سوريا| «تحرير الشام» تحاول تبييض وجهها بحوار صحفي.. لماذا الآن؟
الثلاثاء 06/نوفمبر/2018 - 11:15 م
سارة رشاد
منذ اللحظة الذي قرأ فيها زعيم ما يعرف بـ«هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، في العاشر من أبريل 2013، بيانًا تبرأ بمقتضاه من أي علاقة تربط تنظيمه «جبهة النصرة»، آنذاك، بتنظيم «داعش» الذي كان عمر دولته المزعومة، وقتها لا يتجاوز اليوم، بدأ «الجولاني» تبني خطابًا ناقدًا لـ«داعش»، متعمدًا من خلاله عقد مقارنات بين «النصرة» و«داعش»، محسوبة نتائجها مسبقًا، لصالح «اعتدال النصرة»، بحسب ما يريد.
أبو محمد الجولاني
خمس سنوات قضاها «الجولاني» في هذه المقارنات، لتأتي أحدث وقائعها بحوار نشرته وكالة «إباء» المنبر الإعلامي المعبر عن «تحرير الشام»، في عددها الأخير، وكان ضيفه شخصًا يدعى، عبيدة الصالح، وصّفته بـ«المتحدث باسم الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام».
وعبر فقرات الحوار الذي نوهت الوكالة إلى أجزاء تكميلية مرتقبة له، تطرق «الصالح» إلى الهيكل التنظيمي داخل الجهاز الأمني للهيئة، وآلية العمل بداخله، لاسيما تركيزه على مراجعات فكرية قال إن شرعيّ الهيئة يعقدوها للمقبوض عليهم من تنظيم «داعش».
وفي كلامه عن ذلك، قال المتحدث: «ويقسم الخوارج إلى قسمين منهم من دخل في العمل الأمني عقيدة وقسم، دخل لإشباع رغبات القتل والسلب والسرقة والاستفادة من المال، فالقسم الثاني بمجرد القبض عليه يعترف ويقر بمواقع باقي الخلايا ويدلي بالمعلومات ونسبة هؤلاء تكاد أن تكون 90 بالمائة، أما قسم العقيدة فناقشهم طلبة العلم في أصول منهج الخوارج وناظروهم ومنهم من تراجع وتاب بعد تبيان الحق وكشف المنهج الخاطئ لدى عصابة البغدادي».
«الجولاني» والاعتدال
بالنظر إلى التصريحات المنسوبة لمنشقين عن «هيئة تحرير الشام»، «النصرة سابقًا»، تبدو أغلبها متمحورة حول انتقادات موجهة لشخص الجولاني، واصفة إياه بـ الانتهازي، أو المتخبط، وأحيانًا أخرى بالوصولي.
شاهدهم على ذلك كان انشقاقه عن التنظيمات الأم بالنسبة له، بداية من «داعش» الذي تبرأ منه في 2013، و«القاعدة» التي فك ارتباطه به في 2016، إلى جانب مطاردته لشرعي التنظيم الأردنيين الرافضين لموقف الانشقاق عن «القاعدة».
على المستوى البحثي كانت لهذه التصريحات ما يدعمها، إذ قال الباحث، سعود السرحان، في دراسة صادرة نهاية 2017، بعنوان «جبهة النصرة تأكل أمَّها.. اعتقال هيئة تحرير الشام لبعض قيادات تنظيم القاعدة: الأسباب والنتائج»، انتهى فيها إلى أن «الجولاني يسعى إلى تحقيق مشروعه الشخصي الذي يختلف عن مشروع تنظيم القاعدة».
واسترسل في توضيح ماهية هذا المشروع، قائلًا: «فهو يعمل على تكوين واقع على الأرض وبناء تحالفات جديدة تضمن له ولتنظيمه دورًا في المرحلة المقبلة. وعلى غرار تجربة حزب الله، يحلم الجولاني ببناء ميليشيا قوية على الأرض، ولها تمثيلٌ سياسي مقبولٌ متحالفة مع تركيا (التي تقوم بدور إيران في هذه المعادلة)، بحيث تكون هيئة تحرير الشام مسيطرة على إدلب كسيطرة حزب الله على لبنان، وتكون ذات قوة وثقل لتنهض بدور كبير في سوريا ما بعد الحرب».
وإذ كانت القنوات المعنية بالشأن السوري، على تطبيق «تيليجرام»، تناولت في 2016 قرار الجولاني بالانفصال عن «القاعدة»، بتحليلات من قبيل إنه انفصال تكتيكي من أجل تجنب الإدراج على قوائم الإرهاب، فإن الوقت بيّن أن الانفصال كان حقيقيًّا، وسببه كما أشار الباحث السعودي، طموح الجولاني في تكوين كيان مستقل للهيئة يبدو مائل إلى الاعتدال، حتى ولو تطلب ذلك منه إعلان التبرؤ من التنظيم الأم، وحتى لو كانت أفكار الجولاني وتنظيمه في الأصل شاهدة على تشدده.
وربما ينعكس ذلك في تصريح يعود لـ2014، لـ«الجبهة»، في القلمون، غربي سوريا، إذ قالت «إن جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام على منهج واحد وإن افترقت السياسات».
وإن كانت تحركات «الجولاني» جاءت لتبييض وجه تنظيمه بعيدًا عن الكيانات المرفوضة دوليًّا «داعش» و«القاعدة»، فإنها لم تأتِ بنتائج مقبولة، إذ بقت «تحرير الشام» موصومة بالإرهاب، لاسيما قرار وزارة الخارجية الأمريكية، منتصف 2018، بإدراج الهيئة والمنظمات التابعة لها على قوائم الإرهاب، الأمر الذي أحبط كل طموحات «الجولاني».
وفي تفسيرها للقرار قالت الخارجية، إن «هيئة تحرير الشام» هي الاسم الجديد المستعار الذي أطلقته جبهة «النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، كبديل لاسمها في يناير من العام الماضي، وذلك كوسيلة لمواصلة عملها في سوريا».
ناثان سيلس
كشف الحيل
بدوره اعتبر منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية، ناثان سيلس، أن القرار يسير في اتجاه كشف أمريكا لما اعتبرته حيل «القاعدة» و«الجولاني» لإعادة تشكيل كيان لتنظيم «القاعدة» في سوريا.
وفي أواخر 2016، ذكرت الخارجية الأمريكية تصريحات مشابهة تحبط هي الآخرى خطط الجولاني، إذ أكدت أنها لن ترفع اسم «جبهة النصرة» وما يتبعها من منظمات من قائمة الإرهاب «لأن مبادئها مشابهة لتلك التي ينتهجها تنظيم القاعدة».
أردوغان
ووفقًا لما ذهبت إليه واشنطن، فإن خطط «الجولاني» لتصدير تصور إيجابي عن تنظيمه، تبدو غير مجدية بالشكل الذي حدده لها، ومن ثم يبقى السؤال، لماذا يسعى «الجولاني» الآن بالذات إلى تكرار رسائله المبيضة لوجه تنظيمه، عبر حوار أول من نوعه مع المتحدث باسم جهازه الأمني؟
يجيب عن ذلك نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، التي قالت إن «تحرير الشام» تتأهب اليوم لمرحلة ما بعد الحرب، وتسعى فيها لإيجاد مكان لها حتى لو تطلب ذلك التخلي عن أفكارها المتطرفة شكليًّا.
ولفتت إلى أن ذلك يتم بمباركة تركية، وهو ما أكده الباحث المراقب للشأن السوري، محمد فرّاجد أبو النور، الذي قال لـ«المرجع»: إن تركيا تسعى إلى تكوين كيان سياسي في شمال سوريا يضمن لها مصالحها، وهذا الكيان يتشكل الآن من الفصائل المسلحة المقربة من تركيا.
جانب من اتفاق سوتشي
ورغم استبعاده لنجاح المخطط التركي، فإنه برهن على صحته بموافقة «تحرير الشام» على اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا بشأن إدلب، رغم ما يحمله من بنود تتعلق بترك السلاح وإقامة منطقة عازلة.
وفيما يخص توقيت نشر الحوار المشار إليه، قالت نورهان الشيخ إنه يأتي ضمن خطة تتبعها «الهيئة» لمخاطبة الغرب لاسترضائه، خاصة وإنها في الحوار ردت على كل الاتهامات الموجهة إليها بأنها ترتكب جرائم ضد السكان في مدينة إدلب، إلى جانب مزايدتها على تنظيم «داعش»، وحديثها عن عقدها لجلسات تنقح أفكار أفراده.
وإذ ما كانت هذه المحاولات ستشفع لـ«تحرير الشام» بالفعل أمام الغرب، اتفق «أبو النور» و«الشيخ» على أن الأمر لا يتعلق بمدى قناعة الغرب أو رضاه عما تسعى له تركيا ومن ورائها «الهيئة»، مشيران إلى أن الأمر الآن في يد روسيا التي توقعا إنها ستلجأ في كل الأحوال إلى الحل العسكري لإبادة كل المسلحين في إدلب.
وأوضحا أن الحل العسكري يبقى قائمًا بقوة، وإن لم يكن الحل الوحيد، معتقدة من جانبها، نورهان الشيخ، إنه عقب الحل العسكري ستتخلى تركيا عن كل الفصائل في شمال سوريا وستضطر إلى التعامل مع المشهد الجديد من باب «برجماتيتها».





