يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

هل تنتهي الحرب «الروسية ــ الأوكرانية» بسقوط كييف؟

الثلاثاء 15/مارس/2022 - 03:03 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
أصبحت أوكرانيا، بين شقي الرحى بعد أن تحولت إلى ساحة للصراع بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، بسبب تجاوزها الخط الأحمر المرسوم لها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

خرقت أوكرانيا في عهد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، التوازنات التي حرص على الحفاظ عليها قادة أوكرانيا السابقون منذ تفكك الاتحاد، بتحوله بشكل كامل تجاه الغرب، وتبني قوانين عدائية استفزت موسكو؛ على سبيل المثال ما يسمى قانون الشعوب الأصلية في أوكرانيا، الذي اعتبر كل ذوي الأصول الروسية ليسوا من شعوب أوكرانيا، وقوانين حظر استخدام اللغة الروسية في المعاملات اليومية، وتطبيق غرامة على المتحدثين بها، وتغيير أسماء المدن التاريخية التي بناها القياصرة الروس، ونصب تماثيل في الميادين العامة لقادة منظمة القوميين الأوكرانيين المتعاونة مع النازيين، إلى جانب سعيها الدؤوب للانضمام إلى حلف الناتو.

روسيا تفقد الأمل في استيعاب كييف سلميا

الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا، تؤكد أن موسكو فقدت الأمل في استيعاب كييف بالطرق السلمية، وصعوبة وصول حلفائها إلى السلطة بعدما تم إقصاء كل من له علاقة بروسيا من العملية السياسية، كما هو الحال مع بيلاروس، أو كازاخستان، وبعض بلدان آسيا الوسطى؟

ومن المؤكد أن الحرب الروسية لن تتوقف حتى تحقق جميع أهدافها، مهما بلغت الخسائر البشرية أو الاقتصادية؛ فإيقاف العملية دون تحقيق أهدافها، يعني تغييرًا كاملًا للبنية السياسية الروسية، وربما وضع مستقبل روسيا ووحدتها على المحك، إذ تراهن على عنصر الوقت فيما يخص العقوبات الاقتصادية، وما يمكن تسميته الأفضلية المؤقتة للديكتاتورية مقابل الديمقراطية في كسبها هذه المعركة، ففي ألمانيا حكومة هشة، وفي فرنسا انتخابات رئاسية، وانتخابات تجديد نصفي للكونجرس في الولايات المتحدة، وللعقوبات تأثير سلبي أيضًا في الغرب، وقدرة الروسي على تحمله أكبر من نظيره الغربي، والضغوط التي تمارس على السياسيين الغربيين ستكون كبيرة مقابل محدوديتها على النظام السياسي الروسي.

التصريحات الغربية فيما يخص تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وإرسال متطوعين للقتال إلى جانبها، تحمل طابعًا دعائيًّا غير قابل للتحقق، إذ كيف تصل كل تلك الأسلحة في ظل سيطرة الجيش الروسي على الأجواء الأوكرانية، والمنافذ البحرية، فضلًا عن أنه إذا كانت لدى أوكرانيا مقاومة شعبية وميليشيات مسلحة وجيش، فما حاجتها إلى وجود متطوعين أجانب، وإذ حدث ذلك سيصب في مصلحة النظام الروسي إذ يؤكد صحة قرار الحرب.

خطة ممنهجة 

بحسب خبراء عسكريين فإن العملية العسكرية الروسية، وأن كانت تمضي ببطء، إلا أنها تسير وفق خطة ممنهجة للسيطرة على ما تسمى «أوكرانيا المفيدة»، وحصار المدن لعدم التورط في قتال شوارع، وأصبح مستقبل أوكرانيا كدولة في حكم المجهول، ولكن يصعب جدًا عودتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب الروسية، وربما سيناريو تقسيم على المدى المتوسط يكون الأكثر ترجيحًا.

ومن المؤكد أن روسيا مقبلة على تغيير داخلي كبير؛ فإذا خرجت منتصرة من هذه المعركة، سيحقق الرئيس فلاديميير پوتين حلمه بأن يكون قد استعاد عظمة البلاد بعد 21 عامًا من حكمه، تمامًا كما بطرس الأكبر، بعد قضاء المدة نفسها في الحكم، وربما بعد ذلك يتنازل عن السلطة لخليفة له بعدما يكون قد حقق ما وعد به، أو يصبح رئيسًا مدى الحياة؛ أما في حال الفشل، فإن كل الاحتمالات مفتوحة، وصولًا إلى الحديث عن مستقبل الدولة الروسية نفسها؛ ولذلك فإن كل الاحتمالات مفتوحة أيضًا في استخدام جميع الأسلحة منعًا لهذا السيناريو.

أوراق اللعب 

تمتلك روسيا كثير من أوراق اللعب في أوكرانيا، وهناك متعاونون بعضهم في موسكو يستعدون للحظة دخول الجيش الروسي العاصمة الأوكرانية كييف، لإعلان خريطة طريق لحل الأزمة مع روسيا، ومنهم من يعمل داخل أجهزة الدولة، وينتظر الوقت المناسب ليعلن سعيه إلى التفاوض مع الروس لمنع الكارثة، ومنهم من يترقب نتائج المعركة، وما الذي ينوي الغرب فعله؛ حتى لا يتورط في تأييد موسكو، أو معارضتها، ويخسر.
  
وفي حال تأزم الموقف الروسي يمكن أن تفتح عدة جبهات في المناطق المتمردة أو تفتح عليها هذه الجبهات، ولديها فيها حلفاء أقوياء مسلحون، وتدخل أوروبا كلها في أزمة كبرى، وتعقد مساعي واشنطن للتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتشكيل حزام من النيران في البلطيق وآسيا الوسطى، ووسط أوروبا وشرقها، وشرق المتوسط، وإفريقيا الوسطى.

وقد لا يبدو مستبعدًا أن تلجأ موسكو إلى السلاح النووي التكتيكي إذا ما وجدت أن الغرب يضغط عليها إلى آخر مدى، ويريدها أن تخرج من هذه المعركة خاسرة، فكل الاحتمالات مفتوحة، ولا سيما بعد تصريحات بوتين التي قال فيها لماذا نحتاج إلى العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه.
"