الشيعة في مصر.. أوجه مختلفة تحت عمامة واحدة
الخميس 28/يونيو/2018 - 02:51 م

علي رجب
تتعدد تياراتها وطرقها، وتختلف مدارسها وطوائفها، إنها الحالة الشيعية التي دائمًا ما تثير الجدل واللغط حولها، خاصةً في مصر، فيراها البعض تشكل خطرًا على الدولة المصرية والنظام الاجتماعي المصري والهوية للبلاد، فيما يرى آخرون أن للشيعة في مصر كامل الحق في العيش والحياة وفقًا للمواد التي كفلها الدستور المصري، بل تطالب بإعطائهم حقوقهم.
وما بين الشد والجذب والهجوم والدفاع، والتخوف والطمأنة، يرصد «المرجع» كواليس الشيعة في مصر، ويكشف أساليب الانتشار والتوزيع وحياتهم السياسية والاجتماعية وأبرز مرجعياتهم الدينية، وغير ذلك من التفاصيل.
البداية وخريطة الحضور الشيعي
شكلت أحداث 25 يناير، وما حدث من تغيرات سياسية داخل الدولة المصرية، من صعود تيار الإسلام السياسي، وسيطرة جماعة الإخوان الإرهابية على الحكم، (من 2012 إلى 2013م) بداية ظهور التنوع داخل الشعب المصري، من الأفكار والتيارات العقائدية، وصولًا إلى المواقف السياسية، فالثورة أعطت للجميع حرية الظهور والحديث عن حقوقه، وكان منهم الشيعة المصريون، الذين طالبوا بالاعتراف بهم كطائفة وفقًا لقانون الأقليات لسنة 1925.
وللشيعة حضور ملحوظ في الخريطة الجغرافية المصرية من العريش ومطروح شمالًا، حتى حلايب وشلاتين جنوبًا، ويتراوح عدد الشيعة في مصر بين المليون و3 ملايين مصري، وفق تقديرات مختلفة، فتقرير «الحرية الدينية في العالم»، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، يذكر أن المسلمين الشيعة أقل من 1% من إجمالي عدد السكان، الذي يقارب 74 مليون نسمة وقتها، أما المصادر غير الرسمية فلا يزيد عددهم على آلاف عدّة، والبعض يرى «الأشراف» في صعيد مصر، الذي يتخطى عددهم الـ4 ملايين نسمة احتياطيًّا استراتيجيًّا للتشيع في مصر.
وهناك عدد من المدن والأحياء المصرية ينتشر فيها الشيعة المصريون في العديد من أحياء القاهرة والجيزة، كما أن لهم وجودًا في الإسكندرية، وبعض مراكز كفر الشيخ، وفي «البحيرة» تجد العديد من الشيعة في «كوم حمادة»، وكذلك «النوبارية» و«دمنهور» نفسها، وفي مركز «أبوحمص»، وجمعية «الأنوار الربانية»، التي نشرت بعض المطبوعات منها؛ «مختصر العقيدة الإمامية»، و«المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره».
وفي الشرقية؛ حيث شهدت مدينة الزقازيق أولى المجموعات الشيعية في مصر، وكذلك «أبوحماد» و«بلبيس» و«ديرب نجم» و«أبوكبير» و«فاقوس».
أما عن وجود الشيعة في الغربية، فهناك حضور ملحوظ لهم في طنطا، وقرية «الراجدية»؛ حيث يوجد مسجد السيد البدوي، كما يوجد العديد منهم في المحلة وبعض القرى التابعة لها.
أما الدقهلية التي تتخذ أهمية خاصة؛ نظرًا لأنها مسقط رأس واحد من أهم مفكري ومُنَظّري الشيعة في مصر على الإطلاق، وهو أحمد راسم النفيس، فيحظى الشيعة بحضور ملفت في مناطق عدّة، منها قرية «العصافرة» و«طناح» التي يوجد بها 7 أضرحة.
وظهر التشيع في التسعينيات على يد شيخ الطريقة «الدندراوية»، أبوالفضل الدندراوي، الذي قَدِمَ من قنا، فيما انتشر المذهب ببطء في قرية «ميت زنقر»، وفي قرية «دنديط»، بمركز ميت غمر وظهروا في قرية «الأمير عبدالله بن سلام»، مركز تمي الأمديد.
أما في محافظة الإسماعيلية، نجد التشيع مقصورًا على بعض مراكز وقرى الإسماعيلية.
وفي الصعيد، يعتمد الشيعة المصريون على السرية التامة تنفيذًا لمبدأ التَّقِيَّة، واستغلال التركيبة القبلية، التي تنتمي إلى الأشراف وآل البيت، مثل «الجعافرة» الموجودين في قنا وإسنا، والأقصر الموجود بها قبر الأمير «حمد» الجد الأكبر لهم، والعبابدة الموجودين في «قفط»، و«قوص»، والقبائل الهاشمية الأخرى مثل «جهينة، وفزارة، وهوارة، وعبس المطاعنة، والحجازية»، وعن طريق الساحات التي تُعْقَد فيها الحضرة، يروج للتشيع مثل ساحة «النبي الأعظم» في قرية «الكالوج» بأسوان، أو ساحات «الدندراوية».
مصادر التمويل
يعتمد شيعة مصر على التمويل بالمجهودات الذاتية، أو عبر المراجع الشيعية الكبرى في العراق والكويت والبحرين وإيران، هذا التمويل لا يتم عبر حكومات هذه الدول، أي لا يتم بشكل رسمي، لكن بشكل تمويل أهلي؛ حيث يعتمدون فيها على مؤسسات المرجعيات الشيعية، التي تتخطى ميزانية إحداها -مؤسسة أبوالقاسم الخوئي- الـ3 مليارات دولار، والمرجعية الشيرزاية نسبة إلى رجل الدين الشيعي صادق الشيرازي، والمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني.
التمويل الأهلي أسهم في تأسيس أكثر من 20 جمعية أهلية للشيعة، مستغلةً عدم اشتراط الموافقة الأمنية لنيل التراخيص بعد يناير 2011، ومن هذه الجمعيات؛ «الثقلين، وفاطمة، والزهراء، وخدام أحباب العترة المحمدية، وجمعية الإمام جعفر الصادق»، وغيرها من الجمعيات التي أسسها شيعة مصر؛ من أجل الدفاع عن حقوقهم، أو تصبح واجهةً قانونيةً لتجمعاتهم.
ومع وجود جهود لجمع التبرعات وأموال الزكاة والخمس من الشيعة المصريين، ظهر مشروع لإنشاء صندوق تكافلي؛ لتحسين أحوال الفقراء والمحتاجين من الشيعة المصريين باسم «نجباء مصر».
كما أن هناك العديد من الهيئات والمؤسسات الأخرى في مقدمتها المجلس الأعلى لآل البيت، الذي يترأسه محمد الدريني، كما سعى الشيعة إلى تأسيس ما يُعْرَفَ بـ«العتبات المقدسة»، الذي وُضِعَ لإحياء مسار آل البيت، وهو يشبه مسار «العائلة المقدسة»، بل يتقاطع مسار العائلة المقدسة مع مسار آل البيت في طور سيناء، وبالقرب من وادى فيران؛ حيث دير سانت كاترين ومخشع الإمام علي.
وقال محمد الدريني، عندما تقدمنا بمشروع العتبات المقدسة في 2002، لوزارة السياحة المصرية، قوبل المشروع بالرفض؛ لدواعٍ أمنية.
وشدد الدريني لـموقع «المرجع» على أن المشروع كان يستهدف 20 مليون سائح سنويًّا، وملايين الدولات لمصر إلا أن فزاعة «التشيع» حال دون ظهور المشروع للنور.
وأضاف أنه يفتح الأبواب لكل المسلمين المحبين لآل البيت، وبعيدًا عن السياحة الإيرانية، التي تشكل فزاعة للبعض داخل الدولة.
الشيعة في مصر
يعمل الشيعة في العديد من الوظائف والمهن والحرف في مصر، التي يعمل بها المصريون عمومًا.
كما كانت لشيعة مصر مؤسسات إعلامية، كـ«صوت آل البيت» وموقع «الفاطمية»، وموقع «أمة واحدة»، وموقع «شباب النيل»، وصحيفة ومركز البديل للدراسات موقع «التحرير» الذي كان لسان حزب التحرير الشيعي، وعدد من المواقع على الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى انتشار مؤلفات عدد من رموزه تهاجم التيار السلفي في مصر.
كما أن هناك مركز «مصر الفاطمية للدراسات»، ومركز «الإمام علي لحقوق الإنسان»، برئاسة بهاء أنور، وهو مركز مدعوم من المرجعية الشيرازية في مصر، ومركز «علوم آل البيت» برئاسة عاصم فهيم، تلميذ المستشار الدمرداش العقالي الأب الروحي لشيعة مصر.
والشيعة في مصر ليس على قلب رجل واحد، لكنهم وجوه عدّة تحت عمامة المذهب الشيعي في العموم، فهم مرجعيات شيعية مختلفة أهمها المرجعية الشيرازية، وهي التي تحظى بالانتشار في صفوف الشباب المصريين، وكان هناك تجمع يجمع شباب الشيعة الشيرازية، تحت تجمع الشباب الشيعي المصري، ومن أبرز قيادته إسلام الرضوي، المتحدث باسم شباب الشيعة في مصر، وهذه المجموعة استضافت الداعية الشيعي علي الكوراني.
كما أن هناك من ينتمون إلى مرجعية ولاية الفقيه «المرشد الإيراني علي خامنئي» كمجموعة طاهر الهاشمي في البحيرة والإسكندرية، أما مجموعة راسم النفيس فهي أقرب إلى المرجعية الشيرازية، والشباب الشيعي المصري شيرازي، فيما مجموعة عماد قنديل أقرب لمرجعية رجل الدين السعودي «نمر باقر النمر»، فيما تعتبر مجموعة محمد الدريني أقرب لمرجعية النجف «السيستاني- الصدر»، وكذلك مجموعة محمود جابر، والمستشار الدمرداش العقالي، الأب الروحي لشيعة مصر، وصالح الورداني أحد أبرز الباحثين الشيعة قصة علاقته بتنظيم المهدوية في الثمانينيات، ويشكل أبرز مفكري الشيعة، وله العديد من المؤلفات.
ويقول الباحث، القيادي الشيعي، سالم الصباغ: إن المستشار الدمرداش العقالي يشكل الأب الروحي لشيعة مصر ومن رواد الجيل المؤسس.
أما عن التيارات والمرجعيات التي يقلدها شيعة مصر، فهناك المرجعيات المشهورة كمرجعية علي خامنئي، والمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، والمرجعية الشيرازية «صادق الشيرازي»، وقليل منهم لا ينتمي إلى أي مرجعية، أو مرجعيات شيعية غير معروفة.
وشكلت زيارة رجل الدين الشيعي اللبناني علي الكوراني، في مايو 2012، أبرز المشاهد الشيعية؛ حيث إنه أول مرة يزور فيها «معلم» شيعي القاهرة، ويعلن الشيعة وقتها افتتاح أول حسينية في مصر؛ وهو ما أدى إلى إثارة المؤسسات الدينية الرسمية «الأزهر الشريف»، و«الأوقاف»، و«مجمع البحوث الإسلامية»، ونقابة الأشراف، إضافة إلى التيارت السلفية، وسط صمت من قِبل حكومة الإخوان المسلمين آنذاك.
الحضور السياسي
وبعد 25 يناير شهدت مصر نشاطًا شيعيًّا ملحوظًا؛ حيث أطلق شيعة مصر وقتها، حزبًا سياسيًّا في أغسطس 2011 باسم «الوحدة والحرية»، الذي تحول لاحقًا لاسم «التحرير»، ووصف وكيل مؤسسي الحزب، أحمد راسم النفيس، الحزب بأنه (يمثل المستضعفين في مصر).
كما كانت هناك تجربة تأسيس حزب التحرير من قِبل أبرز شيعة مصر لتأسيسه، وهم؛ أحمد راسم النفيس، ومحمود جابر، والطاهر الهاشمي.
وقال محمود جابر، أحد وكلاء مؤسسي حزب التحرير: إن سبب عدم نجاح تجربة حزب التحرير، هو التعنت من قبل الدولة، وتابع جابر: كانت التجربة ضمانًا اجتماعيًّا لـلأقليات في مصر كالبهائيين والشيعة، وغيرهما؛ لذلك سعى الحزب ليكون مثالًا لدولة المواطنة التي ينادي بها المصريون ليل نهار، ويؤسس لها الدستور المصري.
وعن سبب فشل تجارب الشيعة سياسيًّا، أوضح جابر ربما تخوفت الدولة لدواع أمنية، وربما كانت هناك تعليمات من الخارج لإفشال التجربة، لافتًا إلى أن حزب التحرير كانت له هيكلة التأسيس من رئيس الحزب، والأمين العام، والمكتب السياسي وغيرها، إضافة إلى المقر الرئيسي، و8 مقرات في 8 محافظات مصرية كبيرة، ولكن تم إجهاض التجربة.
علاقتهم بإيران
تبقى العمالة إلى إيران والتبشير الشيعي وتهديد الهوية المصرية (السنية)، أبرز الاتهامات التي توجه للشيعة في مصر، وهناك «فوبيا التشيع» في مصر، خاصة من قبل التيار السلفي، وعلى رأسه ائتلاف «المسلمين للدفاع عن الصحب والآل»، الذي يكرس كل عمله لما سمَّاه «محاربة التشيع ونشر التشيع في مصر».
ويقول الباحث في شؤون حركات التيار الإسلامي، محمد جاد الزغبي: إن الوجود الشيعي في مصر فعليًّا لا يرقى لكونه وجودًا حقيقيًّا ينتمي إلى عقيدة صلبة، فهو موجود على وجهين؛ الأول وهو وجه المتشيعين المصريين، وهؤلاء مجموعة ظلت لفترة طويلة مَهيضة الجناح لا تعلن عن نفسها وتحت رقابة الأمن.
وأضاف الزغبى، أن الوجه الثاني وهم المتشيعون سياسيًّا لإيران؛ وهم المأجورون إعلاميًّا لخدمة الأغراض الإيرانية دينيًّا وسياسيًّا، والملاحظ في كليهما أن الدافع الرئيسي هنا هو المال، ويندر أن تجد بين المتشيعين المصريين من يخدم الأمر كأنه قضية عقائدية، وما يصرحون به من كراهية وحقد تجاه تاريخ السُّنَّة وأهل السُّنَّة ناجم عن الخصومات العنيفة، التي واجهوها من الشعب والأزهر.
وحول خطر التشيع على مصر قال الزغبي: «أما بالنسبة للخطر الشيعي على مصر فهو ليس مجرد خطر يراه البعض، بل هو حقيقة قائمة تاريخيًا وأيضًا حقيقة مستقبلية، لا ينكرها إلا من يجهل الملف، والقول إن المبالغة في هذا الخطر تحت زعم وجود الشيعة في الخليج، هو قول نابع من جهل بجرائم الشيعة في الخليج رغم وضوحها»، لافتًا إلى أنه لم تقم دولة شيعية في إيران إلا واستهدفت مصر.
وتابع الزغبي: الإرهاب الشيعي والإيراني في دول الخليج -وعلى رأسها السعودية- إرهاب تاريخي ومستمر؛ حيث تُعتبر الأراضي المقدسة هي الهدف الأول للتعصب الشيعي الدموي، وسبق أن استهدف الخميني الحرم المكي في موسم الحج في نهاية التسعينيات بالمتفجرات لولا أن كشف الأمن السعودي العملية التي كانت ستؤدي لكارثة حقيقية، ناهيك عما فعلوه في دول الخليج كتجمعات طائفية أثارت النعرات الدينية، وتسببت في قلاقل أمنية كارثية لم تنته لليوم، بخلاف جرائم النظام الإيراني في مختلف الدول العربية ووقوفهم خلف مذابح سوريا واليمن والعراق، على أساس طائفي محض، فالذي لا يرى كل هذا ولا يعتبره خطرًا هائلًا على كل المستويات فليراجع عقله ونظره.
وأوضح أن تهديد إيران لمصر ارتفع عقب انهيار دولة الشاه على يد الموسوي الخميني، «صار الشيعة وإيران على ثأر مع النظام المصري حتى إنهم مجدوا وأعلنوا شماتتهم في مقتل السادات، وأطلقوا اسم الإسلامبولي على أكبر شوارعهم في طهران، واستهدفوا مصر بعدد كبير من العمليات الإرهابية كان آخرها خلية حزب الله التي تزعمها سامي شهاب، وكانت تنتوي اغتيال عدد من المسؤولين في مصر عام 2006 وتفجير بعض التجمعات السياحية».