يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

التوترات السياسية.. وسيلة «الإخوان» للنخر في عظام الدولة الأوكرانية

الأربعاء 10/أكتوبر/2018 - 09:40 ص
المرجع
نهلة عبدالمنعم
طباعة

يواصل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، تمديد نقاط تمركزه على خريطة العالم، ويلتمس في سبيل ذلك الملاذات الآمنة والمعاقل المواتية، والتي وجدها متوفرة حديثًا على سبيل المثال في الدولة الأوكرانية (ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية وإحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتى المفكك)، ليستثمرها كنقطة استراتيجية لوجوده بالقارة العجوز.


تدفع أدبيات الإخوان نحو التسليم بالانتقائية الممنهجة، فاختيارهم الماضي لألمانيا كنقطة انطلاق لأنشطتهم لم تكن عبثية بل مبنية على عدم توافق بين السلطتين المصرية والألمانية، إبان الهروب الكبير للجماعة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبالتبعية فإن الجماعة لاتزال تستخدم نفس الاستراتيجية لتمركز معاقلها بأوروبا.


ويرجع تموضع الجماعة في أوكرانيا لعدد من العوامل المحددة أهمها، الاضطراب السياسي والنعرات الانفصالية التي تفتك بالبلد، فبعد استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي وإعلانها دولة مستقلة في عام 1991، انقسم المنفصلون حديثًا إلى تيارين متناقضين، الأول يحن للماضي ويهتف برخاء الاتحاد الروسي، فيما يدعو الآخر للحرية الأوروبية.


وعليه احتدم الصراع بين التيارين ليصل أوجه في 2014، وبعدها تدخلت روسيا في البلاد عسكريًّا لحماية الموالين لها عن طريق ضم شبه جزيرة القرم لسيادتها مرة أخرى، كما أقدمت منطقتان على إعلان الانفصال عن أوكرانيا وهما جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوجانسك المواليتين أيضًا لروسيا.

التوترات السياسية..

 سمات وجودية

الفصل الأبرز في هذه القضية يتعلق بالانتفاع الإخواني من كل تلك الأحداث، فقد يعتقد البعض بأن الجماعة استفادت فقط من الاضطرابات السياسية لتدعيم وجودها، ولكن الحقيقة أن تلك البيئة الأوكرانية أصبغت الوجود الإخواني هناك ببعض السمات الخاصة.

 اقرأ أيضًا: عندما يولد الإرهاب من رحم الصراعات السياسية.. أوكرانيا نموذجًا

وبرغم اتصاف التوغل الإخواني في البلاد بـ«الحداثة»، نظرًا للاستقلال القريب للدولة، فهناك سمة أولى تؤثر على هذا المتغير ألا وهي مسلمو القرم، الذين عادوا لبلادهم مع الاستقلال، بعد ترحيلهم قسريًا على يد الدب الروسي في الماضي على خلفية اتهامهم بالتعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.


وبالاستناد إلى الإحصائيات الرسمية التي تؤكد أن غالبية مسلمي أوكرانيا الذين لا يتجاوزون المليون شخص هم من تتار القرم، وبالربط بين ذلك والهيمنة الموكلة لتتاري القرم على مؤسسات الجماعة بالبلاد، يتضح ماهية الاستغلال الإخواني للأقلية التي عانت من الاضطهاد قديمًا وتتظاهر الجماعة باحتضانها.


كما أن هذا الموقف يحمل في طياته عداء تحت الرماد لروسيا ، فهي تؤجج الخلاف بين تتار القرم ، والدب الروسي المهيمن حاليًا على جزيرتهم الأصلية، ومن ناحية أخرى تتفادى تصاعد النفوذ الروسي في البلاد، هذا النفوذ الذي يعاديها وأعلنها من قبل جماعة إرهابية.

التوترات السياسية..

السمة الثانية

وهذا ينقلنا إلى السمة الثانية التي يتصف بها الوجود الإخواني في أوكرانيا وهي «المشاركة السياسية»، فالجماعة لا تكتفى بالعمل الدعوي الذي تدعي أنه رسالتها، بل تستغل الأوضاع لتأليب الرأي العام بما يخدم مصالحها، حيث اشتركت الجماعة في اضطرابات عام 2014، واختارت دعم التيار الموالي للاتحاد الأوروبي، على حساب روسيا.


وقدمت ذلك الدعم بشكل واضح من خلال بيان رسمي أطلقته آنذاك وادعت تعرض المحتجين للقمع، كما تظاهرت بدعم الحرية وساندت المتظاهرين ضد الرئيس «فيكتور يانوكوفيتش»، الذي عُزل في أعقاب تلك الثورة على خلفية اتهامه بالموالاة لروسيا.


وتلك الاستراتيجية ليست في واقعها لدعم الدولة الأوكرانية بل خوفًا من السطوة الروسية، فالاندماج السياسي للجماعة ينطوي على معركة وجودية وليس معادلة قيمية كما تدعي.


السمة الثالثة

وبالتالي ساهم ذلك في إصباغ الجماعة بالصفة الثالثة، وهي «التقبل الرسمي»، فالحكومة الموجودة حاليًا بالبلاد تجد في الجماعة حليفًا متوافق الأهداف، ومن الشواهد على ذلك قيام السلطات الأوكرانية في 30 نوفمبر 2010 ، بتكريم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا(FIOE) على جهوده في خدمة المجتمع وتثقيف المواطنين، بالإضافة إلى الثناء على المؤسسات التي يرعاها التنظيم في البلاد.


وبالإضافة إلى ذلك، قدمت الدولة الأوكرانية في 1 أكتوبر 2018، عن طريق وزارة الثقافة دعوة رسمية لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا وفرعه بأوكرانيا المعروف بـ«الرائد» للمشاركة في النسخة الخامسة من «مهرجان الأديان والثقافات» الذي نظمته الوزارة بالاشتراك مع الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا «أمة».

اقرأ أيضًا: الاضطراب السياسي في «أوكرانيا» يجذب قطر والجماعات الإرهابية

التوترات السياسية..

مؤسسات الجماعة

بالطبع ساهمت الأوضاع سالفة الذكر في انتشار مؤسسات الجماعة في البلاد، وأهمها المركز الرئيسي الذي يمثل رسميًّا اتحاد المنظمات (FIOE) المعروف اختصارًا بـ«الرائد» والذي يتخذ من العاصمة كييف مقرًا له وذلك منذ فبراير 1997 أي بعد ستة أعوام من استقلال أوكرانيا، إذ يمثل هذا الاتحاد جميع أهداف الجماعة ويرأسه «سيران عريفوف» وهو أوكراني الأصل تعود جذور آبائه إلى تتار القرم التي عادوا إليها مجددًا بعد الاستقلال وهو من مواليد ضاحية «نوفوروسيسك» بروسيا عام 1979.


وتجدر الإشارة إلى عدم اكتفاء المركز بفرعه الرئيسي بالعاصمة، لكنه أسس له فروعًا أخرى تنتشر في البلاد، مثل مدينة فينيتسيا التي يرعى بها التنظيم المركز الثقافي الإسلامي، وجمعية الإسراء، وفي مدينة «خاركوف» يوجد فرع آخر للمركز الثقافي الإسلامي إلى جانب جمعية المنار، ومن المناطق الأخرى التي تشهد وجودًا لجمعيات الإخوان هي مدينة «أوديسا» والتي تحتضن أحد فروع  المركز الثقافي الإسلامي وجمعية «المسار»، وإلى جانب ذلك تنتشر فروع  المركز الثقافي الإسلامي في كلٍ من «دنيبروبيترفسك، ومدينة زوبوريجا، وسومي، ولفيف».


وتتضمن تلك المراكز وجود مساجد ومدارس تعليمية باللغة العربية، وساحات لممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية ومكتبات وقاعات للندوات فهي ليست أماكن للصلاة فقط.


علاوة على ذلك، يرعى «اتحاد المنظمات الاجتماعية» بعض المراكز والهيئات الأخرى وهي جمعية الهدى في مدينة يلطافا، وجمعية الأمل في مدينة دونيتسك، وجمعية الأحرار في مدينة سيمفروبل، ومؤسسة النبراس في مدينة لفوف، إلى جانب جمعية المركز الثقافي بمدينة سيمفيروبل، وجمعية الإيمان في مدينة زبروجيا، ومؤسسة الفلق في مدينة سيفاستوبيل، ومنظمة المستقبل في مدينة دنيبروبتروفسك، وجمعية الصداقة في مدينة سومي.


ويلاحظ أيضًا وجود الجماعة المكثف في مناطق الانفصال كـ«لوجانسك» والتي توجد على أرضها -التي لم يعترف أحد باستقلالها- «جمعية البيان»، وإلى جانب ذلك تقوم الجماعة بتمويل جمعية النور الموجودة بالعاصمة كييف.

التوترات السياسية..

اتهامات روسية

وأمام هذا الانتشار الموسع والسريع في ذات الوقت لمؤسسات الجماعة بأوكرانيا، تتساءل الإدارة الروسية عن مصادر التمويل وتتهم كل هذه المؤسسات -وعلى رأسها المنظمة الرئيسية للجماعة «الرائد» -بالتطرف والتبعية لتنظيم إرهابي.


ففي يوليو 2018 داهمت الأجهزة المعنية للأرض وليدة الانفصال «جمهورية دونيتسك الشعبية» أحد مراكز الجماعة وهي «جمعية الأمل» وألقت القبض على مسؤوليها على خلفية اتهامها بتلقي أموال من جماعة الإخوان.


واستغل التنظيم الدولي هذا كعادته، في الترويج للانتهاكات الروسية للقرم والسطوة العسكرية للدب الروسي، وذلك للضغط في اتجاه مصالح التنظيم على حساب زعزعة استقرار البلاد، الأمر الذي فطن إليه مبكرًا زعيم الجالية المصرية بأوكرانيا «وليد عطيه»، الذي خاطب البرلمان الأوكراني في 2014، محذرًا من تغلغل شبكة الإخوان في الدولة الواقعة على الخريطة الشرقية لأوروبا وتتقاسم الحدود مع روسيا.


ومن ثم حاولت الحكومة الأوكرانية إثبات حسن نواياها مع اتهامات الإرهاب، فقامت في يوليو 2018 بتفتيش المركز الثقافي الإسلامي الموجود في كييف واهتمت الصحافة بالأمر واعتبرته تغييرًا جوهريًّا في العلاقة بين الطرفين، ولكن مراكز الجماعة لا تزال تمارس أنشطتها بحرية في نطاق الدولة الأوكرانية.

يوسف القرضاوي يتسلم شهادة تقدير من مدير المركز الإسلامي بأوكرانيا
يوسف القرضاوي يتسلم شهادة تقدير من مدير المركز الإسلامي بأوكرانيا
دعاة هيئات أوكرانيا في تدريب بمركز القرضاوي
دعاة هيئات أوكرانيا في تدريب بمركز القرضاوي
"