حماية لمصالحها.. الصين ترفع شعار «محاربة الإرهاب»
اعتمدت الصين منذ زمن بعيد، سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،
وركزت كل جهودها على تنمية جوانبها الاقتصادية؛ إلا أن الفترة الأخيرة شهدت انحرافًا
صينيًّا بشكل تدريجي عن هذه السياسة.
فقد بدأت الصين مؤخرًا، استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن بشكل متكرر للاعتراض
على قرارات تخص الشأن السوري، إضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية خارج حدودها، ولأول مرة
في تاريخها، في جيبوتي، وأخيرًا الإعلان عن تشكيل قوات خاصة لمكافحة الإرهاب؛ بهدف
تنفيذ مهام الاقتحام داخل البلاد وخارجها لحماية مصالح بكين خارج حدودها.
كما أعلنت الصين نهاية أغسطس الماضي،
عن تدشين معسكر تدريب للقوات الأفغانية؛ بدعوى تعزيز قدرتها على «محاربة الإرهاب»؛ وذلك في ممر حدودي يربط بين البلدين، وقالت صحيفة «تشاينا مورنينغ بوست» الرسمية: إنه
من المحتمل أن يرسل الجيش الصيني المئات من عناصره، أو ربما كتيبة كاملة للمعسكر في ممر
واخان الحدودي، فور اكتماله.
من جانبها، أكدت الدكتورة نادية حلمي، خبيرة
الشؤون الصينية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، أن ثورات الربيع العربي عام
2011 أحدثت أثرًا مهمًّا لدى صناع القرار الصيني، فيما يتعلق بعلاقات بلادهم الخارجية، خاصة علاقتهم بمنطقة الشرق الأوسط؛ فالغطاء الأمني الصيني لم يكن قويًّا بالمنطقة، في
الوقت الذي اندلعت فيه تلك الثورات، مشيرةً إلى أن الصينيين لا يعترفون بمصطلح «ثورات»، وإنما يُطلقون عليها لفظ «اضطرابات»، وقد تأثرت المصالح الاقتصادية الصينية بهذه الأحداث
بشكل سلبي.
وأضافت «حلمي»، خلال كلمتها في ندوة عن
البُعد الثقافي لمبادرة الحرير الصينية ودورها في مكافحة الإرهاب، أن الصين كانت تعتمد
نظرية «الراكب المجاني» أي أنها كانت تمد مصالحها الاقتصادية حول العالم، دون تحمل
تكلفة سياسية أو أمنية مقابل ذلك، اعتمادًا على أن الولايات المتحدة تضطلع بمسؤولية
الأمن العالمي، فلم تكن بكين تلعب أي دور سياسي أو استراتيجي، وبذلك كان الوجود الأمريكي
في منطقة الشرق الأوسط يصب في مصلحتها، لكن أحداث 2011 أوضحت للصين سلبيات إهمالها
لهذا الجانب بجلاء.
وتابعت خبيرة الشؤون الصينية، أن الصين
وجدت نفسها فجأة منغمسة في صراعات الشرق الأوسط، وذلك حينما علق 40 ألف عامل صيني في
ليبيا، وعجزت بلادهم عن إجلائهم بسرعة من ساحة الصراع، واضطرت حينها للاستعانة بالحكومة
المصرية لإجلائهم، ثم لما تطور النزاع السوري انخرط 5 آلاف عنصر من مواطنيها من قومية
الإيغور في الصراع، وانضموا للتنظيمات المسلحة التي تقاتل ضد حكومة دمشق، وهكذا اهتمت
بكين بالوجود في سوريا، ولعب دور في إعادة الإعمار وغيره من الملفات.
وأشارت «حلمي»، إلى أن التطورات، السابق
ذكرها، كانت من الأسباب التي جعلت الصين تعلن عن مبادرة عالمية لضمان مصالحها حول العالم،
وضمنتها بُعدًا أمنيًّا، فطورت من مستوى التنسيق الأمني مع الحكومات العربية في سبيل
دحر الحركات الإرهابية المسلحة، بعد أن أدركت أن مصلحتها تقتضي أن يكون لها وجود أمني
في منطقة الشرق الأوسط، وفي يناير من العام 2016 أعلنت عن «وثيقة التعاون مع العالم
العربي، خاصة في المجالين الاستراتيجي والأمني»، وفي العام نفسه عقدت اتفاقية تعاون أمني
مع الحكومة المصرية، لتنسيق الجهود في مجال «مكافحة الإرهاب».
وأوضحت خبيرة الشؤون الصينية، أن الولايات
المتحدة التي ترابض قواتها في الشرق الأوسط لحماية مصالحها، وضمان استمرار تدفق النفط،
لم تقدم شيئًا لحماية المصالح الصينية حين تعرضت للتهديد إبان اندلاع ثورات الربيع العربي؛
ما جعل الساسة في بكين يعدلون من استراتيجيتهم، ويولون للجوانب الأمنية اهتمامًا أكبر،
ويتولون حماية مصالحهم بأنفسهم، لاسيما بعد توسع المصالح الصينية حول العالم.
وقد سنت الصين أول قانون لمكافحة الإرهاب
في البلاد، في 27 ديسمبر 2016، كأول قانون من نوعه، وقد أناط القانون بـ«الجهاز الوطني لمكافحة الإرهاب»، مسؤولية تحديد الأنشطة الإرهابية، وتنسيق أعمال مكافحتها على مستوى
الدولة، كما تم تأسيس ما يُعرف بـ«مركز الاستخبارات الوطني» لتنسيق الجهود الداخلية
والخارجية بشأن المخابرات والمعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب؛ ما يُشير إلى الحيز
الكبير للأمر الذي بات يشغل اهتمام قادة بكين.





