ad a b
ad ad ad

بين العمالة والمناورة.. ما وراء بقاء الجولاني في المشهد السوري

الثلاثاء 31/مايو/2022 - 06:22 م
المرجع
مصطفى كامل
طباعة
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في وقت سابق المدعو أبو محمد الجولاني زعيم ما تسمى هيئة تحرير الشام، على قائمة الاستهداف، وخصصت جائزة مالية قدرها 10 ملايين دولار، لمن يُدلي بمعلومات حول وجوده، إذ تُعَدّ تلك الادعاءات الأمريكية غير حقيقية، وأن واشنطن لا يخفى عليها مكان وجود الجولاني ورصد حركاته، مثل قادة باقي الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إدلب.

صمام الأمان الوحيد

أكمل الجولاني محاولات إقناع المجتمع الدولي بإمكانية التعايش مع مشروعه دوليًّا، وأهمية وجوده في إدلب، إذ كان من بين الخطوات التي طمأنت المجتمع الدولي، هي نجاحه في محاربة خلايا داعش في إدلب، فهو أكثر خبرة من الفصائل بمحاربته للتنظيمات، كونه يفهمها بنيويًّا وفكريًّا، حيث شنت هيئة تحرير الشام منذ منتصف العام 2018 حملة استمرت 3 أعوام، تكللت بالقضاء شبه الكامل على جميع الخلايا النشطة في المنطقة.

وتركزت الجهود الأمنية في هذا السياق في محاولات القبض على المجموعات المجهولة التي كانت تستهدف الدوريات التركية والروسية في إدلب.

ولم يتوقف الجولاني عند هذا الحد، فراح يضيق على الشخصيات الموالية للتنظيمات الإرهابية من مختلف الجنسيات، وسجن بعضهم.

لماذا لا يُستهدف؟ 

عدم استهداف الجولاني حتى الآن أو أي من قيادات هيئة تحرير الشام يعني وجود قناعة حاليًّا بأنه صمام الأمان الوحيد للمنطقة، وهذا ما راح يتداوله مناهضو هيئة تحرير الشام بأنه عميل لأمريكا ومنفذ لأوامرها، في حين أن هناك فرضية أكثر عقلانية وأخف شعبوية في الأوساط السورية بأن ما قام به الجولاني ليس عمالة وإنما مناورات تخدم مصالحه وطموحاته على الصعيدين الشخصي والفصائلي.

ويؤكد مراقبون أنه لو سمح الجولاني لتنامي تنطيم داعش، سيتمكن الأخير من القضاء عليه، لكونه ألدّ عدو له وبينهما ثأر، وكذلك إذا سمح لجماعات القاعدة بالوجود في إدلب ستقوم على تعريته شرعيًّا والثأر منه، لما تعتبره خداعًا لها وتضييعًا لثمرة قتالهما معه، وكذلك إذا أعطى الفصائل نفوذًا في إدلب، سيجعلها تقاسمه النفوذ وتستمر في استجلاب الدعم الدولي من مال وسلاح واستقطاب أعداد أكبر من المقاتلين، منوهين إلى أن الجولاني ريم إدلب بدقة بما يلبي طموحاته ويحميه من إدراجه في قوائم الاستهداف، بناء على أن مقتله سيتسبب بانهيار هيئة تحرير الشام أو إضعافها ومن ثم نهضة جديدة للجماعات الإرهابية الناقمة على تحرير الشام وعلى الفصائل معًا، وأنه ستعود خلايا أكثر قوة حاملة ثأرًا ضد الجميع.

وهناك تقارير تشير إلى أن كل الخطوات التي اتخذها الجولاني ساهمت في منع استهدافه منذ البداية، وليس فقط ما قام به أخيرًا من تغيير لباسه وشكله، وتليين خطابه، فهذه تكملة لجميع سلوك الرجل الذي منع عنه الاستهداف، وما قام به الجولاني أخيرًا هو يأتي في الإطار نفسه، ويقوي من رصيده دوليًّا ومحليًّا، وأن أهم أهداف ظهوره المتكرر أخيرًا، القول بأنه زعيم وطني إسلامي للمنطقة جميعًا وليس فقط لهيئته.

انشقاق وتحول
حاول الجولاني في انشقاقه عن تنظيم داعش الإرهابي، أن يبرز بأن من الأسباب الأساسية لذلك، هي عدم قناعته ورفضه لتبني فكر التنظيم في محاربة أمريكا، وأن هناك اختلافًا مع التنظيم في تحديد هوية العدو، الأمر الذي فُهم في دوائر واشنطن بأن هناك اختلافًا حقيقيًّا بين فكر الجولاني وقادة داعش، فوضع الجولاني أول خطواته في إرضاء المجتمع الدولي، وفي طريق التمهيد لسلطته.

وعندما تبع الجولاني للقاعدة مباشرة، حرص على أن يظهر نفسه بأنه لا يتبنى الرؤية التي يؤمن بها تنظيم القاعدة، من عالمية الجهاد ومعاداة الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بات جليًّا عندما لم يمرر الجولاني في الإصدارات التي كانت تبثها جبهة النصرة حينئذ، أي دعايات تدعو إلى معاداة الغرب والتحريض على ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة.

استخدم الجولاني بعض قادة القاعدة بعد انشقاقه عن داعش من أجل شرعنته أمام التنظيم ودعايته، لكنه بقي هو المتحكم في قرارات «النصرة»، وشكّل ما يمكن تسميته حينئذ بـ«الجهادية الوطنية»، وهذه طمأنت الغرب وأغضبت القاعدة والتيار التقليدي الجهادي، وتلك تعتبر خطوة إضافية في طريق تهذيب الجماعات الجهادية وتأطيرها، وأظهر أنه الوحيد القادر على هذا التغيير المريح للولايات المتحدة.

واجهت زعيم تحرير الشام عدة تحديات، كانت تشكل عائقًا يحول دون تثبيت قدمه كصاحب مشروع وأن لديه طموحًا في الوصول إلى السلطة، والتفرد بها، حيث كان أولها خطر داعش عليه من الناحية الفكرية والعسكرية، وحتى تلك التي تتعلق بتهديد حياته، والتحدي الآخر هو الثمرة التي كان ينتظرها تنظيم القاعدة من الجولاني، إلا أن الجولاني حرم التنظيم منها وخيب أمله.

محاربة داعش
شارك الجولاني في القتال ضد داعش بداية العام 2014 في الشمال السوري ولو بشكل محدود، لكنه أبدى وضوحًا بتصنيف التنظيم كأحد أبرز أعدائه، واستفاد من معركة الفصائل العسكرية التي جرفت التنظيم من ريف حماة إلى ريف حلب الشرقي.

والتحدي الآخر الذي واجه الجولاني، هو انفكاكه عن القاعدة، فبعد أن استخدم القاعدة لشرعنة نفسه أمام داعش، جاء الوقت ليتخلص من القاعدة نفسها، التي لن يقبلها العالم ولا المجتمع السوري المحلي، واستثمر هذا الانفكاك لتقديم نفسه على أنه قائد وطني يؤمن بمبادئ الثورة السورية، فاستطاع قص أجنحة التيار الجهادي التابع للقاعدة في صفوف تحرير الشام وعمل على تقريب كثير من الشخصيات التي يُعرف عنها بأنها تتبع مصالحها، ولا تؤمن بالفكر الجهادي، وأضعف الرموز المؤسسة لجبهة النصرة، فالشخصيات الجديدة تدور حيث تدور مصالحها، وهي أكثر ولاء وطاعة للأوامر، بعكس الشخصيات التي أسست جبهة النصرة فهي تحمل إرثًا فكريًّا عميقًا، وقسطًا من المن عليه.

"