم الحصول على أموال، أو بفقدان حلم الخلافة المزعوم، والفئة الثانية (وهم الأقل عددًا) ظلوا صامدين مع «البغدادي» أملًا في أن يعودوا قريبًا إلى ما كانوا عليه، وبمرور الوقت أدرك هؤلاء أن خطابات «الأمير» المبشرة بعودة إقامة الدولة المنهارة «وهم لن يتحقق»، وبالتالي بدأوا في الانقلاب وشق الصف الداخلي.
وبالإضافة إلى «وهم الخطاب الداعشي»؛ فقد أدرك الذين لم يعودوا إلى أوطانهم الأصلية، وتمسكوا في البداية بالبقاء مع «البغدادي»، أن مخاطر مواجهة الموت تحيط بهم من كل حدب وصوب، ومنبع هذه المخاطر هو بقاء «الأمير» على قيد الحياة، وهو ما جعلهم منذ بداية سبتمبر الجاري، يشككون علانية في زعامته للتنظيم، وفي ماهية تجديد البيعة له.
وفي هذا السياق كشفت وحدة التحليل التابعة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، في تقرير لها صدر في 6 سبتمبر الجاري، أن داعش يواجه أزمة داخلية تُعد الأكثر تأثيرًا والأبرز في مسار تفككه، وهذه الأزمة تتعلق بالتشكيك في زعامة أبي بكر البغدادي للتنظيم، إضافة إلى التشكيك في ماهية تجديد البيعة له.

معالجة الأزمة
هذا التشكيك في زعامة «البغدادي»، أصبح مقرونًا بإحتمالية إقدام أحد عناصر التنظيم على تصفية «الأمير»، ومن ثم يختفي داعش كتنظيم، ويتحول عناصره إلى جماعات وأفراد منخرطين في حروب عصابات فقط.
ولأن «البغدادي»، يُدرك فعليًا قوة احتمالات تعرضه لخطر التصفية الداخلية؛ فقد وجه إلى التركيز على معالجة هذه الأزمة، ولذلك أصدرت الأذرع الإعلامية لداعش، العديد من الإصدارات التي تحاول رأب الصدع وتحفظ لـ«الأمير» مكانته، كان آخرها ما أصدرته مؤسسة المرهفات الإعلامية من مطوية بعنوان: «القول الندي بصحة خلافة مولانا أبو بكر البغدادي»، وهي مطوية تسعى لتأصيل أحقية زعيم داعش في تولي الخلافة المزعومة، وهو ما يدل على وصول الصراع على زعامة التنظيم إلى ذروته.

وعن محاولات داعش إعادة تنظيم صفوفه، واستعادة نشاطه وبالأخص خلال الستة أشهر الأخيرة، أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، أنها ليست سوى تعبير عن حروب المطاريد والعصابات، خاصة بعد أن فقد التنظيم عناصره سواءً كان نتيجة أعمال القتال أو بسبب الفرار والانشقاقات، ونتيجة لضعف قدراته الإعلامية في تجنيد عناصر جديدة.
كما أشار المرصد إلى أن مستقبل داعش وعناصره بدا أكثر دراماتيكية، حيث من المتوقع تزايد أعداد الفارين والمنشقين عن التنظيم في ظل غياب استراتيجية واضحة له بعد فشل مشروعه، موضحًا أن بقايا داعش سيكون عليها الاختيار بين الانضواء تحت تنظيم القاعدة ومبايعته، أو تكوين جماعات وخلايا جديدة منفصلة ومتعددة.