يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«الإيجور».. بين القمع والحاجة إلى الاحتواء السياسي

الجمعة 24/أغسطس/2018 - 05:35 م
المرجع
محمود رشدي
طباعة
في الوقت الذي يعاني منه العالم من تاثير الإرهاب، ويبذل قصارى الجهد في محاولة لانحسار العمليات الإرهابية، تأتي الصين لتتخذ إجراءات يصفها البعض بأنها سلطوية ضد أقلية الإيجور. 

الأيجور الذين يعيشون فى مقاطعة شينجيانغ بشمال غرب الصين هم جماعة مسلمة تركية، تتراوح سجالات العداء ما بينها وما بين الحكومة المركزية في بكين، من حيث اختلاف القيم السائدة في الإقليم عنها في بكين، بجانب التطلع للحصول على حكم ذاتي أو الانفصال عن الصين كليًّا.

«الإيجور».. بين القمع
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ارتبط الأيجور بسلسلة من الحوادث العنيفة التي وصفتها الحكومة الصينية بأنها حالات للإرهاب، في عام 2009، اندلعت أحداث شغب رئيسية في أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، وأودت بحياة أكثر من 200 مدني (معظمهم من الهان الصينيين ذوى الأكثرية). في مايو 2014، تم تفجير قنابل في محطة أورومتشي للسكك الحديدية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصًا.

وفي مارس 2015، قتل مهاجمون من الأيجور الذين يستخدمون الأسلحة البيضاء 29 مدنيًا في محطة كونمينغ للسكك الحديدية في مقاطعة يونان البعيدة، ما يشير إلى أن التهديد الأمني للدولة الصينية والمجتمع الذي يشكله الأيجور ينتشر الآن خارج شينجيانغ.

 ماو تسي تونغ
ماو تسي تونغ
الجذور التاريخية
قبل أن تصبح شينجيانغ جزءًا من الصين، كانت دولة مستقلة تعرف باسم جمهورية تركستان الشرقية، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ونجحت جمهورية تركستان الشرقية مرتين في تحرير أجزاء من أراضيها من جمهورية الصين قبل أن تنضم إلى الجيش الجمهوري الشعبي في عام 1949، وقد أعيدت تسمية المنطقة باسم منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الإيجور في ظل حكم الرئيس ماو تسي تونغ في عام 1955. 

يقع شينجيانغ في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، يحده منغوليا وروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأفغانستان وباكستان والهند، ووفقًا لتعداد عام 2010، يشكل الأيجور 46 في المائة، ويمثل الهان الصينيين 40 في المائة من مجموع سكان شينجيانغ، أما الباقون فهم من مجموعات الأقليات مثل الكازاخستانية والهوي والطاجيك والقرغيز والمغول والروس، هذا بحسب دراسة لجنة حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

«الإيجور».. بين القمع

مثل هذه الأزمات تبرز معضلة تواجه الصين ضد الأقليات التي تقطن بها وعلى رأسها الإيجور، وقد نشرت بعض المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تقارير عن التعامل الصيني مع أقلية الإيجور والتي يصفها البعض بـ«القمعية» ومن تلك السياسات: منع بعض الإيجور من تأدية فريضة الصيام بشهر رمضان، بالإضافة إلى حظر آخر للحجاب العام بين نساء الإيجور واللحى الطويلة بين الرجال الإيجوريين، تظهر مدى تحامّل الدولة الصينية في التعامل مع الإسلام كدين، حسبما أشار تقرير منظمة هيومن رايتس المعني بحقوق الإنسان بإقليم التبت في الصين.

علاوة على ذلك، يحتاج المصلون من الإيجور التسجيل الإجباري في أقرب مراكز الشرطة لتأدية صلواتهم اليومية أو الأسبوعية، بحسب تقرير لمجلة «الإيكونوميست»، وأصدرت السلطات الصينية تعليمات صارمة للسكان المحليين بعدم إعطاء 29 اسمًا إسلاميًا لأبنائهم، حتى داخل المساجد، تجري دروسًا حول صناعة الشيوعي الجيد.
«الإيجور».. بين القمع

ولمثل تلك السياسات أن تخلق جيلًا متطرفًا من مسلمي الإيجور الذين ينفثون عن غضبهم بين الحين والآخر بعمليات تفجيرية داخل الإقليم نفسه، أو خارجه، وعلى الرغم من ذلك تظل الأغلبية من الإيجور ترفض السياسات العنيفة ضد اضطهاد الحكومة الصينية ومحاولتها تغيير الإقليم ديمجرافيًا.

من ناحية قاطني الإقليم، تزداد مخاوف الإيجور من سياسة التغيير الديمجرافي التي تتبعها الصين بإلاقليم، وبالتالي صعوبة المحافظة على الثقافة التقليدية السائدة به أمام موجة الهجرة الداخلية الكثيفة التي شهدت وصول أكثر من 1.2 مليون من المستوطنين الصينيين إلى المنطقة خلال العقد المنصرم، ويرغب الكثير من الإيجور في حكم ذاتي أوسع مما هو موجود حاليًا. وبعضهم يرغب في إقامة دولة مستقلة.

ويتعرض الإيجور للمضايقات في حياتهم اليومية إذ من المحظور عليهم تمامًا، في مؤسسات الدولة بما فيها المدارس، الاحتفال في أيام عطلهم الدينية أو دراسة النصوص الدينية أو أن يظهر الشخص دينه من خلال مظهر شخصي ما، فالحكومة الصينية هي التي تختار من يمكن أن يصبح رجل دين، وما النسخة المقبولة من القرآن، وأين يمكن أن تعقد التجمعات الدينية، وماذا يمكن أن يقال فيها، حسبما أشارت «هيومن رايتس». 
«الإيجور».. بين القمع

الحرب السورية
في فبراير لعام 2015، أظهر شريط فيديو لتنظيم «داعش»، مقاتلين من الإيجور تعهدوا بالعودة إلى الصين وإسالة أنهار دماء، في أول تهديد مباشر من التنظيم لأهداف صينية.

وعقب تصاعد تنظيم «داعش» في سوريا في أواخر عام 2014، لجأ بعض أفراد حزب تركستان الشرقية إلى الانضمام للتنظيم، وهذا حسبما وثقته فيديو لداعش نشر في فبراير لعام 2015، والذي هدد فيه مقاتلي الإيجور الحكومة الصينية، بالعودة لإقليم شينجيانج، لإقامة ولاية إسلامية منفصلة عن الدولة المركزية في بكين، وذلك حسبما نشره تقرير 2018 لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ. 

وعليه، فشددت الحكومة الصينية من قبضتها الحديدية على الإقليم بوسائل أخرى أكثر قمعية، وخشيت من عودة مقاتلى الإيجور وتهديد الأمن القومي الصيني، كما هدد المقاتلون الأجانب الأمن الأوروبي. 

وختامًا، نرى أن السياسة الصينية في تعاملها مع مسلمى شينجيانغ أحد دوافع تصاعد نزعة التطرف والإرهاب لدى بعض مواطنى الإقليم، واللجوء إلى تنظيمات إرهابية لأجل ممارسة أعمال إرهابية ضد الدولة التي تتنهج سياسات قمعية ضد مواطنيها. 

فالعنف لا يولد إلا العنف، وينبغي أن تتبع سياسات أخرى أكثر احتواء، وانتهاج سياسات أخرى لتلبية احتياجات الإقليم، والبعد عن سياسة العنف والترهيب لسياسة التمكين، والاستمرار في الأساليب القمعية سيخلق المزيد من الإرهابيين في جنوب شرق آسيا، الأمر الذي قد ينتج عنه تحول وجهة الإرهابيين إلى تلك المنطقة. 

"