ad a b
ad ad ad

«العروسية».. طريقة صوفية حاربها التكفيريون في ليبيا

الجمعة 06/يوليو/2018 - 10:58 ص
المرجع
عبدالهادي ربيع
طباعة

على مدار عقود طويلة، انتشر العديد من الطرق الصوفية في ليبيا وتونس، من أشهرها «الطريقة العروسية الشاذلية»، وهي إحدى الطرق الصوفية، المتفرعة عن الطريقة الشاذلية التي تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي (1196-1258)، ويؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، وإن كانت تختلف عنها في سلوك المريد وطريقة تربيته، إضافة إلى اشتهارهم بالذكر المفرد «الله» أو المضمر «هو»، وقد تفرعت منها الطريقة العروسية المنتسبة إلى الشيخ أبي العباس أحمد بن عروس (1376– 1463م، 778-868هـ)، وينتشر أتباع هذه الطريقة في كل بلدان شمال أفريقيا، إضافة إلى وجود بعض مريديها في دول غرب أفريقيا والدول الإسلامية الأخرى.


«العروسية».. طريقة

مؤسس الطريقة

ولد الشيخ أبي العباس أحمد بن عروس، يتيمًا مع أخوين آخرين، فتزوجت أمه واحتفظت به معها لصغر سنه، وأطلق عليه من حينها ابن عروس (أي ابن العروسة باللهجة المحلية)، وتردد ابن عروس صغيرًا على الجوامع والزوايا، خاصة زاوية سيدي محرز بمدينة تونس، ليأخذ العلوم الشرعية، ثم تعددت بعد ذلك رحلاته في طلب العلم، فانتقل إلى باجة، ومنها إلى المغرب؛ حيث استقر بفاس ثم بمراكش، التي تلقى فيها الطريقة الصوفية الشاذلية، ثم عاد إلى مدينة تونس؛ حيث أنشأ زاوية سيدي ابن عروس التي أمر ببنائها السلطان الحفصي أبوعمرو عثمان سنة (838 هـ، 1434 م)، ولاتزال الزاوية موجودة حتى الآن، وأصبح جزء منها مكتبة عمومية والجزء آخر مقرًا لرابطة الجمعيات القرانية.

«العروسية».. طريقة

دماء جديدة في عروق العروسية

شهدت الطريقة العروسية -على مر تاريخها- عدة حملات تجديدية، كان أشهرها على يد الشيخ عبدالسلام الأسمر المتوفى (سنة 981 هـ 1573م) وكانت تغييرات الأسمر في منهج الطريقة والذكر تغييرات جذرية، ما يجعل البعض يسميها بـ«العروسية الأسمرية»؛ حيث أدخل الأسمر أمورًا كثيرة على الطريقة مثل «دمجه للرقص وضرب الدفوف بالسماع الصوفي في الحضرة».

وعلى غير ما تنتهجه الطرق الصوفية الأخرى تشترط العروسية الأسمرية اشتراطات خاصة في الحضرة والسماع، منها تطييب المجلس بالطيب لأجل حضور «الجن والملائكة»، كما اشترطوا أيضًا وقتًا خاصًا للحضرة والذكر، فقد حددوا ليلة الاثنين وليلة الجمعة من كل أسبوع، «وأما وقتها الذي تعملونها فيه فهو ليلة الاثنين وليلة الجمعة من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، ذلك كله وقتها فاعملوها فيه متى شئتم».

وتنتشر الطريقة العروسية في كامل أنحاء دولة تونس، وكذلك ليبيا، التي لا تعد «العروسية» من أقدم الطرق الصوفية فيها وحسب بل أكثر الطرق الصوفية انتشارًا أيضًا، ويعتبر مسجد الشيخ عبدالسلام الأسمر أحد أهم وأكبر مراكز تحفيظ القرآن الكريم وبث العلوم الشرعية في ليبيا، وتوجد حاليًّا بجوار مسجده الجامعة الإسلامية الليبية التى اتخذت اسمها منه، لتصبح الجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية، كما يتسع انتشار الطريقة العروسية أيضًا في دول المغرب ومصر واليمن.

«العروسية».. طريقة

الطريقة العروسية في مصر

وقد دخلت الطريقة العروسية الأسمرية إلى مصر في بداية نشأتها وذياع صيت إمامها عبدالسلام الأسمر؛ حيث وفد إليه أكثر من خمسة آلاف مريد من الشام ومصر وبغداد ومكة المشرفة والمدينة المنورة، وأخذوا عنه العلوم الدينية والطريقة، ولايزال مريدو العروسية الأسمرية موجودين في مصر، وتتجاوز أعدادهم 15 ألف مريد، موزعين على العديد من المحافظات المختلفة، كما أن للطريقة زاوية خاصة يرتادها المريدون للذكر، وتلقى الطريقة في حي الغورية بالقاهرة؛ حيث يوجد ضريح أحد أولياء الطريقة الأوائل السيد محمد النامولي، وتشارك الطريقة في الموالد والاحتفالات الدينية التي تحدث في مصر، كما أن لها ليلة خاصة تحييها الطريقة بشكل خاص؛ هي ليلة الثامن من رمضان في كل عام هجري.

«العروسية».. طريقة

العروسية والإرهاب

تُعتبر الطريقة العروسية من أولى الطرق الصوفية التي عانت من الإرهاب، إذ اضطهدها التكفيريون، فهدموا قبة ومقام الشيخ عبدالسلام الأسمر في الـ٢٣ من أغسطس ٢٠١٣، وأضرموا النار بمكتبة الجامعة الأسمرية، وإمعانًأ في الاضطهاد سكبوا الجير الأبيض فى بئر الجامعة لتسميم مياهها، كما استهدف الإرهابيون الجامعة بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة، والتي أدت لحدوث دمار كبير داخل ملحقاتها، وقتل في هذا اليوم أكثر من ١٨ شابًا من أحفاد الشيخ عبدالسلام الأسمر.

 

وفي مواجهة هذه التيارات التكفيرية التي منعت العروسية وغيرها من الطرق الصوفية من ممارسة أي طقوس دينية، بدعوى تحريمها وبدعيتها، أسست العروسية بالتعاون مع الطرق الأخرى تعاونيات لإقامة جبهات لمواجهة الفكر التكفيري، وإقامة الموالد الخاصة بهم، خاصة مع انتشار السلفية المدخلية التي تُواجه أيضًا انتشار الفكر الصوفي، والمدخلية (أتباع الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي، وبدأ دخولهم إلى ليبيا على يد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في الفترة من (2000-2005)، بسبب تحريمهم الانتخابات وإيمانهم بعقيدة طاعة ولي الأمر.

 

كما يشارك مريدو العروسية في كل الدول العربية الأخرى في حملات توعوية لنشر الفكر الصوفي، وتعريف المواطنين بالإسلام الوسطي السمح الحقيقي، إضافة إلى تأكيد شرعية الصوفية دينيًّا، وإزالة الشبهة الدينية حول الصوفية، وأنها أخذت مبادئها من السنة الصحيحة، إضافة إلى صد حملات التشويه التي تعرضت لها الطرق الصوفية.

"