قمة منظمة الأمن الجماعي بروسيا.. قراءة في النتائج لتحليل الدلالات
الإثنين 30/مايو/2022 - 06:40 م
محمود البتاكوشي
في ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية بالغة التعقيد على الصعيدين الإقليمي أو العالمي، إثر الحرب الروسية الأوكرانية، استضافت روسيا مؤخرًا قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم كلا من روسيا، بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان.
توقيت عقد القمة يحمل العديد من الدلالات، من بينها ما هو مرتبط بالماضي، والحاضر، فهي تأتي بعد مرور 30 سنة على توقيع معاهدة الأمن الجماعي في عام 1992، ولم تكن قد مضت حينها إلا شهور قليلة على تفكك الاتحاد السوفييتي، كما تتمثل في كونها أول قمة تُعقد بعد التطورات التي شهدتها كازاخستان في يناير 2022 عندما اندلعت احتجاجات شهدت أعمال عنف، على أثرها طلبت كازاخستان من المنظمة إرسال قوات حفظ سلام وبالفعل، كانت هناك استجابة سريعة من الدول الأعضاء، وتم إرسال هذه القوات التي لم تمكث في كازاخستان إلا أيامًا قليلة، وأُعلن بعدها عن إنجاز المهمة، وعودة الاستقرار إلى البلاد.
وتسعى موسكو من خلال عقد القمة على أراضيها في كسر العزلة المفروضة عليها عقب حربها مع أوكرانيا، وإظهار قدرتها على الحركة في محيطها الاستراتيجي، وحشد الحلفاء في مواجهة الغرب الذي يصر على مواجهة روسيا في أوكرانيا عبر تقديم كل أشكال الدعم للأخيرة بما فيها السلاح، بالإضافة إلى فرض سلسلة من العقوبات الصارمة على موسكو، إذ تمثل نوعًا من الحركة الجيوسياسية الروسية المُضادة للغرب في فضاء آسيا الوسطى.
تطرق البيان الخاص بمخرجات قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مجموعة من القضايا، على رأسها كيفية تعامل المنظمة مع الوضع الجيوسياسي الراهن عبر تكثيف التعاون العسكري والسياسي، وتشكيل نظام فعّال للأمن الجماعي، والتصدي للتحديات والتهديدات، ولوحظ في كلمات قادة الدول التفاوت الكبير بين أجندة التحديات، فإذا كان من المفهوم أن نظرة روسيا للتحديات أعم وأشمل بحكم مكانتها ودورها العالمي وليس الإقليمي فقط، فإن بيلاروسيا تحدثت عن التحديات المرتبطة بالعلاقات مع الغرب أكثر أو ما يمكن تسميته بالحدود الغربية لدول المنظمة ممثلة في حدود كل من روسيا وبيلاروسيا.
وعلى الرغم من أن ما يجري في أوكرانيا لم يُذكر صراحة في بيان القمة، فإن قضايا ذات صلة مباشرة بالأزمة قد نالت نصيبها من الاهتمام، حيث تم التأكيد على أن هناك قلقًا بخصوص ما يحدث على حدود الدول الأعضاء في المنظمة، كما ذُكرت قضايا من قبيل عدم مراعاة بعض الدول لمصالح الدول الأخرى، وتلك كانت حجة أساسية استندت إليها روسيا في تبرير تدخلها العسكري في أوكرانيا، كما امتد القلق الذي أبداه البيان إلى العقوبات الأُحادية التي تُفرض بعيدًا عن مجلس الأمن الدولي، وسياسة الكيل بمكيالين، والانتقائية في التعامل مع قواعد ومبادئ القانون الدولي، كما أدان تزوير الأحداث التاريخية والمقصود هنا ما يتعلق بمساهمة الاتحاد السوفييتي السابق في دحر النازية، إذ تؤكد روسيا دائمًا أن من بين أسباب حربها في أوكرانيا التصدي للنازية، فضلًا عن مخاطر توسع حلف الناتو، وما يتوجب معه وجود خطاب موحد للتعامل مع التحديات الخارجية، وعلى رأسها الدور الخارجي في زعزعة استقرار دول هذه المنطقة عبر ما يُسمى بالثورات الملونة.
كما تضمنت القمة الأخيرة مقترحات واضحة من أجل تطوير عمل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ممثلة في تقوية التفاعل والتنسيق بين دول المنظمة، وزيادة فاعلية الجهود المرتبطة بمواجهة التحديات، والحاجة إلى قدرات تحليلية تنبؤية أكثر قوة، وأن تكون هناك شبكة من مراكز الفكر على مستوى الدول الأعضاء لتقديم رؤى خاصة بالتعامل مع القضايا الدولية.





