ad a b
ad ad ad

توحيد الرايات.. «تحرير الشام» تُخادع من أجل البقاء في سوريا

الإثنين 12/نوفمبر/2018 - 09:58 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة

على مدار سبع سنوات من الحرب الطاحنة، ازدحمت الساحة السورية، بمئات الرايات التي رفعها عناصر الفصائل المسلحة مختلفة الإيديولوجيات؛ إلا أنه وخلال الأيام القليلة الماضية تحاول «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، كبرى الفصائل الموجودة في الشمال السوري، سن وضع جديد عن طريق فرضها قرارًا يقضي بتوحيد راية الجماعات المسلحة في ما تطلق عليه بـ«المناطق المحررة».

 


توحيد الرايات.. «تحرير

وفي وثيقة تداولتها عدة قنوات على تطبيق «تيليجرام»، نُسبت لـ«الهيئة التأسيسية» التي شكلت بموجبها «حكومة الإنقاذ» المحسوبة على «هيئة تحرير الشام»، ويرجع تاريخها إلى 30 أكتوبر الماضي، جاء بها نص القرار رقم 130، المتعلق بقرار توحيد الرايات.

 

ووفقًا لما ورد في الوثيقة؛ فإن القرار 130 نص على اعتماد العلم المعروف بـ«علم الثورة»، وهو مكون من ثلاثة ألوان: الأخضر والأبيض والأسود، مع إزالة النجمات الحمراء الثلاثة منه، واستبدالها بلفظ الشهادة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

 

ويعود استخدام العلم التقليدي بنجماته الثلاث إلى 2 نوفمبر 2011، عندما استدعاه ما يعرف بـ«الثوار» في حربهم ضد النظام السوري، وهو علم رفع لأول مرة في سوريا عام 1932، وتبدّل في حقبة الخمسينيات.

 

ورغم أن استخدام الفصائل لهذا العلم يعود إلى مبدأ النكاية في النظام، فإنه لم يلق قبولًا لدى المسلحين المعتنقين لخلفيات دينية، وعلى رأسهم كانت «هيئة تحرير الشام» التي أطلقت عليه «علم الكفر»، مفضلة استخدام رايات دوّن عليها لفظ الشهادة.

 


توحيد الرايات.. «تحرير

هجوم شرس

هذا الموقف الذي ظلت «هيئة تحرير الشام» متمسكة به، كان سببًا في نشوب هجوم شرس عليها، من قبل نشطاء، إذ اعتبروا قرارها بتوحيد العلم الذي رفضت الاعتراف به في السابق، مع إدخال بعض التعديلات عليه «نفاق وتنازل جديد».


ومن بين المهاجمين كان أحد الحسابات المتطرفة على «تويتر» لشخص يدعى «أبو النصر الشامي»، ويقول إنه يقيم في إدلب، إذ أكد أن الهيئة تتخلى عن مواقفها القديمة من حيث اعتبارها لمن كان يرفع العلم المقصود بـ«العميل والمرتد»، مشيرًا إلى أن الهيئة ترغب في التحايل على أفرادها بـ«تغيير بسيط أدخلته على العلم»، وأنها ستقبل بـ«النجمات» لاحقًا.

 

كما رفض عباس شريفة، أحد النشطاء المحسوبين على جبهة المعارضة، العلم المطروح من قبل «الهيئة»، معتبرًا أن القرار تمهيدًا لتجريم رفع العلم القديم ذي النجمات.


توحيد الرايات.. «تحرير

 رد الهيئة

وفي المقابل أوردت «هيئة تحرير الشام» ردودًا عبر حسابات قياداتها تبرر القرار، حيث كتب القيادي بالهيئة، عبد الغفور الدلاتي، في مدح الخطوة، قائلًا: إنها واعية وتجمع بين «راية الثورة»، والهوية الإسلامية في نفس الوقت.

 

وبينما يحمل هذا الرأي تراجعًا من قبل الهيئة عن إلصاقها لتهمة «الكفر» بالعلم؛ فإن الآسيف عبدالرحمن، رفض الاتهامات الموجهة لـ«الهيئة» بكونها تخلت بذلك عما يسميه «راية الله» في إشارة إلى الرايات البيضاء والسوداء المدون عليها لفظ الشهادة، قائلًا: إنه سيستمر في استخدام الرايات القديمة مع عدم رفضه للراية المذكورة في القرار.


دلالات توحيد الراية

واعتبر مناهضون لـ«تحرير الشام» من داخل إدلب، نزوح الهيئة نحو الإقرار لأول مرة بما يسمى بـ«علم الثورة»، بعدما كانت تصفه دائمًا بـ«علم الكفر والعمالة»، تخليًا عن الأطر الأساسية التي قامت عليها.

 

ويربط هؤلاء بين هذه الخطوة والتوقيت؛ إذ يعتبرون أن «الهيئة» بدأت سلسلة تنازلاتها منذ وافقت ولو ضمنيًا على اتفاق سوتشي الذي أبرم بضمانات تركية.


 وفي السياق ذاته، تقول نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن الموافقة على «سوتشي» ليست أول التنازلات التي قدمتها الهيئة، ولكنها تتبنى سياسة التنازلات كلما تعرضت لأزمة.

 

وتعود «الشيخ»، بالتاريخ إلى عام 2016، عندما أعلنت «هيئة تحرير الشام» فك ارتباطها بتنظيم القاعدة تجنبًا لأي اتهامات لها بالإرهاب، موضحةً أن الهيئة ليست لديها أزمة في التخلي عن ثوابتها طالما أن ذلك يضمن لها البقاء.


وأشارت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن زعيم الهيئة، أبومحمد الجولاني، يحاول تقديم تنظيمه ككيان مدني أو معتدل، حتى لو كان حاملًا في الأصل لفكر «القاعدة»، مؤكدةً أن «الجولاني» يبذل جهودًا لإزالة الصبغة المتطرفة عن كيانه، وتقديمه للرأي العام ككيان مدني، وذلك منذ أن استشعر رغبة روسية في حل هيئته، ويتسق ذلك مع استدعاء الهيئة للعلم الذي طالما اعتبرته معبرًا عن القوى العلمانية، متجاهلة هذه المعايير، مقابل ترسيخ الصورة المدنية عنها.

 


توحيد الرايات.. «تحرير

ورجّحت «الشيخ»، أن تكون هذه الخطوة جاءت بمباركة تركيا لغسل وجه الهيئة المتطرف وتقديمها في صبغة مدنية تتحايل بها على سوريا وروسيا، مشددةً على أن تركيا تسعى الآن إلى الإبقاء على جزء من الهيئة وباقي الفصائل عبر إعادة هيكلتهم في كيان يبدو من خارجه أنه مدني، لكنه في أساسه حامل لأفكار متشددة لا يعلن عنها، ولا شك أن أنقرة ستستفيد من هذه الخطوة في أنها ستمتص الضغوط  الروسية المصرة على تصفية الإرهابيين، وفي الوقت نفسه الإبقاء على رجالها الذين يضمنون نفوذها في سوريا.


 واستبعدت أستاذ العلوم السياسية، أن تدخل هذه الحيل على سوريا أو روسيا، مشيرة إلى أن كليهما يتابعان تلك التنازلات والحيل التي تقدمها تركيا والفصائل التابعة لها، ليذهبا في النهاية إلى الحل العسكري، قائلةً: «حيل تحرير الشام ومعها تركيا، قد تؤجل الحرب ولكنها لن تلغيها».

  للمزيد.. بحكومة ومتحدث برابطة عنق.. «تحرير الشام» ترتدى حُلّة العمل السياسي


توحيد الرايات.. «تحرير

 خطابات «الهيئة» المتناقضة

واللافت في هذا الأمر، هو أن «الهيئة» التي تتبنى توجهًا مدنيًا، تنشر بشكل متوازٍ مع هذا التوجه، عبر بعض منابرها وحسابات أفرادها، خطابًا مناقضًا يطالب بفتح ساحات الحرب ورفض اتفاق سوتشي.

 

ولم يكن ذلك وحسب، إذ وجهت الهيئة بشكل غير رسمي عبر بعض قنواتها هجومًا على تركيا، عقب عدم تعليقها على الهجوم الذي شنه النظام السوري منذ أيام على عناصر تابعة لما يُسمى بـ«جيش العزة»، معتبرةً أن تركيا تعهدت بحماية الفصائل والتدخل حال ما تحرك النظام، ومع ذلك لم تعلق على الهجوم.

 

ومن بين هذه القنوات كانت قناة عبدالغفور الدالاتي، الذي كتب «ليس هناك ضامن حقيقي سوى استمرار الجهاد ورفع التصعيد، وفتح الجبهات من جديد.. الحلول السياسية مراوغة للثعالب واستنزاف للصادقين».

 

ولم يكتف «الدالاتي» بذلك، إذ شن هجومًا على اتفاق سوتشي الذي وافقت عليه الهيئة، منتصف أكتوبر الماضي، في بيان ضمني، والتزمت بمقتضاه بنص البنود.


 يذكر أن «الهيئة» تبنت خطابًا شرسًا ضد «سوتشي» منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه، منتصف سبتمبر الماضي، حتى جاء بيان موافقتها مفاجأة.

 

وفي هذا السياق تعتبر الدكتورة نورهان الشيخ، ذلك تناقضًا مقصودًا وتعمّدًا من «الهيئة» لتقديم خطابين أحدهما تتماهي به مع السياسات التركية، وهو الخطاب الممتلئ بالتنازلات، والآخر موجه لأفرادها وتحاول من خلاله احتواءهم حتى لا ينشقوا عنها أمام كل تلك التنازلات.

 

وبرهنت «الشيخ»، على ما ذهبت إليه بالصيغة التي قدمتها «الهيئة» للعلم الذي طرحته لتوحيد الشمال السوري؛ مشيرةً إلى إن «تحرير الشام» استعانت بالعلم الذي يتناقض مع أفكارها، لتقول إنها كيان معتدل، وفي الوقت نفسه استخدمت لفظ الشهادة، لتتحايل على أفرادها وتوهمهم بأنها كيان مازال معليًا من شأن الدين.

 للمزيد .. سوريا| «تحرير الشام» تحاول تبييض وجهها بحوار صحفي.. لماذا الآن؟

"