ad a b
ad ad ad

أنقرة والمعادلة الصعبة.. الموقف التركي من العقوبات الأمريكيَّة على إيران

السبت 10/نوفمبر/2018 - 11:10 ص
المرجع
مصطفى صلاح
طباعة

جاء فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على طهران في الرابع من نوفمبر 2018، ليُسلط الضوء على تبعات تلك العقوبات، ليس فقط على النظام الإيراني كوحدة سياسية مستهدفة بالعقوبات، بل يمتد ليشمل العديد من الوحدات الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار لا يمكن الحديث عن العقوبات الأمريكية دون التطرق للموقف التركي من هذه العقوبات، وتداعيات تلك العقوبات على مُستقبل العلاقات «التركية – الإيرانيَّة»، من جانب، والعلاقات «التركية – الأمريكية»، من جانب آخر.

أنقرة والمعادلة الصعبة..
وتشمل العقوبات الأمريكية على طهران مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأمريكي (الدولار)، وتجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، ومعادن الجرافيت والألومنيوم والحديد والفحم؛ فضلًا عن برامج كمبيوتر تُستخدم في الصناعة، التحويلات المالية بالريال الإيراني، ونشاطات تتعلق بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني، وقطاع السيارات في إيران، ومشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن، والتحويلات المالية المُتعلقة بالنفط الإيراني، والتحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.(1)
فؤاد أوقطاي نائب
فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي
رد الفعل التركي
كان الموقف التركي واضحًا عندما أعلنت أنقرة رفضها للعقوبات الأمريكية، وصرّحت بأنها لن تُجاري واشنطن في إجراءات لا تخدم سوى مصالحها، وصرح «فؤاد أوقطاي» نائب الرئيس التركي، في الخامس من نوفمبر 2018، بأن «توقع التزام جميع الدول بقرار عقوبات وضعتها دولة ما وفقًا لمقتضيات مصالحها، هو أمرٌ لا معنى له وغير عادل».

يأتي الموقف التركي على خلفية بداية سريان العقوبات الأمريكية ودخولها حيز التنفيذ، بعدما أعلنت واشنطن نيتها السعي لتخفيض مبيعات النفط الإيراني إلى الصفر، داعية بلدان العالم للتخلي عن شرائه، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو الماضي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الأممي مع إيران، وأفاد بنية واشنطن استئناف كل العقوبات ضد إيران، وفرض عقوبات ضد الدول الأخرى التي تقوم بالأعمال الحرة في إيران أو تتعاون معها. 

وفرضت الولايات المتحدة الجزء الأول من عقوباتها على إيران في 7 أغسطس 2018، كما أن واشنطن أبلغت حلفاءها بأن يتوقفوا عن استيراد النفط الإيراني بحلول نوفمبر، وهي دعوة عارضتها أنقرة علنًا.(2)
مولود جاويش اوغلو
مولود جاويش اوغلو
يُذكر أنه عندما تم إعلان واشنطن فرض الحزمة الأولى من العقوبات على طهران، أعلن وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»، موقف تركيا من تلك العقوبات، قائلًا: «إن تركيا أبلغت المسؤولين الأمريكيين بأنها تعارض العقوبات الأمريكية على إيران وأنها ليست ملزمة بتطبيقها، وأننا لسنا مضطرين للالتزام بالعقوبات التي يفرضها بلد على آخر. ونحن لا نعتبر العقوبات صائبة أيضًا».

 وأضاف: «عقدنا اجتماعات مع الولايات المتحدة في أنقرة وأبلغناها بصراحة: تركيا تحصل على النفط والغاز من أذربيجان وإيران وروسيا والعراق. إذا لم أشتر من إيران الآن، فمن أين أسد هذه الحاجة؟».

من خلال التصريحات التركية إزاء العقوبات الأمريكية على إيران، يتضح أن تركيا تعول على ميزان تجاري بينها وبين إيران وصل إلى 10 مليارات دولار، وتسعى الحكومة التركية إلى رفعه لنحو 30 مليار دولار، كما أن تركيا عضوٌ في حلف شمال الأطلسي، وتعتمد على الاستيراد في كل احتياجاتها تقريبًا من الطاقة.

 وتُفيد بيانات من هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية بأن أنقرة اشترت في الأشهر الأربعة الأولى من العام أكثر من ثلاثة ملايين طن من النفط من إيران، أي 55 في المائة تقريبًا من إجمالي وارداتها من الخام.
أردوغان
أردوغان
وعلى الرغم من ذلك؛ فليس من الواضح في ظل أوضاعٍ مضطربة كهذه إلى أي مدى سوف يصمد الموقف التركي المناوئ للعقوبات الأمريكية على إيران، فإنه من المُحتمل أن ينقلب كليًّا ويتراجع، إذ معروف عن الرئيس التركي أردوغان اتخاذ مواقف متناقضة والتراجع عن مواقف أخرى؛ يؤشر على ذلك التقارب الأمريكي – التركي الأخير على خلفية الإفراج عن القس الأمريكي «أندرو برانسون».

وفي هذا الشأن، يدُرك «أردوغان» من خلال علاقاته مع الولايات المتحدة الحفاظ على توازن محدد؛ بحيث لا يقدم تنازلات كبرى أمام واشنطن ولا يتجه بكل أوراقه في الجانب الصيني أو الروسي.

ومن الواضح أيضًا أن واشنطن عمدت إلى استهداف العديد من حلفاء إيران الإقليميين والدوليين لتضييق الخناق حول مسارات حركة طهران الخارجية؛ ما يعرضها لضغوط عدة على المستوى القريب أو المتوسط، التي قد تدفعها إلى قبول الإملاءات الأمريكية فيما يتعلق بالملف النووي الخاص بها، ولكن هذه المرة قد تعمل واشنطن على توسيع مطالبها حول العديد من الملفات العالقة بينهم خاصة الملف السوري والدور الإيراني في المنطقة.
 الرئيس الإيراني
الرئيس الإيراني حسن روحاني
إيران والتعويل على تركيا

تمثل دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية في بلاده؛ وذلك في كلمة ألقاها أمام المسؤولين في وزارة الاقتصاد مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، اعتزام إيران الحفاظ على حجم علاقاتها مع حلفائها وخاصة تركيا.

إلى جانب تركيا؛ عبرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الشركاء في اتفاق عام 2015، إلى جانب روسيا والصين، عن «الأسف العميق» للخطوة الأمريكي، وتعهدت هذه الدول بمواصلة الوفاء بالتزاماتها المقررة في الاتفاق، وقالت إيران: إنها ستواصل التزامها بالاتفاق إذا استمرت تجني ثماره.
أنقرة والمعادلة الصعبة..
وترى تركيا أن من حق أي ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻤﺘﻼﻙ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ ﻭﺇﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﻟﻸﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ تفعله كل ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ؛ ﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﻹﻴﺭﺍﻥ كل ﺍﻟﺤﻕ ﻓﻲ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﻁﺎﻗﺔ ﻨﻭﻭﻴﺔ ﻷﻏﺭﺍﺽ ﺴﻠﻤﻴﺔ ﻭﺘﺤﺕ ﺇﺸﺭﺍﻑ ﺍﻟﻭكاﻟﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﻁﺎﻗﺔ. كما تدافع تركيا عن فكرة أن قضية البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن تحل بالقوة، وإنما بالحوار والوسائل السلمية، وتدعو إيران في الوقت ذاته إلى عدم التصعيد وإبقاء الباب دائمًا مفتوحًا للحوار.

وقد انتقدت تركيا في مناسبات عديدة تركيز الغرب على البرنامج النووي الإيراني، وأضاف وزير الخارجية التركي قائلًا: «قد تعلن دولٌ أخرى وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع هذه الدولة؛ الدولة التي تفرض العقوبات لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التي لا تنضم إليها. العالم غير قائم على هذا المنوال ولن يكون».
أنقرة والمعادلة الصعبة..
كما انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القرار «أحادي الجانب» من واشنطن المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي، كما عبر عن رفضه لقرار إعادة العقوبات على إيران، مشيرًا إلى أن إيران شريكٌ استراتيجي لتركيا مثل الولايات المتحدة وقرارات واشنطن غير ملزمة لتركيا، وشدد أردوغان على أن قطع العلاقات مع هؤلاء الشركاء الاستراتيجيين، يتعارض مع مفهوم الاستقلال الذي تتبناه تركيا.(3)

على الجانب الآخر، ومع دخول العقوبات النفطية الأمريكية الجديدة على طهران حيز التنفيذ، راجت التوقعات في شأن إمكان تراجع تركيا عن تمسكها بعلاقاتها التجارية مع إيران والتخلي عن مواصلة استيراد النفط والغاز الإيرانيين والاستعاضة عنهما بشراء كميات أكبر من النفط الروسي، تجنبًا لاستفزاز واشنطن، خاصة في ظل الملفات العالقة بين الجانبين حول دعم الأكراد والعلاقات مع روسيا خاصة العسكرية.
أنقرة والمعادلة الصعبة..
استراتيجية تركيا

من ناحيتها، تعي أنقرة أن في العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران معوقًا لمساعيها الرامية للاحتفاظ بوارداتها المتنامية من النفط الإيراني. غير أن مواقف أنقرة حيال العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران بدأت تجنح لتحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة فى عدم تعريض العلاقة مع واشنطن لمزيد من التدهور، مع عدم خسارة الحليف الإيراني أو فقدان إمداداته النفطية. فمن جهة، تشكل الاعتبارات الخاصة بأمن الطاقة التركي مسوغًا مهمًا للإصرار التركي على تحدي العقوبات النفطية الأمريكية على إيران.

إن العقوبات الأمريكية على طهران فتحت وطأة الفقر المدقع في مجال الطاقة، وعليه اتجهت أنقرة لمعالجة ذلك الخلل الذي يهدد أمن الطاقة التركي من خلال المضي قُدمًا في مسارات أربعة متوازية. أولها، السعي الدؤوب للعب دور الممر الجيواستراتيجي الآمن لخطوط نقل النفط والغاز المقترحة من بحر قزوين وروسيا وإسرائيل وإيران إلى أوروبا، بما يتيح لها توفير نصيب كبير من احتياجاتها.
 
ويتمثل ثانيها في التوسع بمشاريع الحفر والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعى برًا وبحرًا داخل البلاد وخارجها، علمًا أن استثمارات تركيا في هذا المجال زادت 10 أضعاف عمّا كانت عليه خلال عام 2002، لتصل إلى 13.3 بليون دولار، فيما بلغت عائدات التصدير 22.2 بليون دولار. 

وعمد ثالث المسارات إلى تقليص الواردات النفطية عبر إنتاج نفط اصطناعي عبر تحويل النفايات إلى وقود، وهو المشروع الذي يتوقع أن يوفر على خزينة الدولة بليوني دولار تُنفِق على استيراد النفط سنويًّا. أما المسار الرابع، فتمثَّل في تنويع تركيا مصادر وارداتها لأكثر من 90 في المئة من احتياجاتها من النفط والغاز لتشمل خمس دول هي: العراق وإيران وروسيا وأذربيجان والكويت.(4)
القس الأمريكي برانسون
القس الأمريكي برانسون
ختامًا؛ تتداخل العديد من السيناريوهات المتعلقة بالموقف التركي من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، خاصة أن تركيا ترتبط بالعديد من العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، فإيران من جهة تمثل الجار الاستراتيجي، الذي تستند إلى دوره في العديد من ملفات المنطقة، كما أن الولايات المتحدة لديها علاقات وثيقة مع تركيا، وبينهما العديد من الملفات الخلافية التي لن تسعى تركيا إلى تفاقمها، كما حدث في الفترة الأخيرة على خلفية أزمة القس الأمريكي «برانسون»، وفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، إضافة إلى ملف الأكراد الذي يُمثل لتركيا تهديد أمن قومي، وبسبب العلاقات السرية والعلنية التركية - الإيرانية فيما يتعلق بالالتفاف على العقوبات وقعت واشنطن عقوبات على إيران وتركيا فى نهاية مايو 2018، بعد أن فرضت عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، وكذلك على إيرانيين اثنين ومواطن تركي بسبب تعامله مع إيران.

إن تركيا الآن في موضع الاختيار الصعب بين قوتين إحداهما إقليمية، والأخرى دولية، وبالتالي فإن الاختيار التركي سيكون له العديد من التبعات على الجانبين الإقليمي والدولي، حال تفضيل طرف على آخر، كما أن العقوبات الأمريكية على طهران عملت على تضييق مساحة الحركة لتركيا في توسيع دوائر تحركها، ما قد يُنذر بسيناريوهات أخرى أكثر تأثيرًا في الاتجاه السلبي على التحركات التركية الخارجية.
"