«الإرهاب والاقتصاد».. دراسة تفكك العلاقة بين طرفي المعادلة الأمنية

لا يستهدف الإرهاب فقط المؤسسات الأمنية في الدول
التي يهاجمها، ولكنه يستهدف أيضًا اقتصادها وبنيتها الاجتماعية والسياسية
والفكرية، محاولًا تغيير ديموجرافيتها وإرثها الحضاري، كي يتمكن من نشر فكره الضال بين الصفوف الشعبية والأوساط الاجتماعية.

الإرهاب والاقتصاد
كانت مصر من الدول التي لم تسلم من مخططات التنظيمات الإرهابية على مدار تاريخها، حيث إن تلك الجماعات تحركت مدفوعة من بعض الجهات المعادية التي تهدف للنيل من مكانة مصر، وهو ما أثر بصورة مباشرة على اقتصاد البلاد الوطني، وهو ما رصده الباحث ضياء فتحي في دراسته بعنوان «أثر الإرهاب على النمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة 1996-2018»، والمنشورة في مجلة البحوث المالية والتجارية بعدد يناير 2021، والصادرة من كلية التجارة - جامعة بورسعيد.
وسعت الدراسة إلى فهم وتقدير أثر الإرهاب على النمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة من 1996 وحتى عام 2018، حيث اعتبرت الدراسة أن الإرهاب هو أحد العوامل المؤثرة بصورة مباشرة على النمو، كما يؤثر بصورة غير مباشرة على مجموعة من المتغيرات الوسيطة مثل الاستثمار المحلي، الاستثمار الأجنبي المباشر، الإنفاق العام، السياحة.
أهداف العنف
وأوضح الباحث نقلًا عن عدة مصادر علمية أن الإرهاب هو الاستخدام المقصود، أو التهديد باستخدام العنف تجاه المدنيين أو الأهداف المدنية في سبيل تحقيق أهداف سياسية، كما عرفه بأنه التهديد أو الاستخدام الفعلي للقوة والعنف غير القانونيين من قبل جهة فاعلة غير حكومية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية من خلال التخويف والإكراه.
كما قسم الباحث الهجمات الإرهابية من حيث الدوافع والجذور إلى نوعين، الأول يختص بالهجمات الإرهابية ذات الدوافع الاقتصادية، والثاني الهجمات الإرهابية ذات الدوافع غير الاقتصادية، وأوضح الباحث أن النوع الأولى ترجع جذوره إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، والثاني برز مع انتهاء مرحلة الحرب الباردة ولا يميل للظروف الاقتصادية ولكنه ينطلق من أيديولوجيات دينية أو سياسية.

نتائج مباشرة
وأوضح الباحث في دراسته أن الإرهاب يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي بصورة مباشرة وغير مباشرة، أما الصورة المباشرة فتتمثل في خسارة جزء من رأس المال المادي، وذلك عن طريق عمليات تدمير البنية الأساسية للدولة ورأس المال الإنتاجي، كما تخسر الدولة جزءًا من رأس المال البشري من خلال عمليات القتل والإصابة.
أما التأثير غير المباشر للإرهاب على النمو الاقتصادي، فإنه يتمثل في الأثر السلبي الناتج عن الإرهاب في المتغيرات الاقتصادية الوسيطة مثل الاستثمار المحلي والتضخم والانفاق الحكومي، وفي حالة مصر، فإن أهم المتغيرات الوسيطة هو الدخل الوارد إلى الدولة من خلال النشاط السياحي الذي يتأثر بشدة في حالة وجود عمليات إرهابية.
كما أوضح الباحث أوجه التأثير السلبي للإرهاب على الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يخلف الإرهاب وراءه حالة من عدم اليقين بسبب عدم الاستقرارين الأمني والسياسي، وهو ما يؤثر سلبًا على حوافز الاستثمار، وعلى رأسها الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يلجأ إلى البحث عن الفرص البديلة حول العالم، وتعاني الدول النامية هروب الاستثمار الأجنبي؛ نظرًا لهذا السبب، مع وجود تحول لهذه الأموال إلى المناطق الأكثر استقرارًا في الدول المتقدمة.

تأثير خارجي ومحلي
ولا يتوقف تأثير العمليات الإرهابية على الاستثمار الأجنبي، ولكنه يمتد إلى الاستثمار المحلي، حيث تميل الدولة إلى تخصيص الانفاقين العام والخاص لصالح أغراض الحماية والدفاع، وهو ما يؤثر سلبًا على مستوى الادخار في الدول، وبالتالي يتأثر الاستثمار بها.
وتميل الدول إلى تقليل الإنفاق العام لمواجهة الإرهاب، حيث يزيد التركيز على الجوانب الأمنية لمنع حدوث تلك الهجمات أو مواجهتها، وهو ما يستدعي محاولة الحكومة تنمية الإيرادات العامة، أو إعادة تخصيص وتوزيع سبل الإنفاق العام.
وتوصلت الدراسة إلى أن هناك تأثيرًا مباشرًا للعمليات الإرهابية على النمو في مصر خلال فترات طويلة من تاريخها، بحيث إذا زاد الإرهاب نقطة مئوية فإن النمو الاقتصادي يقل بمقدار 0.002 نقطة مئوية، واتضح أن هناك علاقة طردية بين الاستثمارين المحلي والأجنبي المباشر والدخل من السياحة والنمو الاقتصادي باعتبارها أهم المواد المؤثرة عليه في مصر.
وبصورة أكثر تفصيلًا، فإن زيادة الإرهاب بمقدار نقطة مئوية واحدة تساهم في تقليل الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 0.0085 نقطة مئوية، وتقلل الاستثمار المحلي بمقدار 0.004 نقطة مئوية، وتقلل الدخل من السياحة بمقدار 0.002 نقطة مئوية.
كما أوصت الدراسة بضرورة العمل على مكافحة الإرهاب على جميع الأوجه الاقتصادية والثقافية والسياسية إلى جانب المواجهة الأمنية، بالإضافة إلى تحسين بيئة الاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي وزيادة الحوافز للمستثمرين وتسهيل الإجراءات أمامهم، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام بالتسويق السياحي.