يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

ثلاثون عامًا على التأسيس.. «التشرذم» يلقى بـ«القاعدة» في مزبلة التاريخ

الثلاثاء 18/سبتمبر/2018 - 02:53 م
القاعدة
القاعدة
عبدالرحمن صقر
طباعة
ثلاثون عامًا على تأسيس تنظيم «القاعدة» الإرهابي (قاعدة الجهاد)، في العام 1988، ومازالت استراتيجيته غير مستقرة على مسار أو توجه معين، في التعامل مع ما يطلق عليه «العدو القريب» أو «العدو البعيد»، وهو ما أشار إليه كتاب «الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة»، للمؤلف فؤاد حسين، والصادر في عام 2005، حين ناقش هذا الموضوع حول إستراتيجية التنظيم في مراحل إعلان دولة الخلافة، وإستراتيجيته في تغيير وضع العالم الإسلامي، والتي وضع لها مؤسسو التنظيم فترة زمنية تبدأ عام 2000 وتنتهي في 2020.


القاعدة
القاعدة
وعند سبر أغوار تلك الاستراتيجية التي اعتمدت في بداياتها على استهداف العدو البعيد وهو مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة والقيام بعمليات داخل أراضيها، نجد أنها تنقسم إلى مراحل مرتبطة بجدول زمني محدد، مقسمة لسبع مراحل متتالية، مدتها عشرون عامًا، إلا أنه فعليًّا وعلى أرض الواقع فشل تنظيم القاعدة في إثبات استمراريته، بل أخذ شأنه يضعف وينحدر صوب التلاشي التام.

ووفق التتابع الذي كان مخططا له في استراتيجية التنظيم تأتي المراحل السبع كالتالي: 

مرحلة الإفاقة، ثم مرحلة فتح العيون، مرحلة النهوض، مرحلة الوقوف على القدمين، مرحلة استعادة العافية وامتلاك القوة القادرة على التغيير، ثم مرحلة إعلان الدولة، وتأتي مرحلة المواجهة الشاملة وأخيرًا مرحلة الانتصار النهائي، على حسب وصف الكتاب، وكل مرحلة محدد لها مدة زمنية معينة.
داعش
داعش
ظهور «داعش» المربك
أربك ظهور تنظيم «داعش» حسابات «القاعدة»، وأدى لتنامي الصراع على تلك الغاية الاستراتيجية، والتي جاءت بإعلان «داعش» قيام ما يسمي بالخلافة الإسلامية على حسب ما جاء في بيان للتنظيم، يوم 30 يونيو 2014، وأعلن فيه أبومحمد العدناني المتحدث الرسمي باسم التنظيم في ذلك الوقت، بشكل رسمي قيام الخلافة، وتم تنصيب «أبوبكر البغدادي» خليفة.

وجاء في نص البيان: «صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعة الخليفة وتبطل جميع الإمارات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده».

وقد ألمح البيان إلى خلاف قوي مع تنظيم القاعدة، عقب رفض القاعدة وعدة جماعات أخري، تلك الخلافة المزعومة فأكمل البيان: «بطلت شرعية جميع الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، ولا يحلّ لأحد منها أن يبيت ولا يدين بالولاء إلا للخليفة البغدادي»، في إشارة إلى التفكيك واعتبار تلك التنظيمات والجماعات ليس لها حق الاستمرار.

ووجه «داعش» في آخر البيان تهديدًا صريحًا لتلك التنظيمات قائلاً: «كل من أراد شق الصف بأنهم فافلقوا رأسه بالرصاص»، ومن هنا اعتبر الكثير من المحللين أن التنظيم أصبح مستقلًا عن «القاعدة»، رغم الادعاء بأن مؤسس الفكرة هو أحمد فضيل نزال الخلايلة وكنيته «أبو مصعب الزرقاوي» أحد قادة القاعدة الذي غادر أفغانستان متوجهًا إلى العراق خلال الغزو الأمريكي للعراق، ويعرف أنه أحد الملهمين لفكرة الخلافة وقتال العدو القريب عن قتال العدو البعيد.
يحيى بوزيدي الجزائري
يحيى بوزيدي الجزائري
وفي هذا السياق قال الباحث والمحلل السياسي بالشأن الإيراني وشؤون الحركات الإسلاموية، ‏يحيى بوزيدي الجزائري، إنه بشكل أو بآخر كان من مصلحة تنظيم «القاعدة» سقوط تنظيم «داعش» الذي أضحى منافسًا قويًا له .

وأضاف «بوزيدي» في تصريح لـ«المرجع» أن تنظيم «داعش» قام بنقل تراتبية الأعداء من البعيد إلى الأقرب، بعدما نقلها «الزرقاوي» سابقًا إلى القريب، وجاء ذلك التنظيم مكملًا لما فعله الزرقاوي، متابعًا أنه لا شك أن «القاعدة» ستحاول إعادة التموضع بين الحواضن بالعودة للمطالبة بمقاتلة العدو البعيد والتحالف ضده، باعتبار ذلك محل إجماع هذه التنظيمات، كما أنه مدخل مهم لاستقطاب وتجنيد عناصر جديدة بعد الضعف الشديد الذي أصاب التنظيم منذ سنوات.
 كتاب (الزرقاوي الجيل
كتاب (الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة)
ولكن كانت أهم مرحلة لتنظيم القاعدة على حسب ما جاء في كتاب (الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة) مرحلة إعلان الدولة، وكانت بداية هذه المرحلة – وفق استراتيجية القاعدة - مع بداية 2013، ولكن ما حدث من «داعش» هو التأخير عام ثم إعلان في 2014، وجاء بالكتاب أن تلك المرحلة عقب إعلان قيام ما سميت بالدولة الإسلامية، تنهار القبضة الغربية الأمريكية على المنطقة العربية بشكل متراخٍ، وتكون بذلك ضربة قوية تسبب الضعف والشلل الكامل للعدو، وبذلك يصعب توجيه أى ضربات استباقية وقائية، والمعادلة الدولية ستكون معالمها قد تغيرت، وتنتهي تلك المرحلة في بداية العام 2016 على حسب ما جاء بالكتاب.
هشام العلي، الباحث
هشام العلي، الباحث بالمركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب
«المرجع» يكشف أسباب بقاء «القاعدة» وانتشار أفكارها

وتعقيبًا على ذلك يتحدث هشام العلي، الباحث بالمركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، بالقول إننا حين ننظر إلى تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات المتطرفة، يجب أن نعلم جيدًا أن «القاعدة» و«داعش»، وتنظيمات أخرى ستكون في الطريق، هي عبارة عن مظهر واحد من مظاهر الفكر السلفي المتطرف المسلح لكن في عدة وجوه؛ وتحمل نفس الهدف.

وأضاف «العلي» في تصريحات لـ«المرجع» أن الفرق بين تلك المسميات هو الهيكل التنظيمي والاسم ، بالإضافة للقيادات فقط، لكن الفقه واحد كما أنه من المعتاد أن كل التنظيمات العقائدية غير المنضبطة بقانون، تكون عرضة للانقسامات إلى فئات أصغر وأصغر، كل منها تدعي أنها تمثل تعاليم السماء، والتسريع في إعلان الخلافة.


وأوضح، أنه بالنسبة للقاعدة التي خسرت المعركة في أفغانستان، ثم في العراق، أصبحت تأخذ وضعًا دفاعيًا هشًا، ما جعلها تفقد عنصر المبادأة وفق المفاهيم العسكرية، حيث لم يتبق من قوتها غير بعض العناصر ضمن قبائل أفغانستان واليمن، وبعض القيادات التي تقول بعض المصادر إنها لجأت إلى إيران.


وأشار الباحث بالمركز الأوروبي للاستخبارات إلى أن قيام التنظيمات السلفية المسلحة التي ظهرت في دول ما بعد الربيع العربي، سحب البساط من تحت أقدام القاعدة، حيث لم يبق له غير الاسم فقط، كون جميع المتطوعين من دول آسيا وأوروبا والدول العربية، أصبحوا عناصر للتنظيمات الجديدة مثل «داعش» ومن بعدها «جبهة النصرة»، كونها التنظيمات الفعالة العاملة على الأرض، وجعل القاعدة يفكر جديًا في تغيير الاستراتيجية.


وانتقل إلى الحديث عن تطورات معركة «إدلب» المرتقبة في الشمال السورى، والعقوبات الأمريكية الخانقة على إيران والخلاف السياسي الشيعي ـــ الشيعي بين الكتل والأحزاب العراقية، والأزمة السياسية والاقتصادية في العراق، قائلًا: كلها أمور ستشجع العناصر السلفية المتطرفة والمسلحة على إعادة نشاطها تحت اسم «داعش», أو ربما غيره من التنظيمات التي سوف نسمع بها لاحقًا.


وأكد «العلي» أن كل المسميات التي تشمل «داعش» و«النصرة» وغيرها من التنظيمات المتشددة، عبارة عن فقاعات للفكر السلفي المسلح، سوف تظهر هنا وهناك وتستغل آية فرصة لشن عملياتها الروتينية، وكل اسم يظهر سيستغرق فترة معينة، ثم يظهر تنظيم جديد يحمل نفس الفقه والأسلوب، لكن باسم متغير واستراتيجيات عسكرية متجددة، كلها منبثقة من التنظيم الأم في إشارة إلى «القاعدة».

هشام النجار الباحث
هشام النجار الباحث المتخصص فى شؤون الحركات الإسلاموية
استراتيجية القتال
وتعقيبا على تغيير استراتيجية التنظيم، من قتال العدو البعيد الى قتال العدو القريب، يقول هشام النجار الباحث المتخصص فى شؤون الحركات الإسلاموية، ان «القاعدة» قام بتغيير استراتيجيته لعدة أسباب أهمها أولًا ضعف قدراته وامكانياته وعدم مقدرته على مواصلة استهداف المصالح الغربية والأمريكية والوصول لعمق تلك الدول، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، باستثناء تفجيرات لندن في 2005، وهجمة صحيفة شارلي ابدو بباريس 2015.


وأضاف لـ«المرجع» أن قيام الولايات المتحدة بعدة مواجهات استباقية مع التنظيم أدت لإضعاف قدراته البشرية و التسليحية وحرمته من أهم وأبرع قيادييه، كما أفقدته ملاذاته ومحاضنه التي شملت حكومات وإمارات في السابق، كما كان الوضع في أفغانستان.


وتابع الباحث أن هناك أحداثًا ومستجدات مهمة بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، عمد قادة القاعدة لاستغلالها ضمن باقي الأطراف في الساحة وفي مقدمة تلك الأحداث غزو العراق في عام 2003، ثم ما اطلق عليه أحداث الربيع العربي، والتي كانت نقطة مفصلية أسهمت في تعزيز خيار «القاعدة» الاستراتيجي الجديد، وهو التركيز على تغيير الأنظمة العربية واستغلال غضب الشعوب العربية وسخطهم على الأوضاع ورغبتهم في التغيير ليفرض نموذجه ومشروعه مستندًا إلى الترويج لنفسه كموازن ميداني وعسكري للأجهزة الأمنية والجيوش العربية.


وأشار «النجار» الى أن الإخوان استعانوا بتنظيم القاعدة وفصائل أخرى، وانسجمت استراتيجية تنظيم «القاعدة» الجديدة باستهداف العدو القريب والداخل العربي مع مشاريع وخطط قوى دولية وإقليمية مثل مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي يتطلب إثارة الفوضى الدينية والطائفية في العمق العربي لإعادة تقسيم المنطقة، وكذلك مشاريع وخطط قوى إقليمية وعربية، حرصت على لعب دور واكتساب نفوذ في الشرق الأوسط كقوى فاعلة بديلة عن النظام العربي التقليدي.


وتابع، أن سعي تركيا وقطر للعبث بالمنطقة العربية، وخلق فوضى أمنية وإفشال وإسقاط الأنظمة العربية القائمة ليرثا هما النفوذ والحضور ويتحكما في ملفات المنطقة كافة، جعلهما يستعينان ويمولان، ويدعمان جماعات إرهابية، وفي مقدمتها الإخوان وتنظيم القاعدة الأكثر خبرة بأساليب زعزعة الاستقرار.


وأكد الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلاموية، أن التحول لاستهداف العدو القريب كان فكرة قديمة لدى «أيمن الظواهري» زعيم تنظيم القاعدة الحالي، عندما فشل تنظيم الجهاد بمصر ـــ الذي كان زعيمه الظواهري ــــ ، وخروجه من المحلية إلى الإقليمية والدولية، خاصة في منتصف التسعينيات، ومع حالة السخط الجماهيري على التنظيم عقب عملياته المخربة في الشارع المصرى، بالإضافة إلى وقف الجماعة الإسلامية للمواجهات المسلحة مع الدولة، ولذا فلم يعد بمقدور تنظيم الجهاد القيام بذلك بمفرده، ولذا رأى الخروج لساحات خارجية لاكتساب القوة مرحليًا ومن ثم العودة من جديد للهدف الرئيسي للتنظيم الذي تطور على يد «الظواهري» و«أسامة بن لادن» (مؤسس القاعدة) وأصبح القاعدة في العام 1998.
«حمزة بن لادن»
«حمزة بن لادن»
مصادر: انتقال عناصر القاعدة بأوامر الظواهري لليمن
 ظهور حمزة بن لادن
ومنذ فترة ليست بالبعيدة تدوال اسم «حمزة بن لادن» نجل زعيم تنظيم القاعدة السابق «أسامة بن لادن»، وتردد أن حمزة سيكون وريثاً «للحركة السلفية الجهادية» عقب الهزائم المتتالية لتنظيم «داعش»، ورغم احتمالات ذلك، تبقى علامات استفهام، أهمها ردة فعل أيمن الظواهري زعيم التنظيم الحالي، ويعقب على ذلك الباحث ‏يحيى بوزيدي الجزائري، قائلاً إن الراجح في هذا الوقت هو «الحل توافقي» خاصة مع تجربة الانقسام التي ضربت التنظيم وانعكاساتها السلبية، ناهيك عن السن الكبير للظواهري وصعوبة إدارة التنظيم من قبل الاثنين.


فيما رجح هشام النجار، الباحث المتخصص فى شؤون الحركات الإسلاموية، أن تنظيم القاعدة في النهاية يدور في تيه ويخرج من هزيمة إلى أخرى، لأنه بنى وأسس منذ البداية على تصورات خاطئة ولم يكن تحركه لخدمة دين ولا أوطان ولا قضايا عادلة،  وإن قام باستخدامها كعناوين للتغطية على فشله وهزائمه، وأما بخصوص الصراع بين «حمزة» و«الظواهري»، ليس له أى وزن على أرض الواقع، فالتنظيم مشتت بين عدة دول دون رابط قوي أو وسائل تواصل محكمة.
"