يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«اليمين المتطرف».. سبب تصاعد «الإسلاموية» في أوروبا

الإثنين 02/يوليو/2018 - 09:07 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة
عندما ينشأ تطرف فكري داخل مجتمع ما، فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى نشأة تطرف مضاد من أجل مواجهته، مع اعتبار أن التطرف التابع ليس بالضرورة أن يكون موازيًا للتطرف المستقل، المناقض له في القوة، ويعد التطرف الديني أخطر أنواع التطرف، ليس فقط لفاعلية أدواته على الأرض، ولكن أيضًا لأن أفراده يتوارثون أفكارهم، ثم يضعونها في مرتبة عالية فوق النقد، ما يجعلهم أقل تحكيمًا للعقل لحساب نزعتهم الدينية
 الأحزاب اليمينة
الأحزاب اليمينة المتطرفة
ومن هنا اتخذت الدول «العلمانية» نهجًا عامًّا في الحكم، والتي بمقتضاها يتم عزل الدين عن الحياة العامة تمامًا، من أجل تغليب القومية الوطنية على القومية الدينية، ونجحت العلمانية في تجنيب كثير من الدول ويلات الحروب الدينية أو المذهبية التي لا تُحقق لأفرادها إلا المزيد من التنازع والتشرذم.

بالتزامن مع الانفتاح الأوروبي على العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، هاجر الكثير من مواطني الدول الشرق أوسطية المسلمة لأوروبا، وزادت نسبة الهجرة مع مرور الوقت، خاصة بعد النجاحات الاقتصادية التي حققتها أوروبا، والتي توجت مؤخرًا بترسيخ دولة الرفاهية، وهي الدولة التي تتجاوز حقوق مواطنيها الأساسية لتوفر لهم كل متطلبات حياة الرفاهية.

لم يعجب الأمر بعض الأوروبيين المتعصبين، الذين رأوا في هجرة المسلمين خطرًا على قومية بلدانهم الوطنية والدينية، فشكلوا أحزابهم السياسية التي قامت بالأساس على معاداة الوافدين.

وفي البداية، كان حصول أي من الأحزاب اليمينة المتطرفة على تمثيل برلماني يُعدُّ إنجازًا في حدِّ ذاته، لكن في مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في نهاية العقد الأول من القرن الحالي، ازدادت شعبية اليمين المتطرف، وأصبح أكثر طموحًا في تولي مقاليد الحكم في بعض البلدان، مثل هولندا وفرنسا، على سبيل المثال لا الحصر.
حركة «بيغيدا» الألمانية
حركة «بيغيدا» الألمانية
قيود دينية
واعتمدت الأحزاب اليمينية نهجًا شعبويًّا في مهاجمة المسلمين، فنظمت تظاهرات، وأنشأت حركات احتجاجية، مثل حركة «بيغدا» الألمانية التي تأسست في 2014، ثم انتشرت في العديد من بلدان أوروبا، وحركة «بريطانيا أولًا» التي تأسست في 2011، وتعرّف نفسها على موقعها بأنها تُعادي المسلمين، وكان لهذا الأمر أثر سلبي على المسلمين داخل أوروبا؛ لأن خطاب اليمين المتطرف وضع جميع المسلمين في كفة واحدة، ولم يفرق بين الوافدين أو السكان الأصليين في أوروبا، ما أشعر جميع الفئات باستهدافهم دينيًّا

وبمرور الوقت اضطرت الحكومات التقليدية في أوروبا لفرض قيود دينية على المسلمين، محاولين سحب البساط من أسفل أقدام الأحزاب اليمينية المتطرفة، فتم فرض قيود على الحجاب في بعض البلدان، مثل فرنسا وبلجيكا، اعتقادًا منهم أن ذلك يؤدي إلى تقليل خطر الإرهاب في أوروبا، دون أن يدركوا أن الحجاب نفسه كملبس لا يدفع صاحبه نحو التطرف، ولكن القيود التي تمنع المسلمين من ارتداء ملابس تتسق مع ذواتهم الدينية هي من تدفعهم نحو ذلك؛ لأن كل القيود الدينية تدفع الفئة المستهدفة نحو التطرف.

ربما تحوي قضية الحجاب في جنباتها جدلية بيّنة، فبينما يرى البعض أن الحجاب ملبس ديني لابد من حظره اتساقًا مع حالة العلمانية السائدة في المجتمع، يرد البعض الآخر بأن حالة الحرية الفردية السائدة في أوروبا تمنح المواطنين الحق في فعل ما يحلو لهم، طالما أن ذلك لا يضر غيرهم من المواطنين

وإذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى، سنجد أن أضرار الحجاب التي تستدعي حظره غير موجودة بالفعل، مقارنة بالنقاب، وعلاوة على ذلك، نجد أن حظره فقط لأن شكله لا يعجب البعض، أو لأنه يمنح شعورًا لدى البعض بتزايد نسب المسلمين في مجتمعاتهم، أمر غير غير كافٍ؛ لأننا إن تحركنا بنفس المنطق، سنجد مطالبات من بعض المحافظين الأوروبيين، مسلمين ومسيحيين، بتقييد حالة الخليعة السائدة في أوروبا.

ولكن الحائل دون الاستجابة لطلبات المحافظين الأوروبيين يجب أن يكون حائلًا دون حظر الحجاب؛ لأن الأمر سيان، ويجب أن تظل شمولية حالة الحرية سائدة، وألا يتم قصرها على فئة دون أخرى.
«اليمين المتطرف»..
تعميق الإسلاموفوبيا
على صعيد متصل، أدى تنامي شعبية ونفوذ اليمين المتطرف، إلى زيادة النظرة السلبية تجاه المسلمين؛ ما أدى إلى تعميق ظاهرة الإسلاموفوبيا، ودفع هذا الأمر أعدادًا كبيرة من المسلمين الأوروبيين نحو الهجرة والانضمام إلى التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، على رأسهم «داعش»، اعتقادًا منهم أنها ستوفر لهم حالة غير مسبوقة من الحرية الدينية التي لم توفرها لهم أوروبا. 

لم يتوقف الأمر عند هجرة المسلمين خارج أوروبا، فقد عمل أوروبيون على الترويج للتنظيمات المتطرفة، دون أن يغادروا بلدانهم، فيما عكف آخرون على الاندماج في الأعمال العنيفة داخل أوروبا، من خلال استعادة مفهوم الذئب المنفرد، الذي يُهاجم دون أن يقوم بأي اتصالات تنظيمية، ما يجعل أمر تقصيه صعبًا للغاية. 

واتساقًا مع سياسة العمل المنعزل، يعمل المسلمون على تكوين تجمعات خاصة بهم، فتراهم يتمركزون في أحياء معينة في مدن أوروبية كبيرة، بهدف توفير نوع من الحماية البينية المشتركة، ويتخذ المتطرفون من هذه الأحياء وسيلة للاختباء والتخطيط لهجماتهم. 

كما يُعدُّ تمركز المسلمين في بقاع معينة أمرًا مناقضًا لسياسة الدمج التي تنتهجها أوروبا مع الأقليات؛ لأن الدمج له شق مجتمعي وسياسي، فضلًا عن الشق الجغرافي الذي يقتضي إعادة توزيع المسلمين على المدن المختلفة بهدف منعهم من تكوين أي تمركزات بشرية في مدن معينة، الأمر الذي قد يُمكنهم مستقبلًا من الحصول على تمثيلات سياسية نيابية، اعتمادًا على كثافة أعدادهم في مدن معينة، بعبارة أخرى، جاء تمركز المسلمين في أحياء ومدن معينة نتيجة شعورهم بالاستهداف الذي تولد كرد فعل على تنامي خطاب اليمين المتطرف ضدهم، ما زاد من تهديد الإسلاموية على أمن أوروبا.

وفي نهاية المطاف، على أوروبا أن تُدرك أن الدمج المدني للأوروبيين من أصول أجنبية سيسهم في تعزيز أمنها القومي، على عكس عزلهم تمامًا.
"