يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أدوات تصدير الثورة الإيرانية في الشرق الأوسط (3-3)

الأحد 12/أغسطس/2018 - 10:44 ص
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة
على مدار حلقتين سابقتين، تناول «المرجع» ماهية الأدوات الإيرانيَّة لتصدير ثورتها الإسلاميَّة المزعومة إلى دول الجوار الإقليمي، فيما تستعرض هذه الحلقة تقييم مساعي طهران ومدى نجاح أدواتها المشبوهة في تحقيق أهدافها المريبة بزعزعة استقرار المنطقة، وتقوية نفوذ نظام الملالي في البلاد المجاورة.


أدوات تصدير الثورة
تقييم الأدوات الإيرانيَّة في تصدير الثورة

تمكنت إيران من تحقيق عددٍ من النجاحات بفعل أدوات تصدير الثورة؛ رغم تورطها في حرب عسكرية طويلة مع العراق دامت لأكثر من ثماني سنوات، ولا يخفى مدى استنزاف تلك الحرب الطويلة للجيش الإيراني.

ما ساعد إيران على اختراق المجتمعات العربية منذ ثمانينيات القرن العشرين- رغم الحرب- هو حداثة طرقها، التي لم يكن معروف أضرارها للدول العربية آنذاك، حيث عمدت إيران إلى استقطاب الطلاب، وقامت بتعليمهم في إيران مجانًا، ما أسهم في تشيعهم، قبل أن يعود هؤلاء الأفراد ويعملون كسفراء لإيران في المناطق العربية. وقد تحقق ذلك في اليمن، فأنشأت إيران بذلك جماعة أنصار الله الموالية لها، والمعروفة إعلاميَّا باسم «الحوثي».

وعليه، يمكننا القول إن إيران استغلت التركيز العربي المطلق على هزيمتها في حربها مع العراق، والتفت بعيدًا عن موطن الصراع وأنشأت ميليشيات شيعية موالية لها في المنطقة، ما مكنها من تعميق وجودها العسكري في المنطقة. 

ويمكننا تقييم مدى النجاح الذي حققته إيران من خلال تصريح حيدر المصلحي- وزير الاستخبارات السابق في حكومة أحمدي نجاد- لوكالة أنباء فارس في 2015 التي جاء فيها أن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، في إشارة إلى كل من بغداد، ودمشق، وصنعاء وبيروت. 

بالتدقيق في هذا التصريح، سوف نجد أن السياسة الإيرانية القاضية إلى إنشاء ميليشيات شيعية بهدف إجبار الحكومات على الانصياع لها قد حققت مبتغاها في عدد من الدول. ففي لبنان، نجد أن القرار اللبناني مختطف من قبل حزب الله المصنف إرهابيًّا من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وقد ظهر هذا الاختطاف بوضوح في حصول حزب الله على أسلحة من الجيش اللبناني- تحديدًا مدرعات أمريكية ناقلة للجنود- واستخدمها في قتاله إلى جوار المليشيات الإيرانية في سوريا. 

وتتضح سيطرة حزب الله على مقدرات القرار اللبناني في عدم قدرة الأخيرة على اتخاذ أي قرار يحول دون تدخل حزب الله عسكريًّا في البلدان المجاورة. فحزب الله يرسل المستشارين العسكريين إلى تنظيم الحوثي في اليمن، كما يدعم الإرهاب في كل من الكويت والبحرين. 

وفي العراق، تمتلك إيران ميليشيا الحشد الشعبي الشيعي الموالي لها الذي يعتبر قوة موزاية للجيش العراقي على غرار العلاقة بين الحرس الثوري والجيش في إيران. وعلى صعيد الجانب السياسي، تتلاقي التوجهات السياسية والمذهبية لحزب الدعوة الإسلامية الحاكم مع رغبات إيران المذهبية الهادفة إلى إقصاء السنة من الحياة السياسية العامة. ويتضح هذا التلاقي في ضم الجيش العراقي لميليشيا الحشد الشعبي بقرار من البرلمان في 2016 رغم معارضة الكتلة السنية التي طالبت بنسبة تمثيل تقدر بنحو 40% من مقاتلي الحشد الشعبي. 

وفي سوريا، عززت إيران من وجودها العسكري من خلال الميليشيات الموالية لها، التي تقاتل إلى جوار النظام السوري، وأبرزها لواء فاطميون (ميليشيا شيعية أفغانية)، ولواء زينبيون (ميليشيا شيعية باكستانية)، علاوة على وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني أماكن القتال المحتدمة في جميع أرجاء سوريا.

أدوات تصدير الثورة
وقد شكلت اليمن أهميةً قصوى بالنسبة لإيران، ليس فقط بسبب تلاصقه الجغرافي مع السعودية- منافسة إيران الإقليمية- ولكن أيضًا بسبب موقعه الإستراتيجي في الملاحة الدولية، حيث يطل اليمن على كل من مضيق باب وبحر العرب. وفي السياق نفسه، تتعامل إيران مع اليمن بصفته بوابة للدخول إلى القرن الأفريقي. ويفسر ذلك الإصرار الإيراني على دعم الحوثي بكافة أنواع الأسلحة بما في ذلك الصواريخ البالستية بهدف ضمان وجود عسكري في مرحلة ما بعد الحرب. 

ويمكننا أن نستدل على عمق الوجود العسكري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من خلال تصريح القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد على الجعفري الذي صرح بأن هناك نحو 200 ألف "مقاتل" في الشرق الأوسط مرتبطون بالحرس الثوري الإيراني. 

وعلى صعيد آخر، لم تحقق سياسة تصدير الثورة الإيرانية أهدافها في أي من دول الخليج، خاصة البحرين، حيث شكلت السعودية- مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي- قوات عسكرية تحت اسم «درع الخليج»، وتدخلت لمساعدة القوات الأمنية البحرينية في مواجهة الأعمال التخريبية التي نشبت في 2011. 

وفي السياق، نفسه فشلت إيران في الكويت نتيجة السياسة الكويتية الهادفة إلى تعزيز الروح القومية بين المواطنين بغض النظر عن مذهبهم. كما لعبت القوات الأمنية دورًا كبيرًا في رصد إمدادات السلاح القادمة من الحرس الثوري إلي العناصر الإرهابية داخل الكويت، ما أدى إلى كشف خلية العبدلي المتخابرة مع إيران في في 2015. 

ورغم كون السعودية هدفًا مستمرا لإيران فإن الميليشيا الشيعية المعروفة باسم" حزب الله الحجاز" لم تلب الطموحات الإيرانية باختراق الأمن القومي للسعودية، حيث نشط هذا التنظيم في فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي من خلال عدد من التفجيرات- أبرزها تفجير شركة صدف البرتوكيماوية في عام 1988 وتفجير مجمع سكني في مدينة الخبر أدي إلي مقتل 19 جنديا أمريكيا- قبل أن تتمكن السلطات السعودية من تحييد خطره والقبض على قائد جناحه العسكري أحمد المغسل في 2015. 

ونستنتج من ذلك ارتباطية مدي التقدم الذي حققته سياسة تصدير الثورة في دول الجوار بالظروف السياسية والأمنية فضلا عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، حيث أنه كلما تراجعت قدرة الدولة السيادية وأدائها الوظائفي، كلما تمكنت إيران من تفعيل أدواتها العسكرية والمذهبية لتصدير الثورة. 


أدوات تصدير الثورة
خاتمة
تتطلب مواجهة إيران في المنطقة العمل على محاور عدة، أهمها المحور العسكري. وفقًا لهذا المحور، يجب على الدول العربية أن تشكل قوة عسكرية من خلال جامعة الدول العربية، على أن تكون مهمة هذه القوة دعم القوات الحكومية في أي من البلدان العربية ضد ميليشيات إيران في حالة اقتضت الضرورة. 

وفي إطار هذا المحور، يتعين على الدول الفاعلة في النظام العربي أن تقدم جميع أشكال الدعم العسكري للدول التي تعاني من إشكاليات أمنيَّة- بغض النظر عن التباعد الجغرافي- لتحول دون استغلال إيران لأي فراغٍ أمنيٍّ، بما يشكل تهديدًا على الأمن القومي العربي برمته. فعلى سبيل المثال، تستغل إيران تراجع القدرات العسكرية لدولة أريتريا في إنشاء معسكرات سرية لتدريب عناصر من ميليشيا الحوثي، ثم تقوم بإرسالها مرة أخرى لقتال الحكومة الشرعية في اليمن، ما يعني أن دعم الحكومة الإريترية عسكريا سوف يكون عقبة أمام النشاط العسكري الإيراني ليس فقط في اليمن، ولكن في القرن الأفريقي نفسه. 

ولا يمكن أن نغفل عن الأدوات الفكرية في مواجهة تمدد الفكر الشيعي، فيجب رصد وإغلاق الأدوات الإعلامية كافة لإيران بما في ذلك وكالات الأنباء، المواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية، وفي مقابل ذلك، يجب أن تنتهج الدول العربية سياسةً إعلاميةً موحدة تتضمن إيضاح زيف المواقف الإيرانية من قضايا المنطقة، علاوة على إبراز سيطرة المنفعية على توجهات سياستها الخارجية. فعلى سبيل المثال، قامت إيران بشراء أسلحة أمريكية عن طريق إسرائيل- الوسيط- في الثمانينيات من القرن الماضي فيما عرف آنذاك بقضية إيران كونترا. إيضاح مثل هذه القضية للمواطنين العرب بما فيهم الشيعة سوف يسهم في تراجع قدرة إيران على الاستقطاب. 

وعن مواجهة أداة إيران المذهبية، لابد من إنشاء قنوات فضائية- علي غرار قناة وصال- تختص فقط بتفنيد ونقد محتوى المذهب الشيعي، وإيضاح عدوانية مراجعة الدينية، على أن تكون هذه القنوات ناطقة بلغات كل الأماكن التي تحاول إيران اختراقها. فضلًا عن ضرورة تقليل التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإحكام الرقابة على أفراد ومؤسسات البعثات الدبلوماسية التي توظفها إيران بما يخالف اتفاقية فينيا للعلاقات الدبلوماسية. 

وفي نهاية المطاف، لابد للدول العربية أن تعمل على تعزيز الروح القومية لدي الشيعة العرب، علاوة على محاولة دمجهم مجتمعيًا، ما يسهم في تقليل وتراجع قدرة ايران علي استقطاب الأفراد وتجنيدهم لصالحها الخاص. 

أدوات تصدير الثورة
.....................
هوامش
....................
1- صالح حميد، وزير ايراني سابق: نسيطر على أربع عواصم عربية، العربية نت، https:www.alarabiya.netariran20150402%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82-%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-4-%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%85-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.html
2- الجزيرة نت، كيف حصل حزب الله على أسلحة أمريكية، http:www.aljazeera.netnewspresstour20161117%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AD%D8%B5%D9%84-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9
3- العرية نت، البرلمان العراقي، يقرر دمج الشعبي بالجيش، http:ara.tv9wwmz
4- عادل السالمي، قائد الحرس الثوري الايراني يعترف بوجود 200 ألف مقاتل في 5 دول بالمنطقة، https:aawsat.comhomearticle543366%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D9%81-%D8%A8%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-200-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84-%D9%81%D9%8A-5-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9
5- بي بي سي عربي، السعودية: اعتقال أحمد المغسل المشتبه به الرئيسي في تفجيرات الخبر، http:www.bbc.comarabicmiddleeast201508150826_saudi_security_khobar
"