«داعش» في أندونيسيا.. أرض الإرهاب العائلي والخلافة البعيدة «1-4»
الإثنين 28/يونيو/2021 - 01:23 م

محمود البتاكوشي
بعد أن فقد تنظيم داعش الإرهابي مناطق نفوذه في سوريا والعراق وانهارت خلافته المزعومة، يسعى للسيطرة على أرض جديدة في أسيا لتجديد دمائه، ولا سيما في الفلبين وأندونسيا وماليزيا وتايلاند والهند وغيرها من دول القارة، وخاصة أندونيسيا التي يحلم التنظيم الإرهابي بأن تكون أرض الخلافة البعيدة.

بدأ ظهور «داعش» في أندونيسيا، منذ عام 2014 عقب مبايعة سانتوسو أمير جماعة مجاهدي شرق إندونيسيا، «أبوبكر البغدادي» زعيم التنظيم الإرهابي ( قتل في عام 2019)، ونجح في ضم الجماعات المحلية تحت رايته، وأطلق على هذا التحالف جماعة «أنشاروت الدولة» والتي عملت على تسهيل التواصل بين العناصر الإرهابية في الفلبين وإندونيسيا، كما انتقل على أثر ذلك التحالف عدد من المقاتلين الأجانب إلى هناك.
أصبحت جماعة «أنشاروت الدولة» أكبر جماعة إرهابية في إندونيسيا، وتتشكل من نحو 20 جماعة متطرفة، وتتمتع الجماعة الإرهابية بدرجة كبيرة من الإستقلالية، فعلى الرغم من سعيها إلى شن هجمات مرتبطة بالقيادة المركزية لتنظيم «داعش» لكن المجموعات الإرهابية الصغيرة التي تشكل المجموعة تستطيع إجراء عمليات مستقلة عن قيادة التنظيم.
فلسفة جماعة «أنشاروت الدولة»، تقوم على اتباع تكتيك الإرهاب العائلي، وظهر ذلك بوضوح في تفجيرات سورابايا في 13 مايو 2018، والتي استهدفت 3 كنائس، تقع في مدينة سورابايا، ثاني أكبر مدينة في إندونيسيا، حيث نفذتها عائلة مكونة من 6 أفراد من بينهم ابنان بعمر 16 و18 عامًا وابنتان 9 أعوام و12 عامًا، إذ فجر كل فرد من أفراد الأسرة حزامه الانتحاري بشكل فردي.
وتكرر الحادث نفسه في مارس 2021 عندما فجر عروسان نفسيهما على أبواب كاتدرائية قلب يسوع المقدس، بالعاصمة الإقليمية ماكاسار، وتبين أن الانتحاريين زوجان ينتميان لجماعة «أنصار الدولة»، التي اعتنقت أفكار «داعش».
يعد لجوء تنظيم «داعش» إلى نمط العائلة في تنفيذ الهجمات الإرهابية هدفه عدم الوقوع في فخ تصفية التنظيم وتقويضه بعد تنفيذ الهجمات عبر تتبع تسلسله الحركي العنقودي وصولًا إلى القيادات والمخططين والممولين؛ فالعائلة في هذه الحالة هي التنظيم وعائلها هو قائدها، ولا مجال للتوصل لمخططين أو ممولين ومدبرين خارج نطاق العائلة التي يموت أفرادها أثناء تنفيذ العملية الإرهابية، الأمر الذي منح التنظيم قبلة الحياة بعد الضربات الأمنية الناجحة هناك، إذ تمكن من الانتشار في المدن الكبيرة مثل؛ جاكرتا وسورابايا ثاني كبرى مدن إندونيسيا، وهو ما لا تحظى به فصائل أخرى تعتمد على التكتيكات القديمة التقليدية حيث تحاصرها قوات الجيش والأجهزة الأمنية بالمناطق النائية والغابات.
الإرهاب العائلي جاءت فكرته من المناهج التربوية لحزب التحرير الأندونيسي الذي اعتمد في الأساس على انضمام أسر بكاملها ومشاركة أفرادها في فعالياته، وهو ما يفسر انضمام العديد من شباب حزب التحرير المحظور إلى تنظيم أنصار الدولة.
استغل تنظيم «داعش» الإرهابي، الصراعات الطائفية والانقسامات العرقية، والتباينات الدينية، في تجنيد أعضاء جدد في أندونيسيا، وذلك سمح للتنظيم الإرهابي أن يغير من استراتيجيته وتوسيع مناطق نفوذه بعيدًا عن حاجته للسيطرة عن الأرض كما كان يفعل في سوريا والعراق، إذ بات يعتمد على الإرهاب المحلي، من خلال الدعم المالي والبشري واللوجستي، وتشير التقارير الرسمية انضمام 700 إندونيسي إلى تنظيم «داعش» في سوريا والعراق.
تنظيم «داعش» الإرهابي بات يستعين بالنساء في تنفيذ وتمويل عملياته الإرهابية في أندونيسيا بسبب سهولة تجنيدهن عبر عمليات غسيل المخ من خلال غرف المحادثات عبر الإنترنت، مستغلًا شعور النساء بأنهن مواطنات من الدرجة الثانية.
كما يتم تجنيد العاملات المهاجرات بهدف الحصول على أموالهن لتمويل العمليات الانتحارية، ويعتبر ربات البيوت فريسة سهلة لـ«داعش» بسبب قلة اختلاطهن بالناس، وعدم وجود حياة اجتماعية جيدة مما يجعلهن يقتنعن بدعاية «داعش»، التي تزعم أن الجهاد هو أسرع طريق إلى الجنة، وأن من تموت منهن في عملية إرهابية ستضمن مكانها في السماء، على عكس من لا تزال على قيد الحياة، وخاصة أن كثيرًا من النساء هناك يعتقدن أن أندونيسيا بلاد تتعاون مع الغرب، وأن الحل الأمثل يكمن في العمل بتعاليم وقوانين الشريعة من وجهة نظرهن المتشددة.