«المرجع» يكشف أسباب بقاء «القاعدة» وانتشار أفكارها
الجمعة 08/يونيو/2018 - 10:04 م

هناء قنديل - عبدالرحمن صقر
يُعَدُّ تنظيم «القاعدة»، الذي أسسه أسامة بن لادن، أبرز وَرَثَةَ الفكر المتطرف، الذي أُسِّسَ على يدي مُنَظّري جماعة الإخوان، وأشهرهم سيد قطب. وعلى مدار العقود الماضية، خاض العالم حربًا شرسة ضد التنظيم الأخطر في القرن العشرين، وضد أفكاره؛ إلا أن هذه الحرب لم تقضِ على «القاعدة»، ولم توقف تدفق الدعم البشري واللوجستي الذي يحصل عليه، خاصةً في أفغانستان، كما أن أفكاره أخذت في التمدد والتطور، حتى ظهر كنتيجة لذلك تنظيم آخر عرف باسم «داعش».
ورغم أن معظم قادة التنظيم المهيمنين لقوا حتفهم، أو حوكموا واعتقلوا، فإن ذلك لم يتخطَ كونه مجرد خفضٍ لمعدلات نشاط وخطورة التنظيم، فمازال قادرًا على اكتساب أتباع بإمكانهم بث النشاط في أوصاله من جديد بمجرد اكتسابهم الخبرات اللازمة للقيادة، وفيما يلي يبحث «المرجع» في الأسباب التي حالت دون سقوط «القاعدة» واندثار أفكاره والقضاء على التنظيم نهائيًّا.
◄ بداية مدوية:
بدأ تنظيم «القاعدة» في الظهور عام 1988م، وكان في ذلك الوقت عملاقًا، أذاق العالم رُعبًا لم يسبق له مثيل، بعملياته الإرهابية المدبرة، ماليًّا وبشريًّا بأساليب لم تكن معهودة من قبل، ابتكرها عبدالله عزام، وأسامة بن لادن (الأبوان الحقيقيان لهذا التنظيم الخطير).
ورغم أن الهدف المبدئي للتنظيم كان مقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، فإن الاسم الذي اختاره المؤسسون، كان ذا مدلولٍ عميقٍ؛ إذ إن «القاعدة» تعني أساس الانطلاق، وهو ما يشير إلى أن التأسيس الذي حدث في أفغانستان لمقاومة السوفييت لم يكن سوى قاعدة أو بالأحرى بداية لنشاط مدروس يبث عدم الاستقرار، والإرهاب في جميع أنحاء العالم، المناوئ لمصالح القوى الممولة لنشاط التنظيم.
◄ أسرار القوة:
خلال عقد واحد أو أقل قليلًا، انتشر سرطان «القاعدة» في دول عربية وإسلامية، وصار يمتلك من القوة ما يرهب به تلك المجتمعات، بعمليات تفجيرية وانتحارية.
وعن سر قوة" القاعدة"، يشير مصدر مقرب من قادة التنظيم بالمغرب العربي، إلى أن قوة «القاعدة» تظهر دائمًا في النزاعات الداخلية بين الحركات الإسلاموية، عقب أي صدام بين الأنظمة الحاكمة وتلك الحركات.
◄ قوة الأفكار:
من جانبه، أكد أسامة الهتيمي، الباحث في الحركات الإسلاموية، أن الأفكار تمتلك قوةً يصعب وأدها، موضحًا أنه يصعب القضاء على أي فكرة مهما كانت تافهة، إذا أتيحت لها العوامل والظروف التي تمنحها الانتشار، وتوفر لها الأتباع.
وقال «الهتيمي»، في تصريح خاص لـ«المرجع»: إن العناصر الجديدة المنضمة تميل إلى أتباع فكرة ما، تراها الأصوب والأجدر بالموالاة؛ لتحقيق ما باتوا مؤمنين به، مضيفًا: «ينطبق هذا على أفكار تنظيم القاعدة، الذي نشأ في ظل ظروف خاصة مرت بها أفغانستان، وهو ما دفع الكثير من القوى الدولية والإقليمية إلى دعم التنظيم بشكل مباشر، وغير مباشر؛ في الحرب ضد السوفييت؛ الأمر الذي سهل عليه الحركة والعمل لوضع حزمة من المعايير التنظيمية والفكرية التي أهلته للبقاء والانتشار».
◄ اعتبارات خارجية:
وتابع «الهتيمي»: «لعل أبرز ما يعكس قوة (القاعدة) أنه رغم ما مر به من محن، كان أشدها حرب الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضده، منذ عام 2001م، فضلًا عن اغتيال زعيمه ومؤسسه أسامة بن لادن عام 2011، إلا أن قدرته على الصمود والتحرك بقيت قائمة».
وأضاف الباحث في الحركات الإسلاموية: «هذا التحليل يشير إلى أن قوة وضعف (القاعدة) أمر مرهون باعتبارات خارج التنظيم، ومن ثم فربما تكون قياداته تدربت على الاتسام بالمرونة، والاستعداد دائمًا للاستفادة من تطورات الأوضاع الدولية والإقليمية، فضلًا عن الأوضاع الخاصة بكل بلد يوجد فيه فرع للتنظيم».
◄ «داعش» أضعفَ «القاعدة»
وألقى «الهتيمي» الضوء على أحد أبرز الأسباب وراء ضعف تنظيم القاعدة، وهو ظهور تنظيم داعش، الذي تمكن بما حققه وما روجه من قدرات خارقة مزعومة ضخمتها الدعاية الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، من استقطاب الكثير من الأتباع التي كانت تنظر لـ«القاعدة» على أنه الأب الروحي لهم؛ ما أفقد الأخير جانبًا من قوته المؤثرة، لكنها لم تصل إلى حد التفكك والانهيار.
◄ «داعش» يرد القوة لـ«القاعدة»:
واستطرد «الهتيمي»: «كما كان ظهور (داعش) سببًا في تراجع «القاعدة»، فإنه كان سببًا أيضًا في استعادته بعضًا من قوته؛ لأن العنف والوحشية اللتين عرف واشتهر بهما الأول أثارا ذعر العالم، ودفعا الدول الكبرى إلى التكتل من أجل محاربته؛ ما كان له أثر كبير في تخفيف القبضة الأمنية العالمية ضد أتباع القاعدة.
أما الخدمة الأخرى التي تلقفها تنظيم القاعدة، واستفاد منها فهي فشل (داعش) في مواجهة الحرب التي خاضتها القوى الدولية ضده؛ الأمر الذي يعد سببًا كافيًا لعدد كبير من معتنقي الفكر المتطرف، لترجيح واختيار «القاعدة» بديلًا لـ(داعش)، لاسيما في ضوء الحديث المتصاعد عن أن حمزة بن لادن، نجل مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذى انتقل إلى سوريا، ونجح في تأسيس فرع جديد لـ(القاعدة) هناك، باسم (أنصار الفرقان في بلاد الشام)، ضم إليه عددًا من المنظرين ذوي التأثير على الجهاديين في سوريا مثل عبدالله المحيسني، ومصلح العلياني».
وتوقع «الهتيمي» أن يحسن «القاعدة» كعادته استغلال فرصة وجود الدوافع الأيديولوجية التي تعمل باستمرار على تصاعد الاحتقان في نفوس الجماهير العربية والإسلامية، وهي الدوافع المتعلقة بظاهرة الكراهية ضد المسلمين، والنزعة الإقصائية، وتعالي صوت اليمين في الغرب، وظهور توجهات تؤيد قرارات مثيرة لغضب الرأي العام العربي الإسلامي، مثل: قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل عاصمة الكيان الصهيوني إلى القدس ووجود مناطق نزاع واضطراب سياسي وأقليات مسلمة تشعر بالاضطهاد؛ إذ إن بقاء كل ذلك يكون للتنظيمات المسلحة أرضًا خصبة.
◄ صراع زعامة
ويرى عبدالشكور عامر، الباحث في الحركات الإسلاموية، أن المشهد السائد الآن فى أروقة الجماعات المتطرفة من «داعش» إلى «النصرة»، وغيرها من الجماعات الجهادية ذات الطابع المسلح، وفى القلب منها تنظيم «القاعدة»، هو الصراع على الزعامة والسلطة والتحكم فى إدارة التنظيم من الداخل.
وأضاف «عامر»، في تصريح لـ«المرجع»، أن حالة الصراع الشديد بين الرجل الأول فى «القاعدة» أيمن الظواهرى، والوريث الشرعي للتركة حمزة بن لادن، بات شديد الوضوح، حيث يتمتع «حمزة»، المولود عام 1991، بشعبية جارفة داخل أروقة «القاعدة» باعتباره امتدادًا لروح والده أسامة بن لادن، ويرى فيه الكثير من قيادات التنظيم البديل المناسب للرجل العجوز، الذي لازم «بن لادن» رحلة حياته بين الكهوف والجبال والوديان.
وأشار« عامر» إلى أن أهم أسباب صعود «حمزة بن لادن»، وهو أن «القاعدة» يراه قادرًا على توحيد صفوفه الممزقة، وجمع شتات التنظيم الذي فرقته «داعش» وأخواتها ممن انشقوا على «الظواهري» ورفاقه، واتهموا زعيم القاعدة بالجبن والخوف والهروب من المواجهة بين جبال وكهوف تورا بورا في أفغانستان.
وكشف «عامر» أن هناك بعض الأصوات الخافتة داخل القاعدة تروج فكرة مفادها أن «حمزة» غير مؤهل -على الأقل في الوقت الحاضر- لقيادة التنظيم؛ بسبب انعدام خبرته فى ميادين القتال وميادين التنظير الشرعي، وكونه ابن الزعيم الروحي للقاعدة «أسامة بن لادن» ليس كافيًا لتولي قيادة وزعامة «القاعدة».
وشدد «عامر» على أن الصراع الدائر حاليًّا حول زعامة «القاعدة» هو صراع شكلي وليس جوهري؛ كون الاختلاف بينهما اختلافَ تنوع وليس تضادًّا، فهم إن اختلفوا حول آلية إدارة التنظيم وأولوياته فإنهم متفقون على أفكار العنف والتكفير وتدمير الدول وترويج استحلال الدماء المعصومة والأموال والأعراض المصونة، وإخراج الدين الإسلامي عن مساره الصحيح وسلميته؛ كونه دين التسامح والعفو ونبذ العنف والإرهاب.
◄ القوة تعود للانتشار والدعم الدولي:
وأشار حمدي عبدالرحمن، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية سابقا، إلى أن قوة التنظيم لها أسباب عدّة، أهمها انتشاره في عدد من البلدان، واعتماده على مواقع التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا في نشر الأفكار، وتكوين خلايا تابعة له فكريًّا.
واتفق أبوحسام الدين الطرفاوي، داعية سلفي، مع الرأي السابق، لافتًا إلى أن «القاعدة» تقف وراءه دول عظمى، إضافة إلى قطر وإيران، متابعًا: «إذا راجعنا موضوع الجهاد الأفغاني منذ البداية، نجد أن وراءه أمريكا لضرب الاتحاد السوفييتي، وأن وضع الوجود الأمريكي في المنطقة كان عاملًا قويًّا لتمكين تنظيم القاعدة عسكريًّا».
وأشار«الطرفاوي» إلى أن أمريكا صنعت الأحزاب السبعة، حتى يسمح لها بعد ذلك بضرب بعضها البعض، وهذا ما حدث بالفعل، وقد استفاد منه التنظيم في تجنيد عناصر هؤلاء المتناحرين، مؤكدًا أن دور قطر في ذلك تابع لما تريده أمريكا.
وذكر ناصر سعد العطار، القيادي بالجماعة الإسلامية سابقًا، في تصريح لـ«المرجع»، أن بقاء قادة تنظيم القاعدة الفاعلين على قيد الحياة، إضافة إلى تمدد التنظيم في أكثر من مكان على مستوى العالم عامل قوي في استمراره حتى الآن.
وبيّن «العطار» أسبابًا عدّة ساعدت في بقاء التنظيم، أهمها أن الانقسامات التي حدثت داخل «القاعدة» أفرزت مجموعات أشد عنفا، وأدت إلى ظهور جماعات تتبع نفس الفكر الجهادي، وإن اختلفت معها في المسمى كجماعة «بوكوحرام» مثلًا، مضيفًا أن الاضطرابات التي تعيشها المنطقة أعطت قبلة الحياة للتنظيمات الجهادية عامة وتنظيم القاعدة بصفة خاصة؛ لما له من شهرة في الإرهاب الدولي، مشيرًا إلى أن تنظيم داعش يُعد صورةً متطورةً من «القاعدة».