استهداف «كامب نو».. إسبانيا تُواجه مطامع «داعش» الأندلسية
الخميس 02/أغسطس/2018 - 04:27 م

صورة أرشيفية
شيماء حفظي
بعد عامٍ من الهجوم الإرهابي الذي نفذه «داعش» في برشلونة، تنكشف تفاصيل نوايا التنظيم لتوسيع عملياته في إسبانيا، التي استهدفها بثلاث عمليات إرهابية في ثلاثة أيام متتالية، أغسطس 2017.
وشهد إقليم كتالونيا الإسباني هجومين إرهابيين وانفجارًا، خلال 3 أيام، لكن تحقيقات القوات الإسبانية كشفت أن «داعش» كان يخطط لما هو أكبر من ذلك، بتنفيذ عملية في ملعب «كامب نو» الكتالوني.

ذكرى الإرهاب الثلاثي
كشفت تقارير صحفية إسبانية، الأربعاء الأول من أغسطس 2018، أن الخلية الإرهابية التي شنَّت هجومًا في برشلونة العام الماضي، كانت تنوي تنفيذ اعتداء آخر بعد 3 أيام، على أهداف أخرى، من بينها ملعب «كامب نو»، خلال مباراة لفريق برشلونة الكتالوني وريال بيتيس في افتتاح الموسم الماضي، يوم 20 أغسطس 2017.
وقالت الصحيفة إن جهات التحقيق توصلت إلى عدد من المؤشرات تُفيد بأن الإرهابيين خططوا لتنفيذ الهجمات الأخرى، حيث بحثوا عن معلومات حول مواعيد المباريات ومداخل الملعب، كما وجدت صورًا لـ«كامب نو» على هاتف محمد هشامي (عضو الخلية الإرهابية).
وكشفت التحقيقات، أن فردين من أعضاء الخلية ذهبا إلى الملعب باعتبارهما من المشجعين، واشتريا بعض المتعلقات التذكارية الخاصة بنادي برشلونة من أحد المتاجر بداخله، بحسب الصحيفة.
وكان المتحدث باسم الشرطة الكتالونية، قال عن تفجير كامبريلس: إن الخلية التي نفذت الهجوم في برشلونة مكونة من 12 شخصًا، قتل خمسة منهم في مواجهة مع رجال الأمن، وتم التعرف على ثلاثة آخرين.
وكشف عن أسماء الإرهابيين الثلاثة، وهم «موسى أكابر، سعيد عبدالله ومحمد هشامي»، لافتًا إلى أن الصور التي يتم تناقلها على وسائل الإعلام هي بالفعل لهؤلاء الثلاثة إلى جانب يونس أبويعقوب، الذي لا تزال القوات الأمنية تبحث عنه.
كان أغسطس الماضي داميًا في إسبانيا، وفي برشلونة بشكل خاص، حيث قتل 13 شخصًا، وأصيب أكثر من 100 في عملية دهس في منطقة لاس رامبلاس السياحية، تلاه هجوم في كامبريلس نتج عنه مقتل شخص وإصابة 6 آخرين، وفي انفجار آخر في مدينة الكانار، سقط قتيل وأصيب 7.
وتفجير الكانار نفذه شخص يُدعى عبدالكبير الستي، ويُعرف باسم «الإمام»، والذي أمضى وقتًا في السجن على خلفية قضية تهريب مخدرات.

داعش في إسبانيا
لم يسجل التنظيم الإرهابي عمليات قوية في إسبانيا منذ ظهوره في 2014، لكن الهجوم الثلاثي، العام الماضي، لفت النظر إلى كون كتالونيا هدفًا محتملًا لهجمات «داعش»، خاصة بعدما تبنى التنظيم الهجمات، ووصفها بأنها «استجابة من عناصره للعمليات ضد بلاد التحالف التي تستهدفه».
وقال تقرير لصحيفة «إكسبريس»، نشر في يوليو 2018، تحت عنوان «عودة الجهاديين»: «العشرات من مقاتلي «داعش» يمكنهم السفر إلى إسبانيا بعد القتال في سوريا».
وتخشى إسبانيا من عودة مقاتلي «داعش»؛ حيث حذر مسؤولون أمنيون من أن نحو 200 من مقاتلي التنظيم يستعدون للعودة إلى منازلهم السابقة في إسبانيا بعد قتالهم في مناطق الحروب في الشرق الأوسط، بحسب التقرير.
ووفقًا للتقرير «قد يحاول نحو 175 شخصًا من الجهاديين العودة إلى إسبانيا قريبًا للانضمام إلى ما يقدر بنحو 37 شخصًا ممن قاموا بالرحلة»، وفقًا لما ذكرته إدارة الأمن القومي الإسبانية.
وأكدت الإدارة أن الإرهاب المتطرف هو «أحد التهديدات العالمية الرئيسية»، وقالت: إنه يجب على مدريد تكثيف الإجراءات للقضاء على الدعاية الجهادية على الإنترنت للحد من عدد الأشخاص المتطرفين في الداخل.
وتابعت إدارة الأمن القومي: إن جماعات مثل «داعش والقاعدة» يمكن أن تبدأ بالتركيز على تنفيذ هجمات في أوروبا؛ حيث يتم طرد مقاتليها من دول مثل سوريا والعراق، حسب ما أوردته شبكة «إيه بي سي» نيوز الأمريكية.
وقال تقرير صادر عن «إيه بي سي»: إن هناك ما يقدر بنحو 50 ألف جهادي سافروا للقتال في الشرق الأوسط -حوالي 6000 منهم من أوروبا-، وقدرت الإدارة بأن حوالي ثلث المقاتلين الأجانب عادوا بالفعل إلى بلدهم الأصلي.
إضافة إلى المقاتلين المخضرمين العائدين من القتال في الشرق الأوسط، تستمر الجماعات الإرهابية في جهودها لتجنيد الشباب عبر الإنترنت، حسب الدراسة المنشورة.
وتعكس النتائج التي توصلت إليها إدارة الأمن القومي الإسبانية الوضع في المملكة المتحدة؛ حيث يعتقد أن مئات الجهاديين البريطانيين عادوا إلى ديارهم بعد القيام بالرحلة إلى سوريا والعراق، وكشف بحث صادر عن مركز «صوفان»، في أكتوبر 2017، عن وجود ما لا يقل عن 425 من أعضاء «داعش» قد فروا من آثار الخلافة المعلنة ذاتيًّا.

لماذا يستهدف «داعش» إسبانيا؟
قالت صحيفة الإندبندنت، عقب التفجير في 2017، إن موقع الهجوم الذي حدث في برشلونة، ينحرف عن الجهود السابقة لتنظيم «داعش»، وقد ركز هؤلاء عادة على معاقبة الدول المشاركة مباشرةً في العمليات العسكرية ضدها في سوريا والعراق.
وأضافت، أن التحقق من ذنب الهجمات الإرهابية يمكن أن يكون أمرًا خادعًا، ولكن بالنظر إلى أن المنظمات التي تنخرط في الإرهاب تقوم بذلك من موقف ضعف، فهناك دائمًا حافز للكذب من أجل تعزيز الغموض وتضخيم صورة التهديد.
ووصفت الصحيفة هجوم «داعش» على إسبانيا بأنه «يعكس نظرة «داعش» للعالم على أنه صدام حضاري»، كما أنها وصفت إسبانيا بأنها «شريك» في التحالف المناهض للتنظيم.
واختارت إسبانيا دورًا في محاربة «داعش» لكنه ليس عسكريًّا، وما يمكن أن تعتبره دورًا أقل خطورة -تقديم المساعدات اللوجستية والتدريب للقوات العراقية المحلية، فضلًا عن منع محاولات محلية لدعم التنظيم الإرهابي في الخارج- بحسب الصحيفة.
وقد يكون الدور المحدود لإسبانيا في القتال، خاصة على النقيض من ضحايا الإرهاب الآخرين مثل فرنسا والولايات المتحدة، قد يدفع المرء إلى توقع الانخفاض النسبي في قائمة عمليات التنظيم داخل إسبانيا.
وقالت الصحيفة إنه على المستوى الروحي، تحتل إسبانيا أيضًا مكانًا خاصًّا في أساطير«داعش»، كجزء من الإمبراطورية الإسلامية «الأندلس»، كما هو معروف باللغة العربية؛ حيث ينظر إليها من قبل العديد من أيديولوجيات «داعش» باعتبارها جزءًا إقليميًّا طبيعيًّا من «الخلافة»، والتي تخضع حاليًّا للاحتلال المباشر من قِبَل الكفار.
وفي تقرير نشرته عقب الحادث، قالت صحيفة «التايم» الأمريكية: إن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسبانيا لهجوم إرهابي كبير منذ أكثر من عشر سنوات، ولكنها ليست غريبة عن الإرهاب المتشدد.
«قتلت تفجيرات القطارات في مدريد، عام 2004، التي نفذتها مجموعة من المتطرفين من شمال أفريقيا، 191 شخصًا، وأصابت ما يقرب من 2000 شخص بعد انفجار 10 أجهزة محملة بالديناميت في أربعة قطارات متوجهة إلى العاصمة الإسبانية. كان الهجوم المستوحى من القاعدة أسوأ حادث إرهابي في التاريخ الأوروبي الحديث»، بحسب الصحيفة.

محاولة تدارك الحوادث ومنع الهجمات
أجرت إسبانيا حوالي 170 عملية، ونفذت حوالي 700 اعتقال، وعشرات الإدانات ضد الجهاديين المشتبه بهم، منذ هجوم مدريد عام 2004، وأحبطت عددًا من العمليات الإرهابية.
ولكن خلال السنوات القليلة الأخيرة، خاصة منذ ظهور «داعش»، حيث كانت البلاد شريكة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم، كما شاركت في مهام عسكرية ضد «القاعدة» في مالي والعراق، وهو ما جعلها موجودة نحو 45 مرة على الأقل في دعاية «داعش»، وقد أدى هذا إلى زيادة في النشاط الجهادي.
وفي أبريل الماضي، ألقت الشرطة القبض على 9 مشتبه في كونهم أعضاء في مجموعة إرهابية، ويُعتقد أن لهم صلات بالمشتبه بهم الذين تم اعتقالهم في أعقاب مطار بروكسل وهجمات مترو الأنفاق في عام 2016.
ووفقًا لما ذكره تقرير لـ«تايم» الأمريكية، فإن كتالونيا هي المكان الذي التقى فيه محمد عطا ورمزي بن الشيبة، اللذين ساعدا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001، قبل شهرين من الأحداث، لوضع اللمسات الأخيرة، وفقًا لمعهد إلكانو الملكي للأبحاث.

هل تشهد إسبانيا مزيدًا من العمليات؟
بعد هجمات 2017، قال محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CNN، بيتر بيرغن: «إن تنظيم داعش لا يمكنه تنفيذ هجوم أكبر من الذي شهدته مدينة برشلونة الإسبانية»، ولفت بيرغن، إلى أن ذلك يعود إلى الهزائم التي يتعرض لها التنظيم في العراق وسوريا.
وأضاف: «نعتقد أن الهجوم مستوحى من أسلوب «داعش»، والتنظيم قال إن منفذي الهجوم هم أعضاء في التنظيم، وهذه الطريقة التي يستخدمونها عندما لا يكونون منخرطين بشكل مباشر في الهجوم، وأن الأمر مقتصر على التأثير والإلهام عن بعد، وهذا ما يظهر لنا للآن».
وقال بول كروكشانك، محلل شؤون مكافحة الإرهاب بشبكة CNN أيضًا: إن إسبانيا لم تكن هدفًا كبيرًا عند «داعش» من قبل، مقارنة بأهداف مثل بريطانيا وفرنسا، مضيفًا أن «إسبانيا لم تلعب دورًا يقارن بالدور الذي لعبته بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا في التحالف الدولي ضد التنظيم والغارات التي استهدفته في العراق وسوريا».
وتابع كروكشانك: «في الوقت الذي ذهب فيه نحو 1000 متطرف بريطاني للانضمام للجماعات المختلفة في سوريا ومثلهم من الفرنسيين تقريبًا، رأينا نحو 100 إسباني فقط، ذهبوا للقتال مع داعش في سوريا والعراق».
وتتحدث تقارير إعلامية غربية، عن احتمالية تكثيف عمليات الانتقام الإرهابية التي يقودها تنظيم داعش في إسبانيا خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل تفكيك الجماعة الإرهابية بشكل منهجي على أرضها في العراق وسوريا.
وقالت صحيفة «الإندبندنت»: إنه على الرغم من الزيادة المحتملة في المستقبل في الهجمات الإرهابية، لكن «داعش» يواجه خطرًا متزايدًا بعدم الاهتمام العام واللامبالاة تجاه أنشطتها.