يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

هل تستخدم أمريكا «تركستان الشرقية» لتعطيل التنين الصيني؟

الأحد 21/أكتوبر/2018 - 08:50 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة

دشنت جماعات الإسلام الحركي في بداية أكتوبر الجاري، حملة عبر قنوات «تيليجرام»، للتنديد بما سموه «سياسات اضطهادية تمارسها بكين ضد مسلمي منطقة تركستان الشرقية، الواقعة شمالي غرب الصين وينتمون لقومية «الأويغور».


وتحت عنوان «أنقذوا مسلمي الأويغور»، كتب دعاة محسوبون على التيار السلفي الجهادي، رسائل مطوّلة عما وصفوه بـ«أوضاع سيئة ومجازر تمارس ضد مسلميّ تركستان المنتمين لقومية الأويغور ذات الأصول التركية».


ونشر الشرعي السوري المقرب من تنظيم «القاعدة»، عبدالرزاق المهدي، عبر قناته على «تيليجرام»، شرحًا مطولًا وضح فيه موقع تركستان الشرقية على الخريطة، وتاريخ دخول الإسلام إليها.


كما ظهرت قناة حديثة عبر تطبيق «تيليجرام» (لم تعرف الجهة المؤسسة لها) باسم «تركستان تُذبح بصمت»، تخصصت في نشر صور ومقاطع فيديو لأناس يتعرضون لتعذيب، على يد أفراد يرتدون بزات عسكرية، وقالت القناة: إنهم من الجيش الصيني.


وفي الوقت ذاته فعّلت حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي «هاشتاج» «انقذوا مسلمي الأويغور»، وتداولوا عبره مشاركات مكررة، تحرض على الصين، إضافة إلى تقديم الإعلامي الإخواني، نورالدين عبدالحافظ (مذيع بقناة «مصر 25» الإخوانية)، برنامجًا أسبوعيًا يحمل اسم: «صوت تركستان الشرقية»، تذيعه قناة «تركستان تي في»، ويستعرض فيه بخطاب عاطفي أوضاع المسلمين هناك.


الحملة التي تبدو دينية بالدرجة الأولى، لم تكن فريدة من نوعها؛ إذ سبقتها حملات شبيهة مثل تلك التي ظهرت لإنقاذ مسلمي بورما، في العام 2012، ومازالت مستمرة حتى الآن، إلى جانب حملات استعطافية تُطلق عقب كل خسارة تتعرض لها الفصائل المسلحة في سوريا.



هل تستخدم أمريكا

من هم الأويغور؟

هم السكان الأصليون لإقليم تركستان الشرقية الواقع ضمن منطقة آسيا الوسطى، ويمثلون نسبة تقارب 80% من إجمالي سكان الإقليم، وفي عام 1949 فرضت الصين سيطرتها عليه وغيرت اسمه ليصبح «شينجيانغ»، وانتهجت سياسة تهجير الصينيين إلى هناك ليتقلص عدد الأويغور في الداخل إلى 45% من إجمالي السكان.


ويتهم الأويغور بكين، باستنزاف مواردهم وممارسة سياسات اضطهادية ضدهم، ما دفع القيادي الأويغوري، حسن معصوم، في عام 1997 إلى تأسيس «الحزب الإسلامي التركستاني»، وفي البداية كان حزبًا ذا أهداف محلية، تتمثل في السعي إلى تحرير إقليم تركستان الشرقية، إلى أن انتقل إلى مرحلة ثانية أعلن فيها ولاءه لتنظيم «القاعدة» الذي حارب إلى جواره في أفغانستان.

وفي عام 2011، ومع اندلاع الحرب السورية، أرسل الحزب عددًا من عناصره للعمل في سوريا، فأسسوا في 2013 «الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا»، وهو الأمر الذي جعل الصين تتدخل في الحرب لتساند النظام السوري، معتبرة بقاء هذا الحزب في سوريا يُمثل تهديدًا لأمنها القومي.


وفي نوفمبر من العام 2017، وجّه «الحزب الإسلامي التركستاني»، أول تهديد صريح إلى الصين، وذلك حين نشر مقاطع مصورة تظهر عرضًا عسكريًا تقوم به عناصره.


وفي تقديره لعدد الأويغور الموجودين بسوريا، قال السفير السوري بالصين، الدكتور عماد مصطفى، في تصريحات لوكالة «رويترز»، نُشرت في مايو2017: إن عدد القادمين من تركستان الشرقية إلى سوريا، على مدار سنوات الحرب، بلغ 5000 صيني انضموا إلى صفوف «داعش» و«القاعدة»، مطالبًا الصين بمضاعفة دعمها للنظام السوري، قائلًا: «الصين، مثل أي بلد آخر، يجب أن تشعر بقلق شديد»، كما تطرق إلى دور تعتمد فيه بكين على النظام السوري، في الحصول على معلومات استخباراتية عن «الحزب الإسلامي التركستاني».


والحزب التركستاني وفقًا لشهادة الإرهابي السعودي، عبد الله المحيسني، هو أكثر الكيانات المسلحة في سوريا تنظيمًا، ولا يعرف العودة إلى الوراء، وربما لهذا السبب هو ضمن كيانات قليلة داخل إدلب رافضة للاتفاق «الروسي - التركي»، الذي أبرم في 17 من سبتمبر الماضي، بمنتجع سوتشي الروسي.


ويزعج هذا الرفض «هيئة تحرير الشام»، التي وافقت مؤخرًا على اتفاق سوتشي، باعتبار أن الحزب هو أحد الكيانات القوية العاملة إلى جانب صفوف الهيئة، وكان سببًا مهمًا في بسطها نفوذها على أغلب المناطق الشمالية، ولذا فإن رفضه للاتفاق يُمثل إحراجًا  لـ«تحرير الشام».


وتوقع الباحث في الشأن الروسي، محمد فراج أبوالنور، أن يكون الغرض من تدشين حملة «انقذوا مسلمي الأويغور»، هو سحب المتطرفين الأويغور من سوريا وإعادتهم إلى إقليمهم، متوقعًا أن تكون هذه الحملة أكثر إلحاحًا بعد رفض الحزب التركستاني للاتفاق الذي تتبناه تركيا، وتسعى من خلاله أنقرة لتهيئة المشهد في إدلب بعيدًا عن أي عمل عسكري.


ولفت «أبو النور»، إلى أن «الحزب الإسلامي التركستاني» يمثل عقبة أمام المصالح التركية في إدلب، معتبرًا أن أمام «أنقرة» حلًا من اثنين؛ إما أن تقنع عناصره عبر هذه الحملة بالعودة إلى إقليمهم، أو تتحمل عواقب الدخول في عمل عسكري ضده.


وأكد الباحث في الشأن الروسي، أن لحملة «أنقذوا مسلمي الأويغور» بعدًا أمريكيًا، موضحًا: «واشنطن الآن، وعقب سيطرة النظام السوري على أغلب المدن والمحافظات السورية، تتبنى سياسة نقل الإرهابيين من سوريا إلى بلدانهم أو الأقاليم التي تسعى لاستهدافها ولها فيها مصالح».

هل تستخدم أمريكا

تركستان جيوسياسيًا؟

وتابع «أبو النور»، أن تركستان الشرقية ذات أهمية جيوسياسية كبيرة لأمريكا، فقد كانت أولى المناطق التي أقامت فيها واشنطن سفارة بعد موسكو، عقب سقوط الاتحاد السوفييتي، وتملك أمريكا بها قاعدة عسكرية، قائلًا: «أتوقع في ضوء التصعيد «الصيني - الأمريكي»، زيادة أهمية الإقليم الواقع شمال غرب الصين بالنسبة لأمريكا، كما أن استرداد تركستان لعناصرها الموجودين في سوريا يعني مزيدًا من العمليات الإرهابية ضد الصين».


وتوقع الباحث في الشأن الروسي، أن تكون هذه الرؤية الأمريكية مدعومة من قبل تركيا وقطر، خاصة أنهم يدفعون بقوة باتجاه إخراج التركستانيين من سوريا، مشيرًا إلى أن الدولتين تورطتا في حملات استعطاف لدعم مسلمي بورما ونتج عنها استجابة بعض الإرهابيين بالانتقال إلى هناك بالفعل.



هل تستخدم أمريكا

طموحات بكين الاقتصادية

وتمثل تركستان الشرقية إحدى المناطق المهمة بالنسبة للطموحات الاقتصادية الصينية، إذ تراهن الصين على إحياء طريق الحرير الذي يمر من الإقليم، لفتح تواصل تجاري مع أوروبا، وأي يوجود إرهابي بها يعني عرقلة هذه الطموحات.


وإلى جانب الصين، فهناك روسيا التي أكد «أبو النور»، أنها تدرك الرغبة الأمريكية في إعادة الإرهابيين الشيشان والقوقاز إليها، مشيرًا إلى أنه لهذا السبب لن ترضى الصين أو روسيا إلا بتصفية الإرهابيين الموجودين في إدلب، محبطين كل المساعي التركية والأمريكية لتصديرهم إلى بلدانهم.


ويرى الباحث في الشأن الروسي، أن الحل العسكري في إدلب مازال قائمًا بقوة، وإن كان ضمن سيناريوهات أخرى مطروحة، تتوقف مدى واقعيتها على تطورات المشهد هناك، مشددًا على أن ذلك يكشف عن تناقض بين المصالح الروسية والتركية في إدلب وإن جمعهما اتفاق سوتشي، مشيرًا إلى أنهما يدركان أن ثمة صدامًا قد يحدث في النهاية.


وبرهن «أبو النور»، على رؤيته بأن اتفاق سوتشي لم يتطرق إلى آلية التعامل مع الإرهابيين سواء بالسماح لهم بالخروج أو التصفية النهائية، مؤكدًا أن هذا التجاهل يُعد نقطة جوهرية، لأنه يعني أن هناك خلافًا في الرؤى مازال قائمًا بين روسيا وتركيا على كيفية التعامل مع المسلحين.


وتوقع الباحث في الشأن الروسي، أن تستند تركيا في تمسكها بمصالحها مقابل الرؤية الروسية، على العلاقات «التركية - الأمريكية» التي تحسنت مؤخرًا، على خلفية قضية الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وتسليم القس الأمريكي أندرو برونسون.

هل تستخدم أمريكا

كيان سياسي بأفكار متطرفة

وأكد «أبوالنور»، أن رؤية تركيا بخصوص المشهد النهائي في إدلب، هو أن تسمح لأغلب المسلحين بالتسلل إلى دولهم أو المناطق ذات الأقلية المسلمة والتي ترغب أمريكا في إشعالها، مع الاحتفاظ بعدد منهم يخلع عنه الحلّة المتطرفة، ويلتزم بالعمل داخل كيان سياسي تقوم أنقرة الآن على تدشينه.


واستبعد الباحث في الشأن الروسي، الاحتمال القائل بأن تركيا قد تتعهد بتسليم حكومات الدول المختلفة الإرهابيين العاملين تحت يدها، مشيرًا إلى أن أنقرة كونت منذ اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربي» قاعدة لها في أوساط الإسلام الحركي، وأن تسليم الإرهابيين إلى دولهم يعني اهتزاز صورتها لدى الجماعات المتطرفة، وهو الشيء الذي لن تضحي به.

للمزيد..  مسلمو الإيغور.. هدف السلفيين السهل لنشر التطرف في الصين

للمزيد.. بين مكافحة الإرهاب والقمع.. ملف الإيغور ينغِّص العلاقات الأمريكية الصينية

"