التصوف.. جسر التواصل بين أتباع الديانات السماوية الثلاث
الجمعة 13/يوليو/2018 - 09:26 م
صورة تعبيرية
آية عز
يعتبر التصوف، منهجًا فكريًا يتسم بالروحانيات العالية والسلام الداخلي، وقد مارسته الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، وتشابهت طريقة أدائه في الديانات الثلاث وفي بعض الأحيان كانت تختلف نسيبًا، لكن ظل الهدف عند الجميع واحدًا، وهو التقرب إلي الله والزهد والبعد عن ملذات الحياة كافة.
المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
الزهد والاعتكاف والخلوة
كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قبل أن ينزل عليه الوحي ويُكلف بالرسالة، ينعزل عن الناس في أوقات معينة، ويذهب إلى غار حراء يتعبد ويصلي ويتأمل الوجود من حوله.
أما المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)، فكان في كثير من الأحيان يذهب إلى المرتفعات والجبال ليُصلي ويتعبد ويتأمل الكون، وذلك كما ورد في إنجيل لوقا: «وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ.» (لو 21 37 )، «وكان يُعلم الناس في الهيكل في النهار فيأتون له من كل حدب وصوب ويستمعون له» ( لو 2137).
و كان موسي عليه السلام، عقب أن أنزل الله عز وجل عليه التوراة، يذهب دائمَا إلى جبل الطور في سيناء ليتعبد فيه، ويكلم الله ويطلب رؤيته، وذلك بحسب عدة آيات في القرآن الكريم، وبعض نصوص التوراة التي وردت في سفر الخروج، (أحد أسفار النبي موسى الخمسة بحسب الديانة اليهودية).
وتعتبر الخلوة في التصوف الإسلامي، رياضة روحية يجاهد بها المرء الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس، وينصرف فيها عن كل الرغبات والشهوات التي يمتلئ بها العالم المادي، فيعتقد الكثير من المريدين أنهم لن يقتربوا من الله ولن يحصلوا على أعلى مكانات العشق الإلهي، إلا إذا دخلوا في خلوة روحانية مع أنفسهم ليعبدوا الله عز وجل.
فالخلوة أو العزلة في التصوف الإسلامي تُطهر القلوب، وتجعل الإنسان يتأمل مخلوقات بارئ السماوات والأرض، ويقول عدد كبير من المريدين أو المتصوفين أن العزلة تكون بالقلب والعقل، أى أنه لو كان المريد موجودًا وسط جمع من البشر يستطيع أن يذهب بعقله وقلبه إلى بيت الله الحرام مثلًا ويكون جسده موجودًا وسط البشر.
أما الخلوة في التصوف المسيحي؛ فهي قريبة نوعًا ما من الإسلام، وهى عبارة عن الرهبنة وتتم في الصحاري والجبال والمناطق النائية البعيدة عن المواطنين وأعين البشر.
وهنا يقول الأنبا يوأنس، في كتابه «مذكرات في الرهبنة المسيحية»: «إن الوحدة والاعتزال عن الناس في المسيحية عادة قديمة لازمت المسيحيين منذ ظهور الديانة المسيحية»، مضيفًا «الخلوة نافعة جدًا ولازمة لإنعاش الروح في المسيحية، فبقدر ما تتسع الصحاري والجبال، تتسع آفاق النفس والقلب والفكر».
وكذلك يقول القديس يوحنا، والمعروف بـ«الشيخ الروحاني»، في حديث له عن الخلوة: «قطع حديثي مع الناس لأتحدث معك، وأغلق بابي لتفتح أنت لي بابك، وأحرم نفسي من الشمس الطبيعية لتشرق أنت لي، يا شمس البر والشفاء في أجنحتها».
أما الخلوة في الديانة اليهودية، فهي لا تختلف كثيرًا عن الإسلام والمسيحية، ففي أعقاب القرن الثاني قبل الميلاد شاع بين اليهود مناهج فكرية وعقائدية جديدة، منها الرهبنة والاعتكاف لساعات طويلة أو أيام في الأماكن البعيدة عن أعين البشر للتعبد، وفي القرون الميلادية الأولى ظهرت عقائد كثيرة أثارت لغطًا وتخبطًا كبيرًا لدى اليهود.
العشق الإلهي في الديانات الثلاث
«الرب واحد» و«العشق واحد»؛ لأن الله في الديانات السماوية الثلاث: (اليهودية، والمسيحية، والإسلام)، هو إله واحد لا غيره، وكل شخص ممن يعتنق أي ديانة من الثلاث يحب الله، ويعبده بحسب عقيدته.
فالمحبة في التجربة الصوفية الإسلامية، هي الفناء في ذات الله، وهو أمرٌ ليس هينًا لأن الصوفي يجب أن يدأب ليلًا ونهارًا لتطهير نفسه من كل المظاهر المادية والدنيوية.
وعلى سبيل المثال كان «السهروردي» مؤسس المدرسة الإشراقية في التصوف، يرى أن الله هو نور الأنوار وأصل الموجودات، فمتى تجردت النفس عن علائق البدن وشهواته، تيسر لها الاتحاد بالله والاتصال بنوره، وهو الأمر الذي جعله يختار الجوع كنوع من أنواع الرياضة الروحية، لترويض شهوات البدن، ويقول في كتابه «حكمة الإشراق»: «إنك إذا أردت حقيقة الحكمة وكنت مستعدًا لله، فأخلص لله تعالى، وانسلخ عن الدنيا انسلاخ الحية من جلدها، لعلك تظفر بها».
واتهم «السهروردي»، بالكفر، عقب تأليفه لكتاب «حكمة الإشراق»، وقتل في عام 1191، ويقال إنه حُكم عليه بالصلب والخنق حينها، ولذلك أطلقوا عليه «السهروردي المقتول».
ويقول الدكتور محمد مصطفى حلمي، في كتابه: «الحب الإلهي في التصوف الإسلامي»: «إن هناك حبين، حبًا إلهيًا، وحبًا نبويًّا، والحب الإلهي هو الذي يتخذ فيه المُحب موضوع حُبه من الذات الإلهية، ويتحدث فيه عن الحب المتبادل بين الله والإنسان، أما الحب النبوي فهو الذي يستقي موضوع حبه من النور المحمدي الذي هو أسبق في الوجود من كل موجود».
أما العشق الإلهي في التصوف المسيحي، فيقول عنه القديس بولس (أعظم الرجال عند المسيحيين): «إن الفضائل الإلهية ثلاث: الإيمان، والمحبة، والرجاء، وأي شخص يلتزم بالثلاث فضائل السابقة يستطيع أن يصل إلي نور الله».
كما يقول يسوع في إنجيل «متى»: «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك».
وفي اليهودية يعتبرون أنهم مخلقون من روح الله، بحسب اعتقادهم، حيث يقول « التلمود» (كتاب تعليم الديانة اليهودية وهو تدوين لنقاشات حاخامات): «إن الله خلق ستمائة ألف روح يهودية وجميعهم من الله، وبقية الأرواح الغير يهودية شياطين».





