هل تقطع روسيا إمدادات الغاز عبر أوكرانيا إلى أوروبا؟
الجمعة 11/فبراير/2022 - 07:24 م

محمود البتاكوشي
حالة من الترقب والتخوف في الأوساط الأوروبية، من احتمالات قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز إلى قارة أوروبا، ردًا على تصاعد الأزمة حول أوكرانيا، والتضييق الذي يمارسه حلف شمال الاطلنطى «ناتو» عليها.
ورغم صعوبة هذا القرار نظرًا لنتائجه الاقتصادية الكارثية، سواء على أوروبا أو روسيا، لكنه يظل خيارًا مطروحًا حال تصاعد الأحداث وعدم الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف، بعد أن وصلت الأزمة إلى حافة الجرف، إذ اشتدت التوترات على الحدود المشتركة بين روسيا وأوكرانيا، مع حشد الأولى آلاف العسكريين مع جارتها منذ أواخر عام 2021، على نحو دفع التقييمات الغربية للذهاب بأن موسكو باتت على وشك غزو الأراضي الأوكرانية حتى تتمكن من تنصيب رئيس موالٍ لها.

سيف العقوبات الاقتصادية
ولذا رفعت القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، سيف العقوبات الاقتصادية الشاملة في وجه روسيا، حال شنها أي عمل عسكري ضد أوكرانيا، فضلًا عن قيامهما بتسليح الجيش الأوكراني بمعدات عسكرية ثقيلة.
كما هددت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بوقف تشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الجديد، الذي يربط بين ألمانيا وروسيا عبر بحر البلطيق، وذلك في حالة حدوث أية أعمال عدائية ضد أوكرانيا، وألمحت ألمانيا بأن تصعيد الأزمة الأوكرانية قد يعني إلغاء هذا المشروع، ونهاية خط الأنابيب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يحاول بشتى السبل إيقاف المد الأوروبي، على دول أوروبا الشرقية التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي السابق، لتحجيم نفوذ حلف الناتو، فهو يرى أن الاقتراب من هذه الدول يمثل تعديًا وتجاوزًا للخطوط الحمراء ، نظرًا لتهديده الأمن القومي الروسي.

ورقة الغاز
يعد الغاز الروسي من الأوراق المهمة التي يمارس بها الرئيس الروسي فلاديميير بوتين ضغوطه على القارة العجوز، إذ يمكن لشركة غازبروم الروسية الرد على أي عقوبات اقتصادية على موسكو بقطع إمدادات الغاز تمامًا عن قارة أوروبا.
ومن شأن هذا أن يشل أنظمة الطاقة في القارة وينتج عنه ارتفاع هائل في أسعار الغاز والطاقة عمومًا، كما أنه من الممكن حال نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، أن تتوقف تدفقات الغاز عبر كييف، بسبب ظروف الحرب؛ وهو ما يضع على المحك تدفقات غاز بنحو 40 مليار متر مكعب تلتزم روسيا بنقلها سنويًّا عبر أوكرانيا بموجب اتفاقية تنتهي في عام 2024، ومن شأن ذلك أن يمنح موسكو نفوذًا لإملاء شروطها على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وكذلك الترويج لأهمية خط أنابيب نورد ستريم 2.
ومن المؤكد أنه لن يكون سهلًا على القارة الأوروبية استبدال تدفقات الغاز المنقولة عبر الأراضي الأوكرانية، إذ أنه في حال الاعتماد على خط أنابيب يامال بيلاروسيا بولندا ألمانيا، يمكن لشركة غازبروم الروسية إعادة بعض من الإمدادات إلى خط أنابيب يامال البالغ طاقته نحو 33 مليار متر مكعب، ولكن لن يكون تعزيز النقل عبر بيلاروسيا دون ثمن سياسي أو اقتصادي بالنسبة لأوروبا، فقد سبق أن هدد الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في مناسبات عديدة، بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، وذلك ردًا على أي عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي عقب أزمة المهاجرين مع بولندا.
كما أن لجوء أوروبا إلى زيادة مشتريات الغاز المُسال من الأسواق الفورية، يدفع أسعار الغاز للصعود أيضًا، ما يكبد القارة العجوز خسائر فادحة، لذا أجرت الإدارة الأمريكية مؤخرًا جولات دبلوماسية مع عدد من منتجي الغاز في الشرق الأوسط، فضلًا عن النرويج وأستراليا؛ لضمان تأمين احتياجات أوروبا من الغاز.
وبالرغم من ذلك يبدو الأمر في غاية الصعوبة، بسبب كثرة احتياجات أوروبا من الغاز فضلًا عن ارتباطها بعقود طويلة الأجل مع العملاء في آسيا ومناطق أخرى من العالم.
ومن الممكن أن تجبر الضغوط الروسية أوروبا على إعادة تشغيل مزيد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم، أو حتى تخلي بعضها مثل ألمانيا عن خطط لغلق محطات نووية في العام الجاري.
ورغم التصعيد والتوتر الذي يشوب العلاقات، يعد قطع إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا هو سيناريو بعيد الاحتمال، حتى في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، فليس في مصلحة أي من الجانبين، قطع الإمدادات لأنه لن يضر الاقتصاد الأوروبي فقط، وإنما الروسي أيضًا، كما سيضر سمعة موسكو كمورد موثوق فيه للغاز، وقد يدفع أوروبا للتخلص من اعتمادها على الغاز الروسي إلى الأبد، وأكبر دليل على ذلك أن تدفقات الغاز الروسي ظلت إلى أوروبا مستمرة من دون انقطاع خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، أو حتى في أعقاب ضم موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014.